عبد السلام دخان يعد الاشتغال على الترجمة، رغبة في تشييد جسور التواصل بين ضفاف المتوسط، رهانا أساسا في مشروع الشاعر والمترجم المغربي خالد الريسوني أستاذ اللغة العربية وثقافتها بالمعهد الإسباني سيفيرو أوشوا بطنجة، فقد أنجز عددا مهماً من الترجمات الشعرية للشعراء الإسبان، وشعراء أمريكا اللاتينية إلى لغة الضاد، آخرها العمل الشعري لكلاراخانيس والموسوم ب «زوايا اختلاف المنظر»، و«كتاب الطير»، و«السكوت المنفلت». ولعل أسباب ترجمة هذه المنتخبات نابعة من المكانة المرموقة لكلارا خانيس المزدادة ببرشلونة عام 1940، والتي أسهمت بأدبها في مجال الرواية عبر أعمالها «ليلة أبيل ميشالي» 1965، و«انشطار» 1969، و«رسائل إلى أدريانا «1976، و«دروب رومانيا»1981، و«أفراس الحلم» 1989، و«رجل عدن»1991، و«سراب»1991. وفي جنس القصة القصيرة أصدرت مجموعتين قصصيتين هما: «محاولة اللقاء، محاولة النسيان»1972، و«مرايا الماء»1997. وقد تميزت تجربتها السردية بأعمال تندرج في جنس السيرة، هي: «الحياة الصامتة لفريديريكو مومبو» 1972، و«بستان ومتاهة» 1990، و«بويثا كانيلو» 1981. وفي مجال الدراسات أصدرت كلارا عددا من الكتب، منها «أن تتعلم كيف تشيخ»، و«فيديريكو مومبو.. حياة ونصوص ووثائق»، و«كلام القبيلة: الكتابة والكلام»، و«ثيرلو: العالم والشعر التخييلي».وقد أهلها هذا المجهود الإبداعي ومنجزها الأدبي الذي ساهم في تطوير الأدب الإسباني المعاصر لنيل الجائزة الوطنية الإسبانية للترجمة سنة1997. وتشكل تجربتها الشعرية مثار اهتمام النقاد بإسبانيا لما تميزت به من شفوف وخلق شعري عبر الانفتاح على العوالم الصوفية والأسطورية والرمزية في بعدها الإنساني الرحب .وتنتمي تجربة هذه الشاعرة إلى الجيل السبعيني، الذي عرف في إسبانيا باسم «التحديثيون». وتسعفنا مقدمة هذا العمل المعنونة ب «كلارا خانيس ما بين الانتماء إلى الغرب وهاجس الإقامة في الشرق» في تلمس سمات هذا الجيل بشكل دقيق، والتي يمكن تلخيصها في مرتكزات مرجعياته الجمالية والفنية التي تمتح من روافد الثقافات والآداب الأجنبية. إن عوالم هذه الشاعرة التي عرفت بصمتها لم تكن منحصرة في النزعة الذاتية الضيقة ولا منفتحة كلية على ما هو خارجي، بل كانت تجربة تحاور ينابيع الشعر الإسباني قديمه وحديثه ومحاولة إعادة خلق هذا الموروث عبر تمثلات شعرية جديدة. ويمكن رصد هذا الحضور المعرفي والجمالي في منجزها الشعري وفي طبيعة عوالمها التي تتسم بهيمنة المرجعية الجمالية والتنوع الدلالي والمراهنة على إبدالات نصية من خلال وحدة الوجود والتكثيف وشاعرية الحواس. ولعل أثر الترجمات الشعرية لديوان الحلاج، ورباعيات جلال الدين الرومي، وكتاب الأسرار لفريد الدين العطار، وقصائد حافظ الشيرازي، ورباعيات الخيام أثر في طبيعة الوعي الشعري لكلارا خانيس وطبيعة المعجم الشعري وعوالمها النصية، التي تحمل أوكسجين الشعر العربي في رئتيها. وفي هذا الصدد يقول المترجم خالد الريسوني إن «عشق كلارا الجنوني للشرق عموما وللعالم العربي على وجه الخصوص جعلها مقيمة فيه بالقوة، بل إنها غدت مرجعا معرفيا وثقافيا لكل الشعراء الإسبان والشعراء العرب، ولأنها قريبة من عالمنا ومن همومنا، ولأن أعمالها الشعرية المتأملة والعميقة في مجموعتها غدت ذات بعد كوني وترجمت لأكثر من أربعين لغة، فقد صار واجبا علينا أن نقدم بعضا من دواوينها للقارئ العربي...». ويحتوي الديوان الأول على خمس قصائد:كهف قوس قزح، نهر الهجر، خط زوايا اختلاف النظر، مشهد عمودي، إعصار الأوقات المزمنة. وجميع هذه القصائد لها ارتباط وثيق بالطبيعة، ليس الطبيعة باعتبارها معطى جاهزا، وإنما تعمد الشاعرة إلى إعادة إنتاجه وفق تلونات الذات وتحولاتها. فالطبيعة هنا عنصر مشارك في بناء الفعل الشعري، وقد اختارت الشاعرة لغة الترميز أحيانا ولغة الحكي أحيانا أخرى، مشيدة عالما ملغزا متعدد القراءات. الديوان الثاني من العمل المترجم، هو «كتاب الطير»، وهو عبارة عن قصيدة واحدة موزعة إلى 32 مقطعا قصيرا، فإذا كان الديوان الأول يميل إلى السرد، فإن الديوان الثاني يميل إلى التكثيف، ويشترك معه في حضور مكونات طبيعية من قبيل الليل والنور.. غير أن الديوان الثاني يكشف عن حزن قوي ينبع من ليل الصمت والسكون، والشاعرة لا تسلم بهذه القيمة الوجودية وإنما بحثها دائم عن طريق النور، طريق الخلاص، ولن يكون إلا بتحقق القصيدة. الديوان الثالث عبارة عن غنائية طويلة عنوانها «السكون المنفلت»، ونلمس فيها احتفاء بجروح الذات ومعاناتها في الليل وهي تقارع الصمت والسكون.ويمكن القول إن ولوج كلارا خانيس المكتبة العربية من شأنه أن يساهم في معرفة القارئ العربي لتجربة شعرية خصبة ويسمح في الوقت نفسه برصد منعطفات الأدب الإسباني، خاصة في نماذجه الراقية، وهو أمر لم يكن ليتأتى لولا هذه الترجمة التي أنجزها خالد الريسوني بوصفه مترجماً وشاعرا اكتوى بجمرة الشعر وأحس بعذوبته، ومن أجل ذلك يصر في كل عمل جديد على تقديم أعمال تحقق للمتلقي العربي مزية الإمتاع، وتحقق في الوقت نفسه مزية التفكير التأملي.