«اعتقال رشيد نيني ضربة موجعة للصحافة، بل هي ضربة غادرة ومفجعة لجميع الصحافيين والمنابر الإعلامية» هذه خلاصة ما ذهبت إليه مختلف الشهادات التي استقتها «المساء» عقب اعتقال مدير نشرها، رشيد نيني، الذي ما يزال حبيسَ أسوار سجن «عكاشة» منذ ال28 من أبريل الماضي. 10 أيام مرت حتى الآن دون أن يتم إطلاق سراحه، كما طالبت بذلك الكثير من الجهات. شبه إجماع على أن اعتقاله «غير مفهوم» وعلى أنه خطأ «جسيم» وإرادة فردية لجهات معينة في «الانتقام» منه والزج به في السجن، ل»تأديبه» وثنيه عن كتاباته «اللادغة» التي تصيب البعض في الصميم.. لكن سجن نيني، حسب من استقت «المساء» آراءهم، ليس «حلا» لأخطاء وتجاوزات كتب عنها، بالتفصيل، في مجموع كتاباته. وعوض أن يتم فتح تحقيقات دقيقة ومفصلة بخصوص ما جاء في عموده «شوف تشوف»، فضّل هؤلاء جعله «كبش فداء»، للانتقام منه وجعله يتراجع عما يكتب و»يعيد النظر في أسلوبه»، بل حتى في مصادر خبره، بل بالكشف عن هذه المصادر، ل«تأديبها»، أيضا، وهو ما رفض نيني الكشف عنه، من منطلق أن مصادر الخبر «مقدسة»، مثل الخبر تماما، ولا يمكن الكشف عنها. وقفات احتجاجية وبلاغات تنديدية من جهات مختلفة ومن شخصيات وازنة للتنديد بهذا الاعتقال وللمطالبة بإطلاق سراح نيني، لكنّ كل هذا لم يخلف صدى إيجابي لدى المعنيين ويبدو أنه لم يصل، البتّة، إلى آذان «الجهات» التي رجحت كفة الزج بنيني خلف القضبان على أن تجعل صوت الصحافة يعلو ولا يُعلى عليه. «لقد اشتقنا إلى عمود رشيد نيني كثيرا. نتمنى أن تتفهم جميع الجهات أن اعتقاله ومنعه من الكتابة ليس «حلا» من أجل إخراسه وكسر إرادته وشوكته في فضح المتلاعبين والمختلسين، لذلك أرى أنه من الأفضل أن تتم إعادة النظر في هذا القرار وأن يخلى سبيله، لأننا لا نجد في ما يقوله كذبا وافتراء»، يقول «سعيد» (اسم مستعار)، وهو يتصفح صفحات جريدة «المساء»، التي ينقصها ركن مهم هو عمود رشيد نيني، الذي اعتاد «سعيد» قراءته كل صباح في إحدى المقاهي قبل أن يتوجه إلى مقر عمله. قراءة العمود بالنسبة إلى سعيد، كغيره من المواطنين من «مدمني» قراءة عمود «شوف تشوف»، شيء ضروري أشبه بمسكّن أو «كينة» للعلاج «يتناوله» كل صباح مع فنجان قهوة أو كأس شاي. تلعثم «مراد» (شاب في العشرينات من عمره) قبل أن يقول إن جميع العبارات تزاحمت في ذهنه ولا يدري من أين يبدأ ولا أين ينتهي.. تأسف كثيرا، وهو يتنهد، معلنا رفضه التام لاعتقال صحافي من حجم رشيد نيني، بل إنه أعلن أن اعتقال الصحافيين، هو، في رأيه، «ضرب من الجنون»، ما دامت جهات مسؤولة في البلاد قد تحدثت عن أفق جديد للصحافة المغربية، من خلال توسيع هامش حريتها، في إطار ما يخدم مصلحة المغرب والمغاربة، و«المساء»، يضيف «مراد»، «لا أجدها تخرج عن هذا السياق، لأن جميع مواضيعها ومقالاتها، بل جميع أجناسها الصحافية تعلن ثورة على الفساد والمفسدين... أظن أن هذا هو دور الصحافة وليس التستر على الاختلاسات والاختلالات في مؤسسات عمومية». وإذا كان السجن هو نهاية كل صحافي يفضح ما يتعرض له المال العامّ وما يستشري من فساد، فهذا يعني أنه «رحمة الله على الصحافة» وأن أي صحافي سيكون مقيَّدا بكتابة ما يرضي هذه الجهات، بل سيفكر آلاف المرات قبل أن يكتب عن مؤسسة بعينها، خوفا من أن يكون مصيره السجن. لقد شكل اعتقال نيني مفاجأة غير سارة، لأن «المدمنين» على قراءة العمود لم يجدوا له بديلا، لقد ألِفوا فيه الانتقاد والخبر الجديد والمعلومة المفيدة، حسب تصريحات المستجوَبين، الذين طالبوا بإطلاق سراح نيني، حتى يتمكنوا من قراءة عموده «شوف تشوف» من جديد. يقول محمد محافظ (متقاعد): «نحن حائرون بخصوص اعتقال نيني، لأننا لم نفهم أسبابه ويعجبنا كثيرا ما يكتبه، لأنه يجعلنا نحس بما نعيشه، نحن نعتبر اعتقاله تضييقا على حرية الإنسان، وأنا لم يعجبني هذا الاعتقال وأشتم رائحة اختلاف بينه وبين بعض الجهات التي تختلق مثل هذه العقبات والحواجز لمنعنا من السير نحو الأمام.. نطالب بالديمقراطية والنزاهة والشفافية». واعتبر أغلب المستجوَبين أن اعتقال رشيد نيني اعتقال سياسي وينطوي على أبعاد غير مفهومة، يلفّها الالتباس والغموض. يقول عبد الوهاب أكديب (فنان مسرحي): «بالنسبة إلي، فإن اعتقال نيني هو اعتقال تعسفي ومحاكمته محاكمةٌ سياسية، وهذا عيب.. أعتبر نيني «صوت الشعب» بامتياز، لأن عموده يحمل الجديد دائما، وهو قلم مغربي، بل هو شاعر بامتياز وصدّاح باسم الشعب. نطالب بالإطلاق سراحه فورا، إذا أردنا العودة إلى سنوات الرصاص فطبيعي أن تتم محاكمة رشيد نيني».. وأضاف أكديب: «الدليل على أن اعتقاله اعتقال سياسي هو أنه يتابَع بالقانون الجنائي وليس بقانون الصحافة، أنا ضد خنق الأصوات المطالبة بالتغيير. أما لماذا اعتُقِل؟ فلأنه، ببساطة، يفضح ما يجب فضحه ويكتب ما يجب أن يعرفه المغاربة»... ويقول مراد الدميغ (ممثل): «اعتقال نيني اعتقال سياسي، وهو اعتقال غامض، وتفسير هذا الاعتقال غير واضح. ونحن نريد معرفة أسباب وخلفيات هذا الاعتقال. لقد تفاجأت كأي مواطن مهتم بمقالاته، لأنه لا يكتب من فراغ، فهو يوصل الخبر إلى المواطن، لا يظهر لي أنه يمس في كتاباته بأي أحد بقدر ما يوصل المعلومة. وأظن أن للمواطن الحق في المعلومة، وهي التي يحتاج إليها الشعب المغربي لنعرف كل مسؤول هل يعمل بشفافية أم لا. وأرى أنه من العار اعتقاله، وهو الذي يجتهد في عمله، ودون أن نعرف سبب (أسباب) هذا الاعتقال. شخصيا، أريد أن تتم إماطة اللثام عن دواعي الاعتقال حتى يعرفها الرأي العام، وإذا لم يتمَّ الإفصاح عنها، فأنا شخصيا أقول إن نيني مظلوم». رأى بعض المستجوبين في اعتقال نيني تضييقا على حرية الصحافة وتضييقا لدائرة تحركها واجتهادها لتنوير الرأي العام. يقول لحسن أكوتاب (محام في هيأة الدارالبيضاء): «اعتقال نيني هو بداية إسكات المنابر الحرة في المغرب، أي صحافي لا يسير في الاتجاه المرغوب فيه يجب «إرهابه» أو جعله في حلقة ضيقة تُلزمه بالتفكير ألف مرة ومرة قبل أن يخُطَّ أي حرف عن أي مسؤول في مغربنا الحر». وأضاف أكوتاب: «المؤسسات الإدارية في المغرب محكومة بالدستور والقانون ولا مؤسسة خارج القانون أو الدستور، وكلها معرضة للمحاسبة والمساءلة وليس هناك أي شخص في منأى عن المساءلة. نيني سطر اتجاها فريد من نوعه في المغرب. عندما نرى عمود رشيد نيني، يتراءى لنا المغرب الذي يسير في النهج الذي أرادته المؤسسة الملكية، وهو الانفتاح والتعددية وخلق صورة معاكسة لما يسمى «سنوات الرصاص» والقمع والرجعية... اعتقال نيني هو رجوع ورغبة في الدوس على هذه المكتسبات التي تم تحقيقها، ومن جهة أخرى هي تخالف النهج العام لأن الخطاب الملكي دعا إلى الإصلاح والديمقراطية. يقول «جعفر» (اسم مستعار): «رأيي، كمواطن بسيط، يأتي بعد القضاء. ولا شك أن غياب عمود نيني خلّف فراغا كأي عمود صحافي، وإلا فإنه لا يستحق أن يكون كاتب عمود. نحن ننتظر أن يخرج القضاء عن صمته ويقول كلمته حتى يمكن آنذاك أن نقول إن الاعتقال له دواع خارجة عن ارتكاب المعتقَل أي جرم أو جنحة». رغم أن غياب عمود نيني خلف استياء كبيرا في نفوس محبيه وقراء عموده، فإن الإقبال لم يتراجع عن الجريدة، يقول صاحب نقطة بيع في الدارالبيضاء: «تباع الجريدة بشكل يومي، والغريب أن البعض يقتني 4 أو 5 نسخ منها دفعة واحدة.. حتى إن حصتي من الجريدة تنفذ بسرعة فائقة». ويضيف «ربيع» (اسم مستعار، مداوم على قراءة «المساء»): «اعتقال نيني جاء في ظرف غير مناسب، وضد حرية الصحافة في المغرب، وهو ما فاجأنا جميعا ونتمنى أن يطلق سراحه في أقرب وقت. ويقول «عبده» (من البيضاء): «لا يستحق رشيد نيني هذا الاعتقال، وهو اعتقال تعسفي، وحتى التهم التي وجهت له هي تهم مفبركة، ونتمنى أن يطلق سراحه، يجب أن نتضامن معه وألا ندعه يدفع «ضريبة التغيير» لوحده.. كلنا مغاربة وعندنا غيرة على البلاد. نحن مع الملك وضد المفسدين والمخربين في هذا البلد.. نيني صحافي يتكلم بحياد ويقول ما يدور في الساحة السياسية والاجتماعية. واعتبرت «وئام» (كاتبة خاصة) بدورها اعتقال نيني «غير منطقي» وقالت إنه كان من الأجدى أن يتم التحاور معه. وقد لخّصت «نجوى» (طالبة في معهد خاص) مجمل ما قيل حول ما يعيشه رشيد نيني، حين صرحت للجريدة بان «نيني لا يكتب خارج السياق، فهو يوصل الخبر إلى القارئ ليضعه في الصورة، وهو يطرح ما يوجد في الحكومة وما لا يجب أن يختبئ وراء الغربال. نطالب بأن تستمر الوقفات الاحتجاجية إلى أن يتم الإفراج عنه».