هيمنت الأفلام التي تقارب ديناميات التغيير عبر العالم والحراكات الشعبية من أجل الحرية على العروض التي برمجتها الدورة الرابعة لمهرجان أكادير الدولي للفيلم الوثائقي. وإذ يستعد المنظمون لإسدال الستار عن هذه التظاهرة ٬ التي تختتم السبت بتوزيع جوائز المسابقة الرسمية٬ فإن جل العروض التي احتضنتها قاعة سينما ريالطو قدمت شهادات خاصة عن مسعى الفرد والجماعة إلى تغيير وضع قائم لا يلبي التطلعات٬ وكرست الطابع الكوني للطلب على الحرية والديمقراطية٬ بغض النظر عن الاختلافات الثقافية. تعددت المقاربات السردية لهذه القضايا٬ كل بأدواته وزوايا رؤيته٬ وتفاوتت القيمة الفنية للأعمال المقترحة٬ لكنها قدمت للجمهور والمهتمين بانوراما غنية عابرة للجغرافيات. وجاءت أفلام الحراك هاته٬ أحيانا بكاميرا مخرجين من قلب التربة الاجتماعية التي تنشد التغيير٬ فيما وجدت أوضاع أخرى طريقها إلى الشاشة عن طريق مخرجين أجانب يقدمون رؤية من الخارج لما حدث. هكذا تيسر لجمهور المهرجان السفر في خلفيات الحراك التونسي ومحفزاته والبنيات الاجتماعية والاقتصادية التي سرعت بانفجاره بفضل مخرجين تونسيين شباب٬ باتوا يشكلون اليوم الموجة الجديدة للسينما التونسية بعد الثورة. وانبرى هؤلاء المخرجون في أفلام من قبيل "جهة" للتونسي رضا تليلي و"نحن هنا" لمواطنه عبد الله يحيى٬ لإعطاء الكلمة للهامش الذي فجر الثورة واستنطاق فضاءاته وشخوصه التي صمتت طويلا٬ قبل أن ترفع الشعار المأثور "الشعب يريد إسقاط النظام". في المقابل٬ ينتقل المخرج الإيطالي ستيفانو سافونا إلى قلب ميدان التحرير بالقاهرة لتوثيق يوميات مخاض عسير لثورة تصنع صورة جديدة للعالم العربي لدى الغرب٬ كما تتسلل المخرجة الألمانية الشابة أندريا روغون إلى أعماق المجتمع الكوبي لرصد تعطشه إلى الحرية والرفاه ضد حالة "الثورة" التي تحولت إلى نظام جامد. هي زوايا ورؤى متقاطعة تفرز صورة أوسع وأكثر تمثيلية للتطورات التي يعرفها العالم٬ وتكرس بالتالي وظيفة أصيلة للفيلم الوثائقي بما هو شهادة على الواقع وضوء مسلط على زواياه المعتمة بروايات متعددة. وهذا ما يخدم مسعى منظمي مهرجان أكادير للفيلم الوثائقي٬ نحو تشكيل سوق للفيلم الوثائقي٬ يصبح مركز تبادل وتعاون بين مهنيي الشمال والجنوب.