محمد فخرالدين تقدم السلع في الإشهار بطرق مختلفة عن طريق اختيار الأسماء، أولا، واستعمال لغة مركبة تتكون من الصورة والموسيقى والحركة والألوان والنص المنطوق والمكتوب والشخوص.. عالم الإشهار كله حركية وخفة وانطلاق، حيث يوظف كل شيء تقريبا ليوصل إلى دلالة تخاطب اللا وعي والوعي معا وتدفع المستهلك إلى التصرف الفوري أو المتأخر. قد ينطلق الخطاب الاشهاري من الخطاب المتعالم ومن التلوينات اللغوية التي تكون المجتمع، لكنه، مثل الخطاب التربوي، إذا أراد أن يكون ناجحا لا بد أن يكون هادفا وموجها للعموم. ويتوسل الإشهار بالثقافة الاجتماعية وبالموروث الجمعي، وبشكل خاص، الحكاية لتقديم المنتوج وإقناع المستهلك بضرورة اقتنائه.. هكذا يستثمر الإشهار كل شيء يجده في طريقه ليحقق وظيفته الاقناعية، ويوظف الذاكرة الجماعية وما تختزنه من نصوص غائبة، ويساهم في خلق ذاكرة جديدة، خاصة عند الجيل الجديد الذي يتفاعل معه أكثر، بتكريس فكرة قوة التأثير السحرية للاستهلاك الذي يجلب السعادة ويحقق الذات ويغير المصائر.. يحاول الإشهار أن يوظف مختلف المعطيات التي يجدها في المحيط، حيث يوظف التعدد اللغوي داخل المجتمع، من فصحى وعامية وفرنسية وأمازيغية، ويوظف اللهجات المحلية، كلهجة الشمال مثلا.. كما يوظف لغة بسيطة واضحة مناسبة للجمهور: تيتسويت -آمولات الدار -خويا غير شفتك.. ويميل أكثر فأكثر إلى استعمال لغة شعبية قريبة من الجمهور المستهدَف لتحقيق المشاركة الوجدانية معه: جربو حظكم -باستعمال شعرنا -عزيز علينا -حنا كشباب.. وينوع أساليبه بين السرد والوصف والحوار والتعليق، فمن خلال حديث البنت عن حذاقة أمها، يتم الترويج للمنتوج من خلال جعل المرأة التي تستعمله هي نموذج النظافة والحذاقة.. ومن خلال الحوار، وخاصة بين النساء في ما يتعلق ببعض المنتوجات الخاصة بهن، كالحوار بين الجارة وجارتها، وبين المرأة وأم زوجها، وبين الأم وأطفالها، يتم إقناع الأخريات بضرورة اقتناء المنتوج.. وتوظف الوصلات الإشهارية الغناء الجماعي المُخترَق بالزغاريد باعتماد أغانٍ شعببية متعالقة بما يسمى «الحال» في الثقافة الشعبية: زيد دردك -وا مولات الدار.. والغناء الفردي لمُغنٍّ مشهور، أو أغنية مشهورة لها حضور في الذاكرة الجمعية، حيث يتم تحويل هدفها لتعبر عن قيمة وأهمية المنتوج: يا اللي ديت لحياتي طعم ولون... بل يستعمل الإشهار حتى الشعار الحزبي، بعد أن يطوعه لصالح المنتوج: أنا يا... ما ناويش نتخلى على منتوج كذا.. ويَستعمل الإشهار، في سياق التنافس، أسلوب التفضيل، من خلال استعمال عبارات أحسن وأكثر: شْكونْ أحسن لك آمولات المذاق -الشعر أكثر قوة -شكون يعتني بيك أكثر... ويوظف في الإقناع البذلات البيضاء والنظارات الطبية والشيب والتجاعيد.. أو كلام أحد الفنانين أو الرياضيين المعروفين، وبعض العبارات التي تجلب ثقة المستهلك، مثل «مصادق على المنتوج من طرف».. مجموعة -جمعية أو هيأة.. كما يعتمد أسلوبَ الإيحاء والترميز تجاه المنتوجات الأخرى المنافسة، ويكرر نفس العبارة للحضور في ذاكرة المستهلك، ويعِد بسلوك مميز من وضوح وشفافية وعناية خاصة وعروض أفضل.. ويتم توظيف أجواء التنافس في الإعلاء من شأن المرأة المقتصدة -الحاذقة -المعتنية أكثر بأسرتها.. لكونها اختارت استعمال منتوج لم تفطن إليه الأخريات.. فهذه المرأة تخاطب بضمير الجمع أخرى مفترضة وتتحداها في شأن النظافة «باينْ ما مصاحباشْ مع النظافة».. يلعب التسويق والإشهار دورا مهما في النشاط الاقتصادي ويستعمل مختلف المعطيات الثقافية والاجتماعية. لقد فطن الإشهار، مؤخرا، إلى قيمة استثمار وتوظيف ثقافة المجتمع ليضمن أوسع قاعدة من المستهلكين، وتوجه إلى الجمهور العريض أولا عن طريق التقسيط في ثمن البضاعة أو المنتج ليصل إلى كل الجيوب.. لقد مكنت كهربة القرى الإشهارَ من الوصول إلى الأرياف فكان لزاما أن يغير إستراتيجيته التواصلية لتكون أكثر فعالية ونفاذا في الأوساط الشعبية.. وقد فطن إلى أن كثيرا من المواطنين يسكنون البوادي، فذهب إلى أسواق البادية، ناقلا مَشاهدها وموظفا فضاءات أسواقها الأسبوعية.. وعرف أهمية النساء، فخاطب وجدان المرأة وموروثها الثقافي الخاص وإرادة المرأة الشعبية أن تكون «أحسن من سواها»، واستعمل لغة عاطفية مليئة بالإيحاء والترميز.. لقد صار الإشهار يستثمر أشكالا لها حضور مميز في الثقافة الشعبية المغربية، كنداء البرّاح في الأسواق «يا سيادي وساداتي، سْمعو ليّ».. والمثل الشعبي: الكشفْ بْكري بالذهب مْشري.. «اللّي فاتكْ بْليلة فاتكْ بْحيلة».. كما استعمل مَشاهد «التبوريدة» والصينية والطير الحر والخزاين والنعال والأبواب التقليدية والمفاتيح القديمة وصور الفرن الطيني في البادية والطاجين والصناديق.. وأجواء رمضان العائلية وكسكس الجمعة العيد الكبير وثقافة «الهْمزة» والوجبة والرغبة في الربح السريع، والصراع «الشعبي» بين المرأة وزوجة ابنها.. وظف الأغنية والحكاية الشعبية والحكمة الشعبيتين (نفار رمضان -الدقة المراكشية -الطقطوقة الجبلية).. بل حتى تجاعيد النساء المسنات في النصح باستعمال المنتوج واستعمل الوجوه المعروفة والخطابات السائرة على الألسن ورقصات الشيوخ في الجبال.. لم يترك أغاني النساء وزغاريدهن وفرح الأطفال في الشوارع ووظف منتوجات الصناعة التقليدية والأبواب والأسوار التاريخية...