في خطوة انتقامية أخرى، أمر الوكيل العام للملك، صباح أمس الأحد، بإحالة رشيد نيني على سجن عكاشة بتهمة استند فيها إلى فصول القانون الجنائي بدل الاستناد إلى قانون الصحافة. ووجه وