الصديق العزيز رشيد نيني، أسعد الله أوقاتك بكل خير ومحبة، ولو أن أيام السجن لا تعرف للسعادة معنى، خاصة عندما يتم الزج بك في السجن بتهم واهية أثبت الزمن أنك منها براء وأن الحق كل الحق معك وليس مع الآخرين، وأن غالبية الملفات التي كتبت عنها في عمودك الجماهيري كنت مصيبا فيها، لقد أكد المجلس الأعلى للحسابات الاختلالات التي أشرت إلى وجودها في عدد كبير من المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وأصبح جليا لكل المغاربة أن الفساد مستشر في هذه البلاد، وأن أولوية الأولويات هي كشف المفسدين ومحاكمتهم، واسترجاع المال العام المنهوب الذي تحتاجه خزينة الدولة بشكل ملح في هذه الأيام. عزيزي رشيد، لا أدري كيف مرت عليك أيام السجن طيلة سنة كاملة في زنزانة حرمت فيها حتى من قلم الكتابة والورق، الأكيد أنها بئيسة وحرمتك من اللقاء بقرائك الأوفياء الذين بقوا على العهد وتوجوا جريدة «المساء» كأول جريدة في المغرب للسنة الخامسة على التوالي، رغم أن عمود «شوف تشوف» توشح بالسواد منذ أول يوم من اعتقالك وإيداعك السجن، كان ذلك اليوم حزينا ونحن -معشر القراء- نرى غياب أشهر كاتب عمود في المغرب وأكثر كتاب هذا البلد متابعة وإثارة للجدل، لم نكن نعتقد انك ستغيب عنا كل هذه المدة، ولكن جرت رياحهم بما لا تشتهيه سفننا. شيء واحد أنا متأكد منه، عزيزي رشيد، هو أن أيام الزنزانة لن تزيدك إلا إصرارا على البقاء على وعدك لقرائك بالعمل على كشف المفسدين وناهبي المال العام، وأيضا بالاعتراف لكل من قدم جميلا وصنيعا إلى هذا الوطن به. صديقي رشيد، لقد حركت مياها راكدة كثيرة بمقالاتك المتميزة، وجعلتنا ننتقل من دار غافلون إلى دار عالمون، حيث تعرفنا على عدد كبير من سراقنا الذين كانوا أوفياء لسرقة هذا الوطن وأوفياء لتضخيم أرصدتهم البنكية، وهاهم بعض من كشفت عن ملفاتهم يساقون إلى المحاكم ويعانقون الزنازين قبل أن تعانق أنت الحرية، فثبت للجميع أن رشيد كان على حق وأن كل ما كان يكتبه لم يكن محض خيال، ولا من قبيل تصفية حسابات وخدمة لجهات معينة ضد أخرى، لقد أثبتت أنك تعمل لصالح جهة واحدة هي الوطن، نعم الوطن الذي يعرف كل الناس أنك تحبه أيما حب، وتعمل ليل نهار من أجل المساهمة في إصلاح اختلالاته وتطويره والدفع به إلى الأمام، واضعا نصب عينيك مقدساته التي يعزها كل المغاربة والتي لا تتناطح فيها عنزتان. عزيزي رشيد، إننا والله مشتاقون إليك أيما اشتياق، اشتقنا إلى ذلك النفس العظيم من الأنفة المغربية التي تبحث عنها وتذود عنها في كل مقالاتك الفذة، قلدك الكثيرون في ذلك، ولكن لم يُجد أحدهم إيصال الصورة كما تجيد إيصالها أنت، لذلك ننتظر بشغف أول مقال ستكتبه بعد معانقتك الحرية، بعد سنة من السجن والحرمان حتى من أبسط الحقوق التي لا يحرم منها أي سجين مهما كانت درجة قساوة جريمته أو فظاعتها، ولكن عزاءنا في ذلك أنك ستعود إلينا وتتحفنا بكلماتك كما عهدنا فيك ذلك. صديقي رشيد، لقد حدثت في غيابك الاضطراري أشياء كثيرة في المغرب أنت على علم بها طبعا، دستور جديد وحكومة جديدة، وأشياء أخرى كثيرة، الكثيرون داخل الوطن وخارجه يقولون إننا قطعنا شوطا كبيرا من أجل الوصول إلى الديمقراطية الحقيقية التي تنشدها جميع الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، نعم سنكون بلدا ديمقراطيا عندما تخرج، صديقي رشيد، وتعود إلى الكتابة دون أي قيد أو شرط، ودون خوف من حرماننا منك والزج بك من جديد في السجن، نعم سنكون كذلك عندما تفتح الجهات المختصة تحقيقا مع كل الذين كتبت عنهم مبرزا للشعب المغربي اختلاساتهم للمال العام، فإما أن يبرؤوا هم وتعود أنت إلى السجن، ولكن هذه المرة بجريرة أنت مرتكبها حقا، وإما أن يزج بناهبي البلاد في السجون ويعاد إليك الاعتبار أنت وجميع الأقلام الشريفة في هذه المملكة السعيدة. عزيزي رشيد، سننتظرك عند متم اليوم ال365، حينما يقف العداد معلنا نهاية معاناة أشهر صحفي في المغرب المعاصر، وحينها سيعلن صاحب عمود «شوف تشوف» نهاية الحداد وعودته إلى جمهوره، نتمناها عودة دائمة بلا انقطاع مهما كانت الأسباب، لأن المغرب يتسع فعلا لجميع أبنائه، وهو في حاجة ماسة إليهم من أجل أن يبنوا جميعا غدا أفضل لهذه الأمة العظيمة.