تحاول أن تحرّك السهم على شاشة الحاسوب بالفأرة فلا يتحرك شيء، تنتظر وتحاول مرة أخرى، تتفحص لوحة المفاتيح، كل شيء مشلول، تطفئ الحاسوب وتشغله من جديد، ولكن كل شيء ميت، السّهم ملتصق بالشاشة ولا تستطيع نقله، وهذا يعني أنك ضحية لفيروس ما، وعندما يمرض حاسوبك فأنت تمرض مثله ويرتفع ضغطك وتتوتر أعصابك، فمن أنت أصلا بلا حاسوبك! تحاول مرة أخرى ولكن عبثا، تترك الحاسوب وتمنحه فرصة ليخلص نفسه بنفسه، لا جدوى، تحمله بحنان كما لو كان واحدا من أبنائك وتذهب به إلى تقني مختص، تختار ذلك التقني الذي درس لسنوات بالفعل، وليس ذلك المدعي علما، الذي «يتعلم البيطرة في حمير (أو حواسيب) النّور»، لا تدع هؤلاء المدعين يتعلمون في حاسوبك.. يقول التقني: يبدو أن فيروسا قد ضربه.. فتردّ عليه... «من هذا الفيروس الحقير الذي تجرأ على حاسوبي... ألا يعرف مع من علقان». يبتسم التقني وينصحك بنوع جديد من المضادات للفيروسات، ثم يُجري لحاسوبك حملة تطهير، تتركه تحت العملية الجراحية، وتعود بعد ساعتين أو أكثر ليخبرك «لقد عثرت فيه على سبعة عشر فيروسا». - المهم طمئني... هل بقي مخه كما هو، ألم يتعرض لضرر كبير...! - لعله خير، ثم يقول بجدّية «أنا اللي عليّ عمتله والباقي على الله».. عندي مشكلة أخرى... هناك من يدخل معي خلال حديثي على (التشات)، أشعر بأن أحدهم يراقبني، أحيانا أرى كلمات لم أكتبها أنا، وأحيانا أرى السهم يتحرك على الشاشة دون أن أحركه، ماذا يعني هذا... أخشى أن أكون مخترقا، هل يمكن لأحدهم أن يسيطر على حاسوبي من بعيد مثلا؟..! - مستحيل أن يخترقك دون معرفة الرقم الداخلي للاتصال... ولكن هذا الرقم يتغير في كل مرة تطفئ فيها الحاسوب وتشغله من جديد... ولكن حتى لو لم يكن لديه الرقم قد يرسل إليك رابطا ويكفي أن تضع عليه علامة (لايك-أعجبني) قد يصل (الهاكر) إلى حاسوبك ويرى تحركك، ولكن عندما تطفئ الحاسوب سوف يتجدد الرقم الداخلي تلقائيا... ثم إن تغيير كلمات الدخول السرية على فترات متقاربة وبأرقام وأحرف وعلامات كثيرة.. - يعني إذا تركت الحاسوب في وضع (نائم)، هل هذا يكفي كي يتغير رقم الاتصال الداخلي؟ - لا يجب أن تطفئه تماما... - أشعر بأن هناك يدا خفية تحاول اختراق حسابي... قد يكون هؤلاء هواة يحبون التلاعب بمثل هذه الأمور.. حدث واخترقوا حسابات كثيرة لعدد من المراهقات وحاولوا استغلالهن وابتزازهن.. إحداهن ابنة أحد معارفي، لحسن الحظ أخبرت والدها بالأمر فنشر القصة في المواقع الإلكترونية المحلية وقدم شكوى إلى الشرطة، ولكن أكثر ما أخشاه هو أن يكون أحد أبنائي يتجسس عليّ لأن الحاسوب مشترك بيننا.. حينئذ سوف تكون جريمة لا تغتفر.. أين الخصوصية، أريد الخصوصية... - بإمكانك أن تعمل كلمة سرّ خاصة لدخولك أنت، وأخرى لدخول أبنائك، يعني يصبح عندك حاسوبان في جهاز واحد... ولكن عليك أن تعلم بأن كل شيء مراقب، لا توجد خصوصية لأحد، أنت مكشوف لأكثر من جهة، توجد نسخة أو نسخ لجميع محادثاتك والصور والأشرطة التي تصلك أو ترسلها، لا توجد خصوصية مطلقة، هناك خصوصية ولكنها محدودة جدا.. - أعرف هذا.. الهاتف مراقب أيضا، حدث أمر غريب معي قبل أشهر، كنت أتحدث عبر الهاتف مع شخصية سياسية فلسطينية محلية، خلال حديثنا كنت أسمع صدى محادثتنا مترجما ترجمة فورية إلى اللغة العبرية، سألته.. هل تعرف أنك مراقب... إني أسمع صدى الترجمة العبرية حرفيا... العالم يتغير بسرعة، «الفيروسات تملأ حواسيب الإسرائيليين والإيرانيين» هكذا يقولون، حتى نتنياهو، الذي لا يفهم شيئا في عالم الحاسوب سوى تشغيله أو وقفه، وقف يوم الثلاثاء هذا الأسبوع وأشاد بالجهود الإلكترونية التي يبذلها خبراء إسرائيل للتخريب أو للسيطرة على حواسيب مفاعلات إيران النووية! إيران ليست مكتوفة اليدين، وتحاول دس فيروسات في قنواتها إلى إسرائيل، وأثبتت أنها قادرة، وطبعا لها حلفاؤها أيضا الذين يتعلمون من تجارب الآخرين، وربما يكونون أيضا متدخلين في حرب الفيروسات، بين إيران وإسرائيل، وبلا شك أن إسرائيل التي تحظى بغواصات نووية من ألمانيا وآخر صرعات الأسلحة الأمريكية لن تكون بالنسبة إليها مشكلة أن تحصل على مساعدات بآخر الصرعات في عالم الفيروسات، وهي بنفسها تنتج فيروسات محترمة قوية وقادرة على التخريب، ولديها مناعة لجميع المضادات المعروفة، ترسلها إلى حواسيب إيران النووية، ويبقى السؤال: من هو الفيروس الأخطر والأقوى، ومن الذي سيصاب بالحمى والإسهال قبل الآخر: أحمد محمود نجادي أم بيبي نتنياهو، ومن الذي سيصرخ قبل الآخر من عضة الفيروس؟! بلا شك أن هذه الحرب أخطر بكثير من الغارات الجوية وإلقاء الصواريخ الذكية والساذجة والقنابل بآلاف الأطنان التي لا تدمر إلا ما تجده في وجهها، بينما تخريب الحواسيب أو السيطرة عليها من بعيد أو تعطيلها يؤثر في الأنسجة الداخلية وأعصاب المدن والدول. هذه الحرب «النينو إلكترونية» بين إسرائيل وإيران هي نموذج مبتدئ للحروب المستقبلية، فالحروب القادمة لن تخوضها الجيوش بالدبابات والطائرات والغواصات ولا حتى بالصواريخ العابرة للقارات التي ستشتريها السعودية في يوم ما لأنها ستفقد قيمتها، ولا على طريقة الشبح والذبح كما في مجزرة الحولة السورية، بل بالفيروسات الإلكترونية، وقد يتمكن طاقم من خمسة خبراء في عالم الحاسوب من تركيع دولة دونما حاجة إلى جيوش أصلا، وسوف تتألف أضخم الجيوش من بضع مئات من الخبراء في عالم الحاسوب، بينما ستبقى دول الشبّيحة تتاجر بالخردة المعدة أصلا لقمع شعوبها. عندما يستطيع العدو أن يسيطر على حواسيبك من بعيد، فهذا يعني أنه يعرف ماذا طبخت وفي أي ساعة ولحظة دخلت الحمام وإذا ما كنت تعاني من البواسير أو قروح المعدة ومع من ضربت موعدا غراميا، وممكن أن يأمر الحاسوب من بعيد بضخ كمية أقل أو أكثر من مواد التبريد في مفاعلاتك الذرية إذا وُجدت فيحوّل أرضك إلى جهنم، أو يخربط عقل محطات إنتاج الكهرباء فتنتج الظلام بدلا من النور، وقد يسيطر على محطات تطهير مياه الشرب فيصل البيوت محلول ملح الليمون بدلا من الماء، وقد يأمر بانفجار جهاز ما كنت تحسبه أعز أصدقائك، وقد تتحول الصواريخ بيد جيش ما إلى خطر عليه نفسه، لأنها سوف توجه بعكس الجهة التي انطلقت لأجلها، وتتحول إلى صواريخ معادية لمن دفعوا ثمنها وسمسروا عليها. سوف يكون الأمر مأساويا عندما يكتشف المغاوير أن الطائرة التي من المفروض أن تقلهم إلى خلف خطوط العدو تمت السيطرة عليها من جهة مجهولة لا بد أنها العدو نفسه، وهم في طريقهم الآن للارتطام بالقصر الجمهوري الذي يجلس فيه رئيسهم غير المنتخب أصلا، وعليهم أن ينقذوا أنفسهم ويقفزوا منها الآن حتى ولو فوق البحر، ولكن المشكلة أنهم عندما يحاولون القفز لن تنفتح الأبواب المعدة للقفز ولا حتى المظلات، لأنها هي الأخرى تحت سيطرة العدو، وحينئذ فقط سيفطنون إلى أنه كان عليهم أن يسقطوا هذا النظام منذ زمن بعيد الذي انشغل بتثبيت كرسيه وبمحاربة شعبه بدلا من مواكبة الحضارة والتقدم العلمي والسياسي وحتى الأخلاقي...