يبدو أن بارونات المال والأعمال يسيرون في اتجاه الاستجابة للرغبة السياسية غير المعلنة في ما يتعلق بمستقبل المشهد الإعلامي بالمغرب، والتي تتأسس على مشروع كبير يتمحور حول نقطة أساسية هي ضرورة التحكم في مستقبل الصحافة في المغرب. فالنظام يسعى الى تشجيع دخول الرساميل المغربية الى القطاع الاعلامي لتحقيق هدفين اثنين في آن واحد، هما: خلق منابر اعلامية قوية وتهذيب الخطوط التحريرية لبعض الصحف المصنفة ضمن الصحف المبالغة في نقدها للوضع السائد في البلاد. مأسسة المشهد الإعلامي بالمغرب، المملاة من فوق، والتي تصادف الشروع في إطلاق الجيل الثاني لتراخيص إنشاء قنوات تلفزية ومحطات إذاعية جديدة، أثارت شهية كبار رجالات الاقتصاد، الذين باتوا يتسابقون نحو إنشاء إمبراطوريات إعلامية مهيمنة. وليس التدافع نحو دائرة السلطة هو الذي يحرك هؤلاء فحسب، بل ما يحركهم كذلك هو الأرباح التجارية الكبيرة التي يعد بها القطاع. وأما المتنافسون في حلبة السياق الإعلامي الجدد فهم ثلاث شخصيات بارزة هي: عثمان بنجلون وفؤاد عالي الهمة ومنير الماجدي. وإذا كان الأول يمثل صورة الشخصية التي تحقق اكتفاءها المالي بنفسها، فإن الثاني هو من يتزعم مهمة إعادة التشكيل السياسي للنظام، بينما الثالث يتحكم في خيوط الاقتصاد في الظل. بيد أن الثلاثة، وإن اختلفت مشاربهم، يتوحدون حول هدف واحد هو: رسم خارطة إعلامية تتطابق والأجندة السياسية للبلاد. ولعل الشخصية الأكثر حظوظا بين الثلاثة في الفوز بأحد الترخيصين، المرتقب الإعلان عنهما في المجال التلفزيوني من قبل الهاكا نهاية السنة الجارية، هي عثمان بنجلون، اعتبارا لأن مشروعه هو الأكثر جاهزية، واعتبارا، كذلك، لأن الأخير يتربع على مجموعة اقتصادية تنعم بصحة جيدة، تقدر قيمتها الرأسمالية بأكثر من 100 مليار درهم، يخصص منها حوالي 500 مليون درهم لمشروعه التلفزيوني الذي ينوي إنجازه بالاعتماد على دعم تقني من مجموعة «أنتينا 3» الإسبانية. ويسير مشروع بنجلون هذا في اتجاه تكريس إمبراطورية التواصل التي يملكها الرجل من خلال شركاته المتعددة في المجال. فؤاد عالي الهمة، هو الآخر، له حظوظه الكبيرة في هذا السباق، سيما وأنه محاط بعدد من الأسماء ذات الوزن الثقيل في عالم المال والاقتصاد والتواصل، أبرزهم كريم بناني الرجل الأول في مؤسسة «ميدل إيست كومونيكايشن نيتووركس» الناجحة وصاحب العلاقات المالية المتشعبة والتجربة الكبيرة في عالم التواصل والإعلان. الهمة، الذي يتربع على رأس مجموعة صحافية قيمتها 100 مليون درهم، راوده طويلا حلم الحصول على نفوذ في مجال اللتلفزيون. وهو الحلم الذي يقترب من تحقيقه في ظل الامتيازات التي يتمتع بها الرجل. ففضلا عن مجموعته الصحافية الصلبة، يملك الهمة شبكة إشهارية أخطبوطية وقوة سياسية تستمد مشروعيتها، رأسا، من الملك؛ وهو ما من شأنه أن يؤثر على «الهاكا» التي يملك فيها الهمة بعض الأصدقاء. وإذا كان مشروعا عثمان بنجلون والهمة متقدمين من حيث جاهزيتهما، فإن مشروع منير الماجدي مازال لم يتبلور بعد، إلا أن طموحاته في السمعي البصري ثابتة. وما يتبقى للماجدي من كعكة التلفزيون المعروضة على مائدة الكبار هو احتمال حيازته أسهم الدولة الفرنسية في مؤسسة «ميدي 1 سات»، حيث يمكنه أن يعول على السند القوي لمؤسسة أونا، الحاضرة في رأسمال «ميدي 1»، المساهمة هي الأخرى في هذه القناة.