دخلت جماعة الإخوان المسلمين المصرية والمجلس العسكري، الذي يدير شؤون البلاد منذ سقوط نظام مبارك، في صراع قوي حول السلطة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، أزمة بدأت تبرز بعد اتهام الجماعة للعسكريين بالرغبة في تزوير انتخابات الرئاسة المقبلة، فيما لازالت البلاد تعرف جدلا كبيرا حول اللجنة التي انتُخبت لوضع الدستور، والتي يهيمن عليها الإسلاميون، رغم ما يتم الآن من إعادة للنقاش حول الأطراف المشكّلة لها. وأظهرت أزمة الجماعة والعسكريين غياب علاقة إيجابية بين الطرفين، وأكدت بالملموس أن ما أسماه البعض ب«التوافق»، الذي وقع بين الطرفين ليس إلا «تكتيكا» سياسيا سرعان ما انهار في ظل غياب رؤية إستراتيجية بعيدة المدى وغياب وضوح الرؤية بين «المتصارعين» حول «كعكة» رئاسة الديار المصرية. بلغت الأزمة ذروتها عندما تم الدفع بعمر سليمان «مرشح المؤسسة العسكرية»، لتتم في ما بعد محاولة لإعادة المياه إلى مجاريها وتجاوز الأزمة، عبر شبه اتفاق سري بين الطرفين، يقضي بالإطاحة بكل من عمر سليمان وخيرت الشاطر، المرشح السابق للإخوان المسلمين، والذي تم تعويضه بمحمد مرسي. ورغم هذه الخطوة لنزع فتيل الأزمة بين «الحيتان» المتصارعة، فلم تعد الأمور إلى وضعها الطبيعي. استقر محرار التوتر عند درجة مرتفعة السخونة، أقل بقليل من مستوى الانفجار، لكنها تبقى كافية لأن تحيل الأطراف على صدام حقيقي إذا لم يتم الدخول في حوار عميق حول مختلف القضايا الخلافية، يتمخض عنه توافق عام بين مختلف القوى المُشكّلة للساحة السياسية المصرية. تجليات الصراع بدأت ملامح الأزمة تظهر بين الجماعة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد انعقاد مجلس الشعب، الذي بدأ عمله في 23 يناير 2012، حيث وجدت جماعة الإخوان المسلمين نفسها أمام حكومة لا تمثل الأغلبية التي يشكلها حزب الحرية والعدالة، والتي ليس لها من الإمكانيات والقوة ما يكفي لحل المشاكل المتراكمة يوما بعد آخر. فقد وجد حزب «الإخوان» نفسه في موقف محرج، في ظل حكومة غير قادرة على حل المشاكل التي تثير غضب المواطنين، الذين انتخبوا أعضاء البرلمان من أجل معالجة المشاكل والاستجابة لمطالبهم. وفي ظل وضع يزداد صعوبة وغموضا يوما بعد آخر، تحولت العلاقة بين مجلس الشعب، وخصوصاً حزب «الحرية والعدالة»، التابع للإخوان، وحكومة كمال الجنزوني، التي عيّنها العسكريون، إلى صراع متزايد، بسبب ارتفاع مخاوف هذا الحزب والجماعة، التي يعبّر عنها تراجع شعبيتهما أمام المصريين، جراء ازدياد المشاكل التي تواجه المواطنين بدلا من تناقصها. وزاد من حدة هذا الخلاف بين الطرفين أن أغلبية كبيرة من المواطنين لا يميزون بين أدوار السلطتين التشريعية والتنفيذية، فقد انتخبوا نوابا عنهم لحل مشاكلهم وبدؤوا يغضبون من البرلمان ومن حزب الأغلبية، الذي لا يقوى على أكثر من حمل هذا الغضب وتوجيهه إلى الحكومة، مع المطالبة بتغييرها. لكن العسكريين رفضوا مطلب تغيير الحكومة وأصرّوا على استمرارها إلى غاية نهاية المرحلة الانتقالية في 30 يونيو 2012، حتى لا يسيطر «الإخوان» على السلطتين التشريعية والتنفيذية قبل «التفاهم» على توافقات ما بعد هذه المرحلة وعلى شكْل النظام السياسي الجديد الذي سيلعبون الدور الرئيسي في تحديده عبر سيطرتهم على الجمعية التأسيسية التي انتخبها البرلمان لوضع مشروع الدستور الجديد. وكان فشل الطرفين في الوصول إلى توافق إستراتيجي بعيد المدى بداية لارتفاع حدة الخلافات بينهما، وصولاً إلى إعلان جماعة الإخوان المسلمين ترشيح الشاطر للرئاسيات، وهي خطوة بدت قفزة شديدة على الواقع، وقد أصبحت مصداقية الجماعة في مهبّ الريح، بعد أن تراجعت عن التزام قطعته على نفسها منذ 10 فبراير 2011 بعدم تقديم مرشح رئاسي. قانون للعزل السياسي اعتبر بعض أعضاء مجلس الشعب المصري أن قانون العزل السياسي لأتباع النظام السابق ومنعهم من انتخابات الرئاسة والمناصب العليا في البلاد يعد صراعاً بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري. وتساءل هؤلاء عن «سبب صمت الإخوان حتى الآن منذ بداية جلسات مجلس الشعب على هذا القانون»، معتبرين أن الإخوان عندما كانوا على وفاق مع المجلس العسكري لم يتطرق أحد