لم يسبق لمحيط مبنى ولاية جهة الغرب الشراردة بني احسن أن شهد إنزالا أمنيا مكثفا بالوتيرة التي عرفها عشية أول أمس، حيث كان على موعد مع الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها مجموعة من هيآت المجتمع المدني من أجل الحق في السكن، دون أن يؤدي ذلك إلى وقوع مواجهات بين الطرفين. وحشدت سلطات القنيطرة عددا كبيرا من عناصر القوات العمومية، إضافة إلى فرق أمنية أخرى بالزي المدني، تحسبا لأي مواجهات مُحتمَلة، خاصة في ظل الأجواء «المكهربة» التي تعرفها بعض المناطق الصفيحية، والتي دفعت ساكنتها إلى الخروج في مسيرات احتجاجية للتسريع بتنفيذ برنامج «مدن بدون صفيح» بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة، التي حولت أحياء عديدة ك»أولاد مْبارك» و»لْمخاليف» و»سوق السبت» و»عين السبع» إلى ما يشبه «مطارح للنفايات»، بسبب انعدام البنيات التحتية وتردّي الوضع البيئي، رغم أن مشاريع تأهيلها أعطى انطلاقتها الملك منذ سنوات. ولم تخف قوات الأمن عزمها على التصدي لأي تحرك احتجاجي ومنع المتظاهرين من الوصول إلى الباب الرئيسي للولاية، من خلال طوق أمني امتد حتى منتصف شارع «الحسن الثاني»، كما احتشدت سيارات قوات مكافحة الشغب بالقرب من مكان الاحتجاج، حيث ضربت حصارا على جميع الشوارع والأزقة المحيطة والمؤدية إلى الولاية، في حين انهمكت جهات أخرى في إحصاء عدد المشاركين في هذه الوقفة ورصد تحركات الداعين إليها. وكادت الأمور تنفلت أمنيا، بعدما «طرد» المحتجون عون سلطة كان مندسّا بينهم، وهو ما أجبر هذا الأخير على مغادرة المكان مسرعا. وعاش صناع القرار في الولاية فترات عصيبة، بعدما رفع المتظاهرون شعارات قوية تتّهم مسؤولين بارزين بعصيان الأوامر الملكية في ما يخص محاربة دور الصفيح والتلاعب بملف السكن غير اللائق والتستر على الخروقات التي عرفها برنامج إعادة الهيكلة في العديد من المناطق. كما طالبوا بإطلاق سراح المعتقلين بسبب الاحتجاجات الأخيرة في دوار «أولاد مْبارك» وبالوقف الفوري للاعتقالات، مشددين على حق المواطنين المتضررين في الاحتجاج والتظاهر السلمي دون أن يتم تعنيفهم. وهاجم المحتجون، وبينهم نساء وشباب وشيوخ، بشدة مؤسسة العمران وحمّلوها أيضا مسؤولية الإخفاق في الإعلان عن «القنيطرة مدينة بدون صفيح» في الآجال المحددة. وتساءلت المصادر عن السر وراء إقدام هذه المؤسسة على توزيع الدراسات الخاصة بقنوات الصرف الصحي ومياه الأمطار والكهرباء والماء الصالح للشرب على أربع شركات، في وقت كان بالإمكان أن تفوّتها لشركة واحدة، وهو ما أدى إلى تعثر إخراج هذه الدراسة إلى حيز الوجود، ما انعكس سلبا على البرنامج ككل. ودعت الجمعيات «الغاضبة»، المؤازَرة بنشطاء من الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، امحند العنصر، وزير الداخلية، إلى إيفاد لجنة لتقصي الحقائق بشأن المتورطين في تعثر برنامج إعادة الإيواء والهيكلة، الذي رُصِدت له الأموال الطائلة دون أن يراوح مكانه، بعدما تلاعب العديد من رجال السلطة وبعض «الكائنات الانتخابية» بلوائح المستفيدين وتاجروا في بقع المستضعفين و«ناضلوا» من أجل إبقاء الوضع على ما هو عليه لاستغلاله في تصفية حسابات لا علاقة لها بانتظارات الفئات المهمشة. وأعربت الجمعية الحقوقية المذكورة عن إدانتها الشديدة المقاربة الأمنية التي تنهجها السلطات المحلية في مواجهة الاحتجاجات السلمية لقاطني الأكواخ القصديرية والقائمة، في نظرها، على ما وصفته بالترهيب والاعتقالات، محمّلة مسؤولية ما يقع في المنطقة من خروقات وتلاعبات وفساد وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان للمسؤولين، مطالبة باحترام الحق في التظاهر السلمي وبفتح حوار عاجل مع السكان والاستجابة لمطالبهم ورفع كل مظاهر التوتر والغليان التي تعيشها المنطقة.