خلف الكتاب الأخير للشاعرة اللبنانية جمانة حداد «مدينة: قصص مدن من الشرق الأوسط» جدلا في الساحة الثقافية العربية بسبب تضمن الكتاب مقالا للكاتب الإسرائيلي يتسحاك لاؤور أي يتحدث فيه عن تل أبيب. وهكذا تجد الشاعرة اللبنانية نفسها في قلب عاصفة جديدة، وفي مربع من الاتهامات بسبب الكتاب المذكور. وكانت جمانة حداد قد أصدرت كتاب «مدينة: قصص مدن من الشرق الأوسط» بالإنجليزية عن دار «كوما بريس» في بريطانية و يشمل بحسب خبر وزّعته الشاعرة اللبنانية نصوصاً لكل من: جمال الغيطاني (قصّة الإسكندرية)، وإلياس فركوح (قصّة عمان)، ونبيل سليمان (قصّة اللاذقية)، وجمانة حداد (قصّة بيروت)، وفدوى القاسم (قصّة دبي)، وعلاء حليحل (قصّة عكا)، وحسن بلاسم (قصّة بغداد)، ويوسف المحيميد (قصّة الرياض)، ونديم غورسيل (قصّة اسطنبول)، ويتسحاك لاؤور (قصة تل أبيب) الذي يصفه الخبر ب»الكاتب التقدمي الإسرائيلي». وللاؤور مواقف معروفة في «رفض الاحتلال» (رفض الاحتلال لدى «التقدميين الإسرائيليين» هو بالمناسبة غير «رفض الاحتلال» الذي نقصده نحن). لكنّ العجيب أنّ تقدّمية بعض الكتّاب الإسرائيليين أصبحت تُتخذ ذريعة لتمرير إسرائيل وإدخالها في الوعي العربي، كجزء طبيعي من المنطقة وتنوعها «الطبيعي». وبدلاً من أن يُستفاد من الومضات القليلة ل»الوعي التقدمي» عند بعض الكتّاب الإسرائيليين، يُوضع هؤلاء في قنوات تصب في اتجاه معاكس لشعاراتهم المعلنة. من الممكن مثلاً، أن يُشرك لاؤور في كتاب يتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي أو إرهاب الدولة العبرية، أو فاشية المجتمع الإسرائيلي المتصاعدة؛ لا في كتاب عادي يتحدث عن «مدينة تل أبيب» التي بالمناسبة قامت على أنقاض يافا وتشريد شعب فلسطين (هذه معلومة عامة فيما نظن). بالطبع لسنا من هواة المزايدة، ولا نقف في صف الديماغوجية، كما نعرف مواقف جيدة للكتّاب المشاركين في الكتاب؛ لكن إدراج «مدينة تل أبيب» في هذا السياق يؤدي إلى تفسير سياسي وأخلاقي لا نظن أنّه يغيب عن وعي الغيطاني وفركوح وسليمان وبقية المشاركين. كما جاء في مقال نشرته جريدة «الأخبار اللبنانية». من جهة أخرى أكّد الروائي المصري جمال الغيطاني أنّه لم يكن على دراية بمشاركة كاتب إسرائيلي في الكتاب الجماعي الذي صدر أخيراً بعنوان: «مدينة... قصص مدن من الشرق الأوسط». وأضاف صاحب «الزيني بركات» إنّه يحتفظ بمراسلاته مع الشاعرة جمانة حداد، التي طلبت منه ترشيح قصة قصيرة من تأليفه، كي تصدر في أنطولوجيا للقصّة العربية باللغة الإنجليزية، وقال: «إذا كان لديها أيّ مراسلات تثبت معرفتي فلتظهرها». وأشار الغيطاني إلى أنّه تلقّى، بعد صدور الكتاب، رسالةً إلكترونيةً من الكاتب الفلسطيني علاء حليحل يوضح فيها أنّ «الكاتب الإسرائيلي متعاطف مع القضية الفلسطينية». لكن «التعاطف والتحامل ليس لهما موقع هنا، لأنّ المسألة بالنسبة إليّ مسألة مبدأ. لو تم إخباري، كان من الممكن أن أعتذر عن عدم المشاركة، أو على الأقل أن أفكر في الأمر، لأنني كثيراً ما أنشر مقالاتي في الصحف الفرنسيّة مثل «لوموند» ويكون إلى جواري كتّاب إسرائيليّون. لكنّ الأمر يتعلّق في هذه الحالة ب»جريدة»، وليس «كتاب»، وبالتحرك عن دراية وليس بالمفاجأة كما حدث في هذا الكتاب». وأكد الغيطاني، كما ورد في مقال محمد شعير في «الأخبار»، أنّه ليس متلهّفاً لترجمة إحدى قصصه إلى الإنجليزية، فقد نقل معظم رواياته إلى لغة شكسبير، بل صدرت «الزيني بركات» في سلسلة ال»بنغوين» الشهيرة بمقدمة كتبها الراحل إدوارد سعيد. وكشف أنّه عندما اتصلت به جمانة حداد وافق على الفور من باب الثقة فيها، حتى إنّه لم يوقِّع عقداً، لكنّه الآن يرى أنّها «تجربة مؤسفة» جالبة للضوء وللضوضاء، وكان في غنى عنها تماماً. وأبدى الغيطاني دهشته، إذ رشَّح للترجمة قصته «منتصف ليلة الغربة» التي تدور في صعيد مصر، وتحديداً فى مدينة المنيا، لكنه فوجئ ببعض الأخبار تتحدث عن مشاركته بالكتابة عن مدينة الإسكندرية، مضيفا:ً «صحيح أنّ البطل ذو أصول اسكندرية ويتذكر بحر المدينة، لكنّ كل أحداث القصة تدور في الصعيد». واختتم صاحب «التجلّيات» بالتأكيد على أنّه سينتظر الكتاب الذي لم تصله نسخةٌ عنه حتى الآن، كي يعرف إن كان قد تم تغيير شيء في قصته، وإذا كان من إجراءات ينبغي اتخاذها! ناشر الكتاب «كوما بريس» دخل على الخط، وأصدر بيانا جاء فيه: «في الإشارة إلى بعض التعليقات التي صدرت حول «أنطولوجيا مدينة»، والمتعلّقة بإدراج قصة لكاتبٍ إسرائيلي فيها، يودّ الناشر أن يوضح أن طلب ورود قصة لكاتب إسرائيلي يعود إليه، لا إلى معدّة الكتاب جمانة حداد. وقد عارضت جمانة حداد بشدّة طلب الناشر هذا منذ البداية، وآثرت التخلي عن المشروع، مؤكدة أنها كموقف مبدئي ترفض حتى المشاركة في أمسيات شعرية عالمية إذا كان هناك بين الشعراء المشاركين إسرائيليون. فكم بالأحرى في كتابٍ من إعدادها وتقديمها. إلى أن اقترح الناشر عليها أخيراً اسم الكاتب اسحاق لاؤور، لأنه حظي بتوصية مجموعة كبيرة من المنظمات المؤيدة للقضية الفلسطينية، ولأن طلب إدراج قصته نال أيضاً تأييداً من الكاتب الفلسطيني المشارك في الأنطولوجيا علاء حليحل، وذلك بمعرفة جميع الكتّاب الآخرين المشاركين، وبسبب انتقاد لاؤور بلا هوادة للحكومة الإسرائيلية والإيديولوجية الصهيونية في كل كتاباته، من مقالاته الصحافية إلى شعره، منذ العدوان على لبنان في 1982 حتى اليوم. أما قصّته المذكورة، «التهاب السحايا»، فهي هجوم ضار على وحشية المنطق العسكري الإسرائيلي وسخافته. وقد أبلغ الناشر جميع الكتّاب المشاركين في الأنطولوجيا بمشاركة هذا الكاتب الإسرائيلي معهم في المجموعة قبل طباعة الكتاب».