للقانون، وحينما وقع تصادم وترشح عمر سليمان، سارعوا إلى مناقشته، فقد كان من الأجدر أن تتم مناقشته منذ فترة طويلة، حتى يعلم الجميع أن مجلس الشعب لا يحاكم أشخاصا بعينهم، بل يقف ضد كل أفراد النظام السابق». ويقضي قانون العزل الانتخابي، الذي أقرّه المجلس العسكري، بالحرمان لمدة عشر سنوات «كل من عمل خلال السنوات العشر السابقة إلى 11 فبراير 2011 رئيسا للجمهورية أو نائبا للرئيس أو رئيسا للوزراء أو رئيسا للحزب الوطني، المنحل، أو أمينا عاما له أو كان عضوا في مكتبه السياسي أو أمانته». ولا يشمل هذا القانون من شغلوا مناصب وزارية في الفترة السابقة، وهو ما يعني أن المرشح عمرو موسي، الأمين العام السابق للجامعة العربية، والذي شغل منصب وزير خارجية مصر في ما سبق، لن يطاله أي قرار للاستبعاد. وفور إقرار المجلس العسكري هذا لقانونَ، الذي صادق عليه مجلس الشعب في 12 أبريل الماضي، قررت لجنة الانتخابات الرئاسية في مصر استبعاد أحمد شفيق، آخر رئيس حكومة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، من الترشح للانتخابات. وتقدم رئيس الوزراء المصري الأسبق، أحمد شفيق، بطعن أمام لجنة الانتخابات الرئاسية، على خلفية هذا القرار القاضي باستبعاده من لائحة المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في 23 و24 ماي المقبل، بعد شموله بقائمة رموز النظام السابق، الذين طالتهم التعديلات على قانون «العزل السياسي». وأكد التلفزيون المصري أن شفيق سيرفق طلبا مستقلا موجها للجنة الانتخابات الرئاسية حول قانون «العزل» إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر والفصل في دستوريته»، وهو ما تم بالفعل، حيث بتّت لجنة الانتخابات في هذا الطعن وقررت السماح له بخوض الانتخابات الرئاسية حسب ما ذكرته وكالة الشرق الأوسط المصرية. الصراع والتوافق مستقبل الصراع أو التوافق بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس العسكري مرتبط بقدرة الطرفين على الجلوس في طاولة الحوار، من أجل وضع اتفاق بعيد المدى، في إطار حوار مجتمعي يأخذ بعين الاعتبار جميع الخلافات العالقة بينهم، دون أن يغفل باقي التيارات المُشكّلة للمشهد السياسي المصري. وإذا لم يجد شيء من ذلك طريقه نحو التطبيق أو ظل كل من الطرفين يتزايد أو يتربص بالآخر أو يحاول أحدهما فرض إرادته بدعوى امتلاكه الأغلبية أو السلطة، فقد يحدث صدام بينهما بشكل سيجعل مصر تعيش على صفيح ساخن ومستقبل غامض، وهو ما يحاول الطرفان تجنبه، رغم ما يبدو من صراع جليّ بينهما. وفي ظل أجواء الخلاف، التي تزداد توتر واحتقانا يوما بعد آخر، يمكن الانزلاق إلى هاوية بدون قرار من أحد الطرفين أو كليهما، لأن تداعيات الأحداث قد تدفعهما في هذا الاتجاه، في حالة عدم إدراك الحاجة القصوى إلى حوار وطني ومجتمعي عام. وإذا ظل هذا الحوار بعيد المنال وبقي الغموض هو سيد الموقف والاحتقان هو طابعه، فيمكن أن تنزلق البلاد إلى الصدام الخطير. وقد يتجه هذا الصراع نحو الهاوية، إذا ما حاول العسكريون، في حالة استمرار الغموض الراهن، التأثير في مسار الانتخابات الرئاسية، حتى وإن لم يتدخلوا فيها بشكل مباشر. وقد يحدث صدام حقيقي بين الطرفين إذا ما اتجه الإخوان المسلمون إلى التصعيد ردا على تدخل العسكر، للتأثير في مجرى الانتخابات بشكل يؤثر على نتائجها، أو يحد من إمكانية ظفرهم بكرسيّ الحكم. كما يمكن أن يحدث الصدام إذا ما تمت إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، التي سيظل لحزبي الحرية والعدالة والنور الوزن الأكبر فيها، أيا كان حجم التصحيح الذي سيحدث في تشكيلها، ثم خسر مرشح جماعة «الإخوان» وتم انتخاب رئيس قريب إلى المجلس أو متطابق معه، فعمد حزبا الأغلبية إلى تجريده من أي صلاحيات في الدستور الجديد. وهكذا، يبدو أن شبح المواجهة بين جماعة «الإخوان» والمجلس العسكري سيخيّم على المشهد السياسي المصري، إذا لم يحتكم الطرفان إلى حل توافقي ويضعا حدا لصراع القوة بينهما ويسعيا، مع غيرهما من الأطراف المُشكّلة للعبة السياسية في مصر، إلى تفاهم قوي حول أسس الدولة والمجتمع ووضع الجيش في مصر الجديدة، حتى لا يُنتج الصراع حول السلطة والحكم ديكتاتورية جديدة تحت غطاء الديمقراطية.