تعيش مصر هذه الأيام لحظات تاريخية، إذ تنظم أول انتخابات رئاسية توصف بالنزيهة والحرية في تاريخها. لكن يبدو أن المصريين مجبرون على انتظار تاريخ 17 يونيو المقبل من أجل معرفة هوية أول رئيس مصري بعد الإطاحة بنظام مبارك. يسود ترقب شديد في مصر للنتائج النهائية لأول انتخابات رئاسية بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك. وقد قضى المصريون، لأول مرة في تاريخهم، ليلة بيضاء، متسمرين أمام القنوات التلفزيونية من أجل متابعة عملية فرز الأصوات. وتمنح النتائج الأولية، المتوصل إليها بعد فرز ثلاثة أرباع الأصوات المعبر عنها، إلى غاية صبيحة أمس الجمعة، تقدما واضحا لمحمد مرسي، المرشح باسم حزب «الحرية والعدالة»، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين. غير أن مرشح الإخوان المسلمين قد لا يستطيع، وفق المراقبين، حسم معركة الانتخابات لصالحه في هذه الجولة الأولى. وعلى هذا الأساس، يتوقع أن تشهد مصر في 16 و17 يونيو المقبل جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية في حال فشل مرسي في حصد أزيد من نصف إجمالي الأصوات المعبر عنها. وقد خلق المرشح حمدين صباحي، مرشح التيار الناصري، مفاجأة من العيار الثقيل بعد تمكنه من التفوق على عبد المنعم أبو الفتوح. ومعلوم أن استطلاعات الرأي التي سبقت يومي الاقتراع، لم تكن تمنح صباحي حظوظا وافرة للمنافسة بقوة على منصب الرئيس. وإذا كان من شبه المؤكد أن المصريين سيعودون مرة ثانية في الأسابيع المقبلة إلى صناديق الاقتراع من أجل الحسم في هوية أول رئيس للبلاد في زمن الربيع العربي، فإن منافس محمد مرسي في الجولة الثانية لن يعرف قبل الفرز النهائي للأصوات، إذ تشتد المنافسة بين كل من حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، إضافة إلى عمر موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، من أجل التمكن من خوض غمار الدور الثاني من هذه الاستحقاقات الرئاسية. ورغم المفاجأة التي خلقها صباحي، فإن أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد النظام السابق يملك بدوره حظوظا وافرة لمنافسة محمد مرسي في الدور الثاني. علما أن القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية المصرية تحصر المنافسة في الدور الثاني من هذه الاستحقاقات بين المرشحين اللذين يحصلان على أكبر عدد من الأصوات في الدور الأول. حرب «الفلول» إذا كان محمد مرسي، مرشح الإخوان المسلمين، ضَمن خوض غمار الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وينتظر هوية المرشح الذي سينافسه على صفة أول رئيس مصري بعد الربيع العربي، فإن أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في النظام السابق يبقى الأقرب إلى منافسة مرسي. ورغم أن شفيق يصنف، إلى جانب عمرو موسى، ضمن خانة رموز النظام السابق، ويوصفان ب»فلول» النظام السابق، بحكم توليهما مسؤوليات وزارية في عهد مبارك، فإن هذين المرشحين دخلا في سجال حاد مساء أول أمس الخميس أثار دهشة المراقبين. بدأ الصراع بين الرجلين عند ترويج أنباء مفادها إقدام عمر موسى على الانسحاب من السباق الرئاسي. قرار لو تأكدت صحته كان سيمنح شفيق نسبة من الأصوات قبيل ساعات قليلة من إغلاق مكاتب التصويت، وتم تعليل قرار موسى بتضاؤل حظوظه في الفوز. وبما أن موسى وشفيق يصنفان في خانة واحدة، فإن هذا يعني أن أصوات موسى في هذه الحالة ستكون من نصيب شفيق. غير أن موسى سارع إلى نفي خبر انسحابه، مؤكدا أنها شائعات ووصفها بمؤامرات مغرضة تهدف إلى التشويش على التقدم الذي يحققه. وكانت المفاجأة دخول عمرو موسى بنفسه إلى حلبة التراشق، حيث أطلق النار على شفيق، واتهم موسى شفيق بالسعي إلى العودة بمصر إلى عهد النظام السابق وأن الشائعات التي تطلقها حملته تتبنى نفس أساليب النظام البائد، خاصة لجنة السياسات التي كان يرأسها جمال نجل مبارك، والتي اتهمها موسى بأنها تدير الحملة الانتخابية لشفيق بشكل يضر بمسار الديمقراطية ويخلطه بالشائعات والأكاذيب. ومن جهتها، سارعت إدارة حملة أحمد شفيق إلى الرد بقوة على اتهامات عمر موسى، حيث نفت اتهاماته وانتقدت مطالبته شفيق بالانسحاب من السباق الانتخابي. وبلغت الانتقادات ذروتها بعدما بررت إدارة حملة شفيق تصريحات موسى ب»سوء حالته النفسية» بسبب ما أسمته «خروجه المبكر من سباق المنافسة على منصب الرئيس. التلفزيون يفرز الأصوات ثمة إجماع على أن مصر تعيش هذه الأيام أحداثا تستحق وصفها بالتاريخية. بلاد الكنانة لم تعرف يومي الخميس الماضيين حدثا غير مسبوق في تاريخها بإجراء أول انتخابات رئاسية حظيت نزاهتها وشفافيتها بالإجماع، وإنما عاش المصريون جميعهم لحظات تاريخية، أيضا، طيلة ليلة الخميس/الجمعة من خلال تمكينهم من متابعة عملية فرز الأصوات عبر القنوات العمومية. في الماضي، كانت عملية الفرز تتم بعيدا عن أنظار المواطنين الذين كانوا يكتفون بتلقي النتائج من وزارة الداخلية. في الساعات التي تلت إغلاق مراكز التصويت، جلس ملايين المصريين أمام شاشات القنوات التلفزيونية المحلية لمتابعة النتائج الأولية لأول انتخابات نزيهة تعرفها البلاد. وقد اعتبر المراقبون هذا الدور الهام الذي يعلبه الإعلام السمعي البصري في هذه الانتخابات إشارة قوية إلى شفافية ونزاهة هذه الاستحقاقات. وأضفى النقل التلفزيوني لوقائع عملية فرز الأصوات كثيرا من الإثارة والتشويق على هذه العملية. فالنتائج الأولية تتغير بين الحين والآخر ليتقدم مرشح على آخر ثم ما يلبث أن يتقدم ثالث عليهما بعدد أصوات غير متوقعة. وهذا ما حدث تحديدا مع حمدين صباحي، مرشح التيار الناصري، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وأخرج هذا الاهتمام الإعلامي بالحدث الانتخابي إلى الوجود، أيضا، نوعا جديد من المنافسة بين القنوات التلفزيونية المحلية. إذ تتسابق هذه القنوات من أجل تقريب المواطنين المصريين، والعالم بأسره، من أحدث النتائج مرفوقة بتحيلات وتوقعات أسماء بارزة في عالم التحليل السياسي. ولا يقتصر الاهتام بالانتخابات الرئاسية المصرية على القنوات المحلية، بل إن وسائل الإعلام دولية خصصت أيضا في اليومين الماضيين حيزا هاما لمتابعة أطوار هذه الاستحقاقات. وقد أجمعت الصحف العالمية، بما في ذلك الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وكذلك العربية، على الطابع التاريخي لهذه الاستحقاقات، ووصفتها معظم المنابر الإعلامية «بأكثر الانتخابات المصرية نزاهة وحرية» في تاريخ بلاد الكنانة. المثير أن الإعلام الدولي منح هذه الانتخابات هذا الوصف حتى قبل إغلاق مراكز صناديق الاقتراع. وكان لافتا، أيضا، تركيز وسائل الإعلام الدولية على الإقبال الكبير للمصريين على مراكز التصويت بشكل منقطع النظير. كما أنها حرصت على نقل قصص إنسانية من مصر عن مصريين لم تمنعهم الانشغالات عن الإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات بعد إسقاط نظام مبارك، ومن ذلك إصرار مواطن على التوجه إلى مركز التصويت في سيارة الإسعاف بعدما ألم به مرض جعله عاجزا عن الحركة، إضافة إلى عريس اصطحب عروسه في ثوب الزفاف من أجل الإدلاء بصوتيهما قبل استكمال حفل زواجهما. إشادة دولية سمة تاريخية تسم الانتخابات الرئاسية المصرية الحالية، تتمثل في وجود إجماع دولي على الإشادة بنزاهتها. أول ردود الفعل صدرت من العاصمة الأمريكيةواشنطن، وتحديدا من وزارة الخارجية، التي هنأت الشعب المصري على نجاح العملية الانتخابية ووصفت في بيان لها هذه الاستحقاقات بالتاريخية. وكان لافتا تشديد الخارجية الأمريكية على «التعاون مع الحكومة المصرية المقبلة، التي سيتم انتخابها ديمقراطيا» بصرف النظر عن هوية الرئيس الذي سينهي معركة الانتخابات الرئاسية لصالحه. وقالت متحدثة باسم هيلاري كليتون، بعد لحظات وجيزة من إغلاق مكتب التصويت، إن بلادها ستواصل «الوقوف إلى جانب الشعب المصري في نضاله الرامي إلى إرساء دعائم ديمقراطية تعكس قيمه وتقاليده، وتحترم حقوق الإنسان في شموليتها وعالميتها وتستجيب لتطلعاته تحو الكرامة وحياة أفضل». ويتوقع أن تتوالى الإشادة بالانتخابات الرئاسية المصرية من مختلف العواصم العالمية بمجرد الإعلان عن النتائج النهائية لجولتها الأولى.