حبذا لو «جرب» مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، بنود دفاتره على المحطات الإذاعية الخاصة التي سمحت لنفسها، باسم الحرية والتعددية والانفتاح، باقتراف مخالفات في حق المستمع والدوس على الأخلاق العامة والقفز الطولي فوق دفتر التحملات، مستغلة غفوة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري «الهاكا». حينما تحولت إحدى المحطات الإذاعية الرياضية إلى «كراب» يروج لنوع معين من الخمور ضدا على قيم الرياضة التي تأسست على مبدأ قديم قوامه «العقل السليم في الجسم السليم»، دون أن تتحرك النيابة العامة قبل «الهاكا» لوقف هذا الانفلات المؤدي إلى الشغب، فإن المتلقي يجد نفسه حائرا في فهم ما يحصل في المشهد السمعي البصري، حيث يغض المسؤولون الطرف عن الجعة ويمنعون ألعاب الحظ. بكل صدق، ينتابني شعور بأن هذه الإذاعات «عندها السويرتي» فعلا. من تابع مباراة البارصا وتشلسي على محطة راديو مارس، وكان من المتيمين بالفريق الكطالوني، لا شك أنه شعر بالغبن بعد أن عمت الأستوديو فرحة عارمة بإقصاء رفاق ميسي، وتهاطلت على الإذاعة عشرات الرسائل النصية تدعو المحللين إلى احترام مشاعر المنهزمين، قبل أن يستفزهم لينو باكو ب«ميساج» من مدريد يشتم فيه ميسي وهو الذي لم يرتد «شورطا» في حياته إلا في الحمام. قبل شهور، أوقف الراديو بث مراسلة صوتية حزينة لمراسله من إحدى المصحات وكان ينقل إلى المستمعين الرياضيين اللحظات الأخيرة من حياة اللاعب زكريا الزروالي، وصرخ منشطه قائلا «كوووووووول»، مبشرا بتسجيل هدف في إحدى مباريات الدوري الإسباني، وتبين أن الهدف أهم من حياة إنسان يحتضر. وبعد فوز المغرب على الجزائر، حذر صحفيان في برنامج حواري من الإفراط في الفرح كاشفين الاختلالات التنظيمية للمباراة، فكان مصيرهما الإبعاد عن الميكروفون إلى أجل غير مسمى، لأن وزير الشباب والرياضة آنذاك قد غضب لانتقاده داخل إذاعة تمولها سيدة يقتسم معها الانتماء إلى حزب «الحمامة»، ودعا باسم التضامن الحزبي إلى التصدي لكل من يغرد خارج سرب الانتصار الخادع. من يتابع محطة «كازا إف إم» ستلفتُ «سمعَه» وصلة إشهارية عجيبة لمسحوق تنظيف، تقول فيها إحدى السيدات «أنا باغا نصبن راجلي مزيان»، ورغم الحمولة القدحية لهذا الإعلان فإن «الهاكا» ابتلعت لسانها، لغياب جمعيات حقوقية لرجال من ضحايا العنف، وعلى نفس المحطة يُجلد سيبويه على يد المنشطين مائة جلدة في اليوم، وينتهي العمل بالإشارات النحوية بشكل غريب. وعلى امتداد ساعات البث، يمكنك أن تشنف أسماعك بألفاظ مخلة بالحياء، حيث أصبح ل«هيت راديو» قاموس خاص يحول الشخص إلى «ساط» ويعبث بالأخلاق العامة، وتلقى راديو «لوكس» غرامة مالية بسبب عبارات القذف والسب «اللوكس» ضد مرشح للانتخابات، وحول أحد المنشطين برنامجه «سبت الحيحة» من الإذاعة الدولية إلى «شدى إف إم» لتستمر «الحيحة» على مسمع من الجميع، حيث لا تتردد المومسات في الحديث أثيريا عن علاقاتهن الجانبية، وتدخلت «الهاكا» حين لمست أن برنامج «بصراحة» الذي يبث على أثير إذاعة «راديو بلوس» قد أساء فهم الصراحة حين «خرق خصوصية الناشئة وحمل بعض الإيحاءات الجنسية»، وأوقفت البرنامج لمدة أسبوع، بينما اكتفت بتوقيف لمدة 48 ساعة فقط حين عبر هشام عيوش يوما عن أمنية تراوده وهي أن يصبح رئيسا ل«الجمهورية المغربية». أمام هذه التخاريف الأثيرية، ألم يكن من باب أولى وضع دفاتر تحملات منقحة تفرمل الإذاعات وتعيدها إلى جادة الصواب الإعلامي، بمنح التراخيص أولا لمهنيي الإعلام، والتأكد من صحيفة سوابق العاملين في المحطات الإذاعية بإعادة تنقيطهم لدى أقرب دائرة أمنية، والاستماع إلى ملاحظات سائقي سيارات الأجرة فهم الأعضاء الحقيقيون للمجلس الأعلى للقطاع السمعي البصري، في زمن «هاكا وأرا ما فيها حزارة»؟