يشكل حضور المخرج الإيطالي ستيفانو سافونا المعروف برصيده النوعي ومساره الناجح في عالم الفيلم الوثائقي إحدى نقاط قوة الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بأكادير التي تتواصل إلى غاية 28 أبريل. وتطلع جمهور المهرجان بشغف لمتابعة فيلم سافونا المشارك في المسابقة الرسمية بعنوان «ميدان التحرير»٬ باعتباره يقترح رؤية أجنبية لمخرج/شاهد غربي تجاه الثورة المصرية من خلال رصد حميم ميداني ليوميات حركة الجماهير الثائرة في الساحة٬ التي أضحت رمزا كونيا للانتفاضات الشعبية. وبهذا الفيلم (91 دقيقة) الذي يفتخر منظمو المهرجان بعرضه لأول مرة في المنطقة المغاربية والقارة الإفريقية عموما٬ يكون ستيفانو سافونا قد كرس ولعه السينمائي بتوثيق احتكاكات الناس بفضائهم العمومي٬ ورصد البعد السياسي حينما يتعاظم ليصبح في لحظة ما محور حياة الكائن. بكاميرا مندسة بين حشود المصريين في قلب القاهرة٬ يلتقط الفيلم سخونة الحدث الكبير من خلال متابعة تفاعل الثوار مع مخاض الحركة الجماهيرية العارمة من أجل التغيير٬ في ساحة تطوقها الدبابات ويهزها شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وتنفتح على سيناريوهات مستقبل ملبد بالشك وطافح بالأمل. يحاول المخرج٬ الذي استجاب لغواية الحدث ليجد نفسه دون سابق تخطيط للمشروع الفيلمي في قلب الثورة المصرية٬ أن يقدم صورة متكاملة لما جرى في الساحة الشهيرة حتى سقوط نظام حسني مبارك. هي صورة عن قرب٬ ملتقطة من الأسفل٬ لتفتح العين على مشاهد لم ترصدها القنوات الفضائية بكاميراتها الضخمة. بآلة التصوير الصغيرة٬ لكن الشديدة الحساسية٬ استطاع سافونا٬ أن يقدم مادة حميمة غنية بدلالاتها٬ وهو يسجل كيف أن الشعار السياسي أصبح نشيدا إنسانيا يتغنى به الأطفال٬ وكيف فجرت الثورة كوميديا خاصة بالموقف٬ وكيف تبلور الجدل مبكرا حول هوية الدولة بعد إسقاط النظام٬ موثقا نقاشات تحتفظ بكامل طراوتها وتلقائيتها بين جماهير الثورة٬ شبابا وشيوخا٬ نساء ورجالا. كاميرا ستيفانو سافونا٬ وإن كانت موجهة لرصد حركة الحشود الهادرة٬ إلا أنها لم تغفل في حركتها التركيز والتفاعل مع وجوه بعينها٬ في ما يشبه عملية «كاستينغ» مستحيلة لمليون مرشح لدور البطولة. كانت وجوها بالغة التعبير عن مشاعر ومواقف متضاربة٬ حماسا وترددا٬ طموحا وأملا٬ كما كانت شخوصا عاكسة لتنوع الشرائح التي خاضت معركة التغيير٬ نساء ورجالا٬ ليبراليين وإسلاميين.