أثارت تصريحاته قبل أسبوع ضجة حين قال إنه ظل يتقاضى أجرا عن عمل لا يؤديه في القناة الثانية، وأنه اختار الرحيل بعدما يئس مما وصفه تهميشا مقصودا لحقه رفقة آخرين. في الحوار التالي يعود عمر سليم، الصحافي والمدير السابق للبرمجة بالقناة الثانية، الذي عرفه المغاربة منذ أزيد من ثلاثة عقود ليدقق فيما نسب إليه من تصريحات، وفيه يقدم حقائق ظلت مغيبة عن علاقته بالصايل وبنعلي والشيخ وسيطايل. كما يتحدث عن وزير الاتصال الأسبق نبيل بنعبد الله وفيصل العرايشي، المدير العام للقطب العمومي، ويدلي بدلوه في أمور تتعلق بالمهنة. - أثارت تصريحات منسوبة إليك مؤخرا ضجة. ما سبب هذه الخرجة الإعلامية التي وجهت فيها سهامك إلى أكثر من جهة؟ وهل هي مدروسة؟ الأمر لم يكن مخططا له بتاتا، وأنا كنت مشاركا في ندوة موضوعها «الحرية الإعلامية والمحافظة الدينية»، وهو موضوع محدد وواضح ودقيق، ومداخلتي كانت تتمحور حول المجال السمعي البصري، مجال تخصصي الذي اشتغلت فيه على مدار 32 سنة، وسأعيد قول ما صرحت به، وهو يناقض كثيرا من المعطيات التي تناقلتها عدد من المنابر الإعلامية، فما صرحت به جاء في إطار جواب عن سؤال طرحته إحدى المشاركات حول سر غيابي، وقلت لها إنني غادرت في إطار المغادرة الطوعية، التي فتحتها القناة شهر فبراير الماضي، وأضفت أنني كنت مهمشا منذ سنوات ولا أقوم بأي عمل، وهو جواب قلته بانفعال كبير، لأنها أثارت نقطة حساسة، لأنني أهنت حين تم حرماني من مهنتي التي تمثل بالنسبة إلي عقيدتي وشغفي، وكنت أفضل أن يقتلوني، فهو أريح لي. وأثناء جوابي أثرت مسألة الأجر الذي كنت أتقاضاه بشكل تلقائي، لكنني لم أؤكد على أن الأمر يتعلق بأجر خام يتضمن مجموعة من المنح السنوية التي تسلمها القناة، وما أتقاضاه أقل بكثير من أجر 88 ألف درهم، الذي تم الحديث عنه، وهذا سهل التأكد منه من خلال ورقة الأداء. كما أن المنزل الذي أقطن فيه الآن ليس ملكا للقناة، ولم يسبق لي أن قطنت منزلا وظيفيا، والوحيد الذي يستفيد منه هو المدير العام للقناة. أما فيما يتعلق بالسائقين ففعلا كان لدي سائق تابع للإدارة التي كنت مكلفا بها. لكنني لم أكن أتوفر سوى على سيارة واحدة، وليس كما كتب بأنني كنت أتوفر على سيارتين، وبين سنتي 2000 و 2012 اقتنت لي القناة سيارتين، الأولى صارت قديمة والثانية اشتريتها من القناة بمبلغ 28 ألف درهم. - هذه حقائق كشفت عنها في الندوة، لكن لماذا انتظرت كل هذه السنوات لتتحدث عما تسميه تهميشا تعرضت له في القناة؟ بالعكس، قلت ذلك مرارا وفي أكثر من مناسبة، لكن تصريحاتي الأخيرة كانت في ندوة حضرتها وسائل إعلام، وهذا ما أعطاها هذا الزخم. وقبل تلك الندوة حكيت قصتي لأكثر من زميل في الصحافة المكتوبة والبرامج الإذاعية، وضمنتها حتى رسائل إلى أكثر من جهة، وناقشت وضعية زملاء آخرين، يعانون نفس ما أعانيه، من بينهم إبراهيم سلكي، الذي يشتغل رئيس قسم، والذي تم تهميشه في الفترة ذاتها، وهو اليوم «عاطل» عن العمل لأنه لا يجد ما يفعله. المشكلة أنني صحافي معروف، وحين صدرت عني هذه الحقائق أخذت صدى كبيرا، وهذا أمر أسفت له لأني كنت أود أن يتم التركيز على ما جاء في الندوة من أفكار جيدة، وفي الوقت نفسه سرني لأنني تأكدت أن الناس ما يزالون يحبونني ولم أدخل دائرة النسيان. - تصريحاتك كشفت علاقة متشنجة بينك وبين مصطفى بنعلي المدير السابق للقناة الثانية. ما حقيقة الخلاف الدائر بينكما؟ أعرف بنعلي منذ سنة 1989 حين تمت المناداة علي شهر مارس من أجل أن أقدم برنامجا رياضيا، على اعتبار أن القناة كانت موضوعاتية تركز على الرياضة والسينما، وكانت تكتفي ببث شريط مصور للأخبار، وبنعلي كان مسؤولا عن قسم البث. وهنا لا بد أن أؤكد أنه ابن المهنة وأنا لم أقل أبدا إنه ليس مهنيا، وأذكر أني حين كنت أخرج من الأستوديو بعد الانتهاء من تقديم البرنامج كان يلتقيني ويقول لي «تبارك الله عليك أنت الأفضل»، وهذا كان يحصل لاحقا حين كنت أقدم الأخبار سنة 1993، وأذكر كيف كان إنسانا خجولا ولا يرفع نظره في مخاطبه، وكان صديقا مقربا مني وطالما دافعت عنه في أكثر من مناسبة. المشكل بدأ حين عينه الصايل مديرا مكلفا بمهمة، وأضاف إلي مهمة مدير للبث، زيادة على مهمتي مديرا للبرمجة، وموازاة مع ذلك كنت أعد برنامجا، وهنا أفتح قوسا لأقول إنني كنت أستحق أكثر من الأجر الذي كنت أتقاضاه. بعد ذلك، تم اتفاق بينه وبين الصايل، وتسلم تعويضا وغادر القناة ليشتغل في ديوان وزير الاتصال الأسبق نبيل بنعبد الله، ولكنه حين عاد إلى القناة مديرا عاما حدث ما يشبه الانتقام ممن كانوا يشتغلون إلى جانب نور الدين الصايل، وكانوا أوفياء له، ومن ضمنهم أنا، وأقول أوفياء لأنه إنسان على قدر كبير من المهنية، ولا أجد غضاضة في أن أشهد بهذه الحقيقة، وإذاك بدأت متاعب مجموعة، من بينهم ابراهيم سلكي وكمال ملين وعبد ربه. مقابل ذلك تقرب منه آخرون وقدموا له ما يليق من فروض الطاعة، ولم يمسهم أي سوء. لقد كنت أول من تضرر من عودة بنعلي، وكلفني ذلك إصابتي بضغط الدم والمداومة على طبيب متخصص في أمراض القلب والشرايين. كما أن كمال ملين أصيب هو الآخر بمرض، لكنه سارع إلى مغادرة القناة، فيما لا يزال إبراهيم سلكي يعيش الوضع نفسه. هذا باختصار شديد قصتي مع صديق كان مقربا مني وكنا نتقاسم أمورا كثيرة، لكنه تغير بمجرد تعيينه مديرا، ولم يكن من المقبول أن أهان وأقبل أن أقبل يده. - وما وجه الإهانة التي تعرضت لها من طرف صديق الأمس بنعلي؟ عين بنعلي بتاريخ 10 شتنبر 2003، ومشاكلي بدأت شهر أكتوبر الموالي، إذ عينني مديرا مكلفا بمهمة، مما يعني أن أجلس دون عمل، وفي شهر أبريل 2004 ذهبت إليه وقلت له إنني أتقاضى أجرا، وقبل أن أكون مديرا أنا صحافي وسأظل كذلك إلى أن أموت، وطلبت منه أن أشرف على برنامج ثقافي، لأنني كنت أحتفظ بمجموعة من المشاريع في درج مكتبي، وكنت أنوي بحكم مهمتي السابقة كمدير للبرامج أن أعطي حضورا أكبر للثقافة في القناة، وهو ما وافق عليه بشرط أن تكون برمجة البرنامج في يوم أحد في الجزء الثالث من الليلة، وقبلت لأن همي كان فقط أن أعود إلى ممارسة المهنة التي أعشق، وأن أؤدي مهمة عن الأجر الذي أتقاضاه، أو كما نقول بالعامية «نحلل فلوسي». والغريب أنه هو من أطلق اسم «فنون وحروف» على البرنامج بعدما أعجب بفكرته. بعد أربع حلقات استطاع البرنامج أن يحقق نسبا عالية من المتابعة، وهو ما دفع بنعلي إلى تغيير موعد بثه إلى يوم الاثنين على الساعة العاشرة مساء، وأكثر من ذلك كان يفتخر ببرنامجي، حتى أنه وضع لوحة إشهارية للبرنامج تحمل اسمي يراها كل زائر يدخل مكتبه. استمر الأمر على هذا النحو، وكنت أنجز البرنامج بأقل الوسائل الممكنة، إذ كنت -أستغل صداقاتي مع عدد من الأشخاص والشخصيات، إلى حدود تعيين فيصل العرايشي على رأس القطب العمومي بتاريخ 14 فبراير 2006، حينذاك راسلته وطلبت تحكيمه في مسألة حرماني من مهمة مدير للبرمجة التي كنت أشغلها، وتعييني بالمقابل مكلفا بمهمة، وفي شهر يوليوز 2006 اتصل بي العرايشي، وصادف ذلك آخر حلقة أنجزتها، وكنت حينذاك أعالج في المصحة من وعكة صحية، ليؤجل الاتصال بي إلى يوم جمعة من شهر شتنبر واقترح علي تعييني مديرا لإذاعة القناة الثانية، على اعتبار أنني كنت من بين المشرفين على إنشائها، وقال إن علاقتي ستكون مباشرة معه ولا شيء سيربطني ببنعلي، وهو ما وافقت عليه، على أساس أنه سينصبني يوم الثلاثاء أو الأربعاء الموالي ، لكنني أغفلت أن أسأله عن الشهر والسنة، لأنه لم يأت أبدا، وحتى حينما التقيته في أكثر من مناسبة كان يتحجج بأجندته المليئة حتى قرر لاحقا ألا يجيب عن اتصالاتي، ولم أفهم أبدا ما الذي دفعه إلى ذلك. - كيف تربط بين ما حدث وبين ما صرح به بنعلي، ردا على المعطيات التي كشفتها في الندوة، بأن العرايشي هو المسؤول عن تهميشك؟ ما صرح به بنعلي يفيد أنه على حق ويملك معطيات دقيقة ودلائل أجهلها، وإذا قال إن مدير القطب العمومي لديه شيء ضدي فعلى العرايشي أن يقدم وجهة نظره ويخرج عن صمته، لأنني أهنت في كرامتي ولو أنهم حرموني من الخبز لكنت سأخرج إلى الشارع لأتسول ما أقتات به، لكنهم حرموني من شغفي، وكنت كثيرا ما أختلي بنفسي وأبكي بحرقة، ولم أدع بابا إلا طرقته، وكان الجواب الذي أتلقاه «اذهب لترتاح فالعجلة تدور»، والوحيد الذي كان صريحا معي هو نبيل بنعبد الله الذي قال لي: «سليم تفاهم معاهم وسير في حالك»! - نقل عنك أنك قلت في الندوة إن بنعبد الله يتحمل جزءا من مأساتك؟ لم أقلها، وأقسم على ذلك، ويمكن العودة إلى التسجيلات للتأكد من ذلك، فما قلته بالتحديد هو: «الله يسمح لبنعبد الله اللي جاب بنعلي»، وسأظل أقولها. - وأين سليم الشيخ، المدير الحالي للقناة، من كل هذا؟ (ضاحكا) سؤال وجيه جدا. سليم الشيخ عين في يونيو 2008، وخلال حفل تسليم السلط لم يتم استدعائي، رغم أنني أشغل منصب مدير، والغريب أن أشخاصا آخرين أقل رتبة مني حضروا، والأكثر غرابة أن فيصل العرايشي هو من أشرف على استدعاء الحضور، وهنا أعيد ربط ما حصل معي فيما مضى وما قاله بنعلي في رده الأخير. المهم أنه بعد أشهر التقيته صدفة قرب مطعم القناة، وقال لي: «طالما التقينا رافقني إلى مكتبي» وجلسنا قرابة ثلاث ساعات، وكان يسألني كيف تشتغل القناة لأن لا علاقة تربطه بالمجال التلفزي، فهو ليس حرفته، كما هو الحال مع بنعلي، وهذا ينطبق على الكثيرين داخل القناة. خلال اللقاء سألني عما أريد أن أفعل فقلت له إنني أريد استعادة منصبي، وإذا كنت ارتكبت خطأ عليهم أن يشرحوا لي طبيعته. بعد ذلك طلب مني أن أعد مشروعا لتطوير مجلة القناة، وهو ما قمت به، قبل أن يقرر بشكل غامض توقيفها نهائيا. ما فهمت لاحقا أن استراتيجيته، إن كانت لديه أصلا، معي كانت تفرض استعمالي مثل «جوكير» يستدعيني كلما دعت الضرورة إلى ذلك. المهم أنه منذ ذلك التاريخ لم يتصل بي إلا بعد أن أطلق برنامج المغادرة الطوعية واستدعاني ليقترح علي الأمر على أساس أن أعود إلى القناة من نافذة برنامج ثقافي أقدمه بشكل مستقل، بمنطق أن «خيرنا ما يمشيش لغيرنا»، لكن الغريب أنه لم يكلف نفسه حتى عناء أن يسلم علي خلال حفل توديع المجموعة، التي قررت المغادرة، وعددنا 18 شخصا من أكفأ ما تتوفر عليه القناة. - وكيف كانت علاقتك بأشخاص آخرين في القناة؟ واضح أنك تريد أن تسألني عن سميرة سيطايل! علاقتي بها متشعبة، ففي وقت كنت أشغل منصب رئيس تحرير بين سنتي 1993 و1994، كانت تشتغل معي بعد مشكلتها المعروفة مع جاك فيرجيس، رفقة مصطفى البوعزاوي، رغم أنه كان يرفض سامحه الله.. وعندما غادرتُ القناة كانت تبكي، ولدي صور توثق لذلك. ويعلم الله إن كانت تبكي ألما لرحيلي أم فرحا، لكن الأساسي أنه بفضل رحيلي عينت رئيسة تحرير، وكانت تقدم الأخبار فترة لم تدم طويلا. - وماذا عن الفترة التي قلت إنك تعرضت فيها للتهميش، و كانت هي حينها تشغل منصب مديرة للأخبار، وهو المنصب ذاته الذي حُرمت منه؟ أنا لم أكن ألتقيها كثيرا، وإن حدث ذلك نتبادل التحية لأننا «اولاد الناس»، وأنا شخص ذو تربية، والظاهر أنها كذلك، بمعنى آخر «بيناتنا الصواب»، ولا أظن أنها لعبت دورا في تهميشي، وإن كانت كذلك ف«الله يسمح ليها». أنا لا أملك الحقيقة، لكن حين ذكر اسم العرايشي، من طرف بنعلي، في هذه المسألة ف«القضية حماضت». - كيف ترى ما آلت إليه القناة في السنوات الأخيرة؟ رغم أنهم حرموني من القناة التي أضعها في منزلة أحد أبنائي، ما أزال أتابع أخبارها بشكل يومي، ولن أقوم هنا بالدفاع عن الفترة التي تحملت فيها المسؤولية إلى جانب نور الدين الصايل، كما لن أقول سوءا عن فترة بنعلي، لكن ما نعيشه اليوم فترة أزمة عويصة، تم فيها تحويل القناة إلى قناة لا تعرض إلا الإنتاجات التركية والمكسيكية والكورية بدبلجة رديئة إلى الدارجة، وهذا أسوأ بكثير مما يحصل في القناة الأولى. فهل تتفقون معي أم أنني أعيش في عالم آخر؟ هذا سب وقذف في ذكاء المغاربة الذين يعرفون ما تعنيه التلفزة، وهذا ما يجعلهم يهاجرون إلى قنوات عالمية، بدليل أن 55 في المائة يشاهدون القنوات الفضائية، لأنهم لا يجدون برامج تستجيب لرغباتهم، لأن ما يقدم لهم مجرد منتوج تافه. - وما الذي قاد القناة إلى هذا الوضع، حسب رأيك؟ هذا من تبعات محاربة وتهميش الكفاءات، وفتح المجال أمام أشخاص غير مهنيين ولا يربطهم بالمهنة أي رابط، ويمكن أن أعطي مثالا بما يحدث في فرنسا، وهي مرجعيتنا في كثير من المجالات، فهل تتصور أن يتم تعيين مدير لا يفقه شيئا في الميدان؟ هناك يتم تعيين مدراء من بين أناس مارسوا المهنة ويعرفون خباياها، وضمنهم أناس ظلوا يشرفون على برامج موازاة مع تحملهم مسؤولية إدارة القناة. وضعنا في المغرب ينطبق عليه الحديث النبوي القائل «إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»، وللأسف علامات الساعة ظهرت فعلا. - أنت متهم بسعيك إلى تجميل فترة الصايل، وهي فكرة أثارها بنعلي في رده عليك. من حق بنعلي أن يكذب ما يشاء، وأنا لا ألومه، وأؤكد أن فترته لم تكن سلبية، لكنه ارتكب أخطاء، وهو نفسه سيعترف بها. في فترة الصايل كنا نشتغل بحوالي 300 شخص، وفي فترة بنعلي تضاعف الرقم ليصل إلى قرابة 900 شخص، ضمنهم أزيد من 250 متعاونا، ولا حاجة للقناة بكل هذه الأعداد، وللأسف الأموال التي جمعنا بددها بأسلوب التسيير السيء هذا، وأنا هنا لا أتحدث عن البرمجة لأنني قلت إنه ابن الميدان، وهو أحسن بكثير من غيره. - تقصد سليم الشيخ؟ بالتأكيد، هذه ليست مهنة سليم الشيخ، وحتى هو حاول قدر المستطاع تحسين الأوضاع التي خلفها بنعلي وراءه، وبرنامج المغادرة الطوعية واحد منها، لكن للأسف لم يشارك فيه سوى ذوو الخبرة والكفاءة. أما الآخرون ممن يتقاضون أجورا دون أن يقوموا بأي عمل فإنهم مستمرون في مناصبهم، وكثير منهم يكتفون بزيارة خاطفة للمقر وبعد ذلك يغادرون، وأنا لا ألومهم، لأنهم ما يزالون متشبثين بحلم أن يتغير واقع القناة. - كثيرا ما يثار سؤال استقلالية القرار داخل القنوات العمومية ووجود جهات تتحكم في القرارات والاختيارات؟ ما أستطيع أن أؤكده هو أنني طيلة سنوات اشتغالي في القناة لم يحدث أن تدخلت أي سلطة في عملي أو رفع أحدهم سماعة هاتفه ليملي علي ما أقوم به، والله يشهد أنه لم يحدث أن تجرأ أحدهم ليفرض علي شيئا. - لكنك لم تجب عن حقيقة وجود أياد خفية تتحكم في القناة؟ لا أستطيع أن أفيدك في هذه النقطة. ربما كانت تجرى اتصالات مع المدير العام، لكنني شخصيا لا أحد كان يملي علي ما أفعله. - وماذا عن أسلوب تعاطي القنوات العمومية مع حكومة يقودها حزب إسلامي، فقبل مدة احتج بنكيران على العرايشي، ثم احتجت قيادات من العدالة والتنمية على أسلوب تغطية نشاط لرئيس الحكومة بإسبانيا؟ حينما كنت مسؤولا عن البرمجة كنت دائما أصر على استدعاء قيادات من حزب العدالة والتنمية إلى البرامج الحوارية، مثل العثماني أو بنكيران لأنهم أشخاص «بياعة» (من البيع) كبار بفضل أسلوبهم وبساطتهم وروح النكتة الحاضرة لديهم، وكانت القناة تجني من ورائهم الأموال لأنهم مطلوبون، وهذا ينطبق على أشخاص آخرين مثل امحمد مجيد والهاروشي، رحمه الله، والنقيب محمد زيان. أما بخصوص ما أثير عن أسلوب تغطية نشاط رئيس الحكومة في إسبانيا، فأعتقد أنه إن كانت الأمور تدبر بشكل إقصائي فهذا لا يمت إلى المهنية بصلة، وهذا يدخل في باب الخطأ المهني. وبالمقابل يجب التأكد من طبيعة المواضيع التي تم بثها قبل هذا النشاط، وفي حال تعلق الأمر بكارثة طبيعية أو سقوط طائرة، أو خبر يتحدث عن مظاهرات أوقعت عددا كبيرا من الضحايا في سوريا مثلا، فالمهنية تفرض أن يتم الاحتكام إلى قيمة الخبر، وحينها يصير منطقيا وعاديا أن يحتل خبر نشاط رئيس الحكومة بنكيران مرتبة متأخرة.