بين وسادة الليل وأرجوحة النهار جبال من رؤى أنبياء بلا نعال قضمت ألسنتها الرمضاء. جبلَنا المقدس، كيف نحبك وترغمنا على المبيت في كف سكير يضاجع الهواء؟ لا حصا الوادي أرضتني ولا عباءة الأمير أخصبت النساء؟ يا ويل عمّاتي، قبل أعمامي، من يرث سلطان القش. أغبرت خيام مضر وضاعت نقطة صلبي بين المآقي. كيف أكتب تاريخ الريح وأرسل البريد إلى كتب الموتى؟.. قبائل الغدر لم تحلم وجوهكم سوى بالقفا! من مَسِّه بات الحبيب يتقلّى.. كم من العار والخيانة تكفي كي أغطي عورات سيدي؟ مقابر الحلم، لا فوانيس تعلَّق في زر بنادق العهارة. لا خانتني العبارة، يا بعرة الناقة! ضاع ملكي بين غبار حريمي المسبي. يا ويل عماتي، كيف يمتن ذليلات تحت «نسر»! أين الملوك، يا ملوك الأرض؟ قولي لي، يا بنت مالك، بأي الفؤوس أحفر قبرا للعار؟ قلت سيد الرجال وتاج رأسي، لكن طاووسي تجاوز كل إكرام وأهدى ريشه إلى غازٍ قتل أطفالي وروّع أهلي وسباني. لقد بالغ في الانبطاح، فكيف أنام؟ وما شكوته إلى السماء. وكان أول الهاربين يا ربي. يا ظلمة قُبيل الفجر، حتى القصر، الحجارة فيه تقول: أموت ولا أترك عدوي يسبي حبيبي؟ يا لسجني وعذابي! حبيبي ضخم ويحسد الفيل على خرطومه ولا يهنأ له بال إلا في حضن خنزير..! يا بنات أورشليم ويا بنات بغداد والقيروان ويا بنات فاس والقاهرة ويا بنات صور ودمشق، قلن لي كيف أغسل بطن حبيب حقير لا يسمع!.. لا هو بالفحل ولا هو بالشجاع.. لم أعد أعرف أي وجه أقبل. خولة بنت الأزور سألناها بم نعرف الرجل الفحل قالت: انظرن إلى بوله بعدما يبول واقفا، فإن حفر في التراب فذاك فحل وإن تشتت بوله كرذاذ المطر فذاك عنين.. فماذا أفعل؟ أما الشجاعة، فقال عنها ابن خلدون إن البدو بعدما يغتنون يترفهون ويبنون القصور ويعلون الأسوار ويجعلون الحراس يصبحون يخافون أكثر من النساء ويترهلون، لقلة الحركة والأكل الزائد على الشبع.. فقلن لي ماذا أفعل؟ حبيبي لا هو بالفحل ولا هو بالشجاع ولا بحامي الحريم. يا ويلي من قومي ويا ويل قومي من العار الذي لطّخني، فلا الماء غاسله ولا الزمان ناسيه. فلا أنا إن متّ ارتحت ولا أنا إن بقيت رفع حبيبي رأسي بين قريناتي.. يا أعمامي ويا عماتي تلك التي أرى خيل قبائل تخسر ماء وجهها. فلا عيب في الخيل ولكن العيب في راكبها. فالسيف في اليد التي تقبضها، وجرأة الخيل في قلب ممتطيها. لا أراح ربي قلوب الخونة وقلوب الخيل على قلوب فرسانها!.. كيف أرسل قبلة إلى فلذات كبدي وأجمع أقلامهم وأقول لهم سلموا لي على ما ترسمون؟.. أبعدوا بعيداهنالك. فكيف أرد الحياة إلى تلك القبور الصغيرة. ها هو العار قد بلغ عنان السماء، فكيف أرسم في كناشات الأطفال بطلا أركبه فرسا وأقول لهم هذا جدكم الذي أنقذ ماء وجهنا!.. فهل يقتنع الصغار أنه ستعود إلى البطل روح وينادونه: يا جدنا الأكب، كم للعدو من روح حتى يعود ليقتلنا؟.. صويحباتي، بنات دربي وروح أرضي، ضاقت الأرض بالخونة والجواسيس ومن لا ملة لهم ولا دين لهم إلا دين سيد ماكر سيمشي علي وجهه مقوس الظهر ويقول: كل ما يمضي في العالم لا يمضي إلا بوحي من ربي، أنا منقذ البشرية من كل شر.!. ويضحك حتى تنتفخ أوداجه. هل عجزت النساء عن أن يلدن الأبطال؟ طال الانتظار. اقرأ الأفكار كما تريد أن تقرأها وأرسل خيلك في كل غاية وفي كل اتجاه ولن تحصل إلا على نتيجة واحدة يريدونها وهي أن نكون نعاجا وخرفانا تذبَح بلا رحمة في الصحراء على الآبار يوم الانتصار.. فلا تلقِ بأعناقك إلى ذابحك يا كراكيز الأذكار. ولا بانت سعاد ولا قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.. ولكنْ صخرا تهتدي الهداة به علَم على رأسه نار!..