لا يوجد اليوم من هو أسوأ حظا في إسبانيا كلها، وربما من بين حكام العالم جميعا، مثل دون خوان دي بوربون، عاهل إسبانيا، الذي اعتلى العرش قبل أربعين عاما، وهو اليوم في وضع لم يكن يتصوره على الإطلاق، وكل هذا بسبب حيوان نبيل اسمه... الفيل. قرر ملك إسبانيا قبل أيام أن يرحل إلى بوتسوانا، في قلب الأدغال الإفريقية، لكي ينسى العالم وما فيه من خلال الانخراط في رحلة صيد خاصة بقتل الفيلة. لكن تلك الرحلة لا تكلف القليل، وقتل فيل واحد يكلف صاحبه 40 ألف أورو، يعني قرابة 50 مليون سنتيم... فقط لا غير. لقد مرّ العاهل خوان كارلوس خلال السنوات الأخيرة بأطنان من المشاكل الأسرية والشخصية، آخرها تورط صهره وزوج ابنته، إينياكي أوردارغارين، في فضائح مالية مدوية، وبذلك صارت العائلة الملكية في إسبانيا على كل لسان، وتلطخت صورتها بقوة لأول مرة منذ وصولها إلى القصر بعد موت فرانكو عام 1975. وقبل فضيحة الصهر العزيز، كان خوان كارلوس على موعد مع طلاق ابنته الكبرى، الأميرة إيلينا، التي تعرض ولدها الأكبر هذه الأيام لحادث خطير حينما أطلق النار على نفسه، عن طريق الخطأ طبعا، فأصيبت رجله. وقبل هذا وذاك، عانى ملك إسبانيا من كثير من القيل والقال، وصارت أخباره تتصدر مجلات النميمة. وعندما بدأت الأزمة الاقتصادية العاصفة، اضطر إلى إخراج كل مصاريفه للعلن، بما في ذلك أجرة الحلاق الذي يصفف شعره ويحلق له ذقنه كل صباح. وقبل بضعة أشهر، تعرض الملك لحادث غريب أسفل عينه، وقال الناطق باسم القصر إن خوان كارلوس ارتطم بالباب في لحظة سهو، بينما ابتكر الإسبان نكاتا مسلية، وهي نكات لا تنم عن كراهية بقدر ما تنم عن حق الشعب في السخرية من حاكميه. بسبب كل هذا، قرر خوان كارلوس أن يفرغ غضبه في أفيال بوتسوانا، لكن عوض أن يقتل الفيل، فإن سوء الحظ لاحقه حتى هناك، عندما تعرض لحادث أصابه بكسور، فتم نقله إلى إسبانيا على عجل، وهنا عرف الإسبان أن ملكهم كان يقتل الفيلة مقابل مال كثير، في وقت يعاني فيه الناس الأمرّين من أجل الحصول على عمل مهما كان حقيرا. الإسبان طرحوا أيضا سؤالا عميقا، وهو ماذا لو لم يتعرض الملك لكسر؟ أكيد أننا لم نكن لنعرف أن عاهلنا يصرف 40 ألف أورو من أجل قتل فيل، ويمكن ألا يكيفه فيل فيزيدونه فيلة. اليوم هناك شبه إجماع بين الإسبان على أن ملكا في بلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة عليه أن يكون ملكا متقشفا. ورغم أن ميزانية القصر الإسباني بسيطة مقارنة بأرذل دكتاتور في أفقر بلدان العالم الثالث، فإن الإسبان يعرفون أن دستورهم، الذي ينص على أن إسبانيا بلاد بنظام ملكي، يمكن وضعه تحت أقدام فيل لكي «يعفسه»، ثم يزرعوا دستورا جديدا يقول إن إسبانيا جمهورية. هكذا، تبدو إسبانيا اليوم أسوأ كثيرا من متحف قش، والعاهل الإسباني لا يفهم إطلاقا سوء الحظ الذي يطارده منذ أن اعتلى العرش برعاية وتوصية من الدكتاتور الراحل فرانسيسكو فرانكو؛ فمباشرة بعد اعتلائه العرش، تلقى انتقادات لاذعة من والده، الذي كان الأحق بذلك، وبقيت علاقة الأب والابن في غرفة الإنعاش. وبعد سنوات على ذلك، روّج البعض إشاعات تقول إنه متورط في عملية الانقلاب الفاشلة ضد الديمقراطية سنة 1981، بتحالف مع كبار جنرالات فرانكو. ثم وجد نفسه في قلب قضية مثيرة لصفقة مع دولة الكويت، ثم توالت الانتكاسات؛ وفي كل مرة كان العاهل الإسباني يتعافى من ضربات الزمن، كانت مفاجآت جديدة تترصده «مْع الدّورة». كان الإسبان دائما يرددون حكمة تقول إن الفوضى العارمة تحدث عندما يدخل فيل هائج متحفا للقش. ويبدو أن هذه الحكمة تحققت أخيرا، فدخل فيل بوتسوانا الهائج بلاد إسبانيا، فاشتعلت نيران الجدل بشكل لم يسبق له مثيل، إلى درجة أن أحزابا سياسية إسبانية طرحت بقوة مسألة تنازل الدون خوان كارلوس عن العرش. يقال إن الفيل حيوان رائع بمخ كبير، وهو لا ينسى الجميل، كما لا ينسى الإهانة، لذلك سافر الملك حتى بوتسوانا لقتله، فطارده الفيل حتى إسبانيا.