لم تكن المحرقة قط ذات موضوع كما هي الآن. حينما سيتخذ رئيس حكومة إسرائيل قرار حياته في الصيف، فإن ما سيقف نصب عينيه هو عدم قدرة بريطانيا وفرنسا على فهم هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي. والذي سيؤثر تأثيرا كبيرا في تدبيره هو حقيقة أن الولاياتالمتحدة لم تنقذ يهود هنغاريا من أوشفيتس في 1944. إن عدم قدرة الغرب على أن يُجند نفسه قبل الأوان لمواجهة الشر وعدم استعداد الغرب لإنقاذ اليهود قبل فوات الأوان يصوغان اليوم أيضا تصور بنيامين نتنياهو للواقع، فهو في نظره إلى الشرق يرى نازيين جددا وفي نظره إلى الغرب يرى تشمبرلين جديدا. ولا يهددوننا هذه المرة بغاز التسيكلون كما يعتقد رئيس الحكومة، بل يهددوننا بتأليف قاتل بين تطرف مطلق وسلاح مطلق. وتحيا المحرقة وتُرزق في منزل رئيس الحكومة في القدس، فهي تملأ قلب الرجل الذي يقود دولة اليهود في 2012 وتغمر نفسه. ولم تكن المحرقة قط مختلفا فيها كما هي الآن. كانت في الماضي صدوعا لكنها أصبحت الآن كسورا؛ ففي حين يستولي اليمين على المحرقة بصورة تبسيطية وشوفينية، أخذ اليسار يُنكر أن المحرقة هي تجربة شعورية قومية مؤسِسة وشرعية للشعب اليهودي. إن كثيرين من اليمين يرون كل منتقد لإسرائيل هملر المعاصر، أما كثيرون في اليسار فيحنون هاماتهم لغنتر غراس. ويُجند المعسكر الوطني المحرقة كي يمنح إسرائيل حصانة من كل انتقاد ويتجاهل المعسكر الراديكالي معاداة السامية ويرفض رفضا باتا كل قصة يكون اليهود فيها هم الضحايا. لم نعد نستطيع الاتفاق حتى على المحرقة، ولم نعد نستطيع أن نجرب حتى المحرقة تجريبا شعوريا مشتركا. إن أولئك الذين يرون اليسار مضطهدا لليهود وأولئك الذين يرون المستوطنين يهودا نازيين يصعب عليهم أن يتحدوا معا على ذكرى أكبر كارثة أصابت شعبا ما في العصر الحديث. إن الفرق بين المحرقة ذات الصلة الكبيرة وبين المحرقة المختلف فيها بهذا القدر هو فرق خطير. والذكرى الصادمة في القدس تؤثر تأثيرا قويا لم يسبق له مثيل في صورة مواجهتنا للواقع الحالي؛ وفي تل أبيب تفقد الذكرى التاريخية نفسها قوتها القومية، فبدل أن تجمعنا المحرقة حول وعي مشترك وهادئ للكارثة التاريخية التي لم يكن لها مثيل أصبحت سببا للتشاجر. ونحن نتمزق بين أولئك الذين يرفعون أوشفيتس كي تكون إسرائيل ذات حق في كل حال وبين أولئك الذين ينكرون أوشفيتس كي تصبح إسرائيل مذنبة دائما. وقد فقدنا باعتبارنا أمة القدرة على أن نُجرب المحرقة حتى باعتبارها حادثة كونية ذات معنى إنساني وحادثة خاصة ذات معنى يهودي وإسرائيلي. إن الأمم السليمة تنقش في لوح أبيض كوارثها التاريخية، فالسياسة المالية الألمانية متأثرة إلى اليوم بذكرى تضخم عشرينيات القرن الماضي. وما تزال السياسة الأمريكية النقدية متأثرة حتى اليوم بذكرى الركود الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وما تزال الاستراتيجية العسكرية البريطانية متأثرة منذ تسعين سنة بذكرى الجيل الذي ذُبح في ميادين القتل في الحرب العالمية الأولى. لا تُشبه أي واحدة من هذه الكوارث التأسيسية كارثتنا التأسيسية، فنحن ضحايا أوربا الذين لا شبيه لنا، ونحن الشعب الوحيد في العالم الذي فقد ثلث أبنائه وبناته في مذبحة شعب مخطط لها. وقد مات هتلر حقا كما كتب عاموس عوز قبل سنين. ولم يسوغ هتلر ولا يسوغ احتلال آخرين واضطهاد آخرين. لكن هتلر واحد من أكبر صاغة مصيرنا في الماضي والحاضر والمستقبل، وهتلر جزء فظيع من موروثاتنا الجينية وهويتنا. لهذا فمن حقنا، باعتبارنا يهودا، ألا ننسى وألا نُنسي. ومن واجبنا ألا نتحمس وألا نستغل. كانت المحرقة حادثة جنون قوية. والأمر الحقيقي المشتق من المحرقة هو الأمر بسلامة العقل، فيجب ألا نُستعبد للماضي وألا نتنكر له أيضا. ويجب أن ننظر إلى الموت وأن نتذكر الموت وأن نختار الحياة. عن «هآرتس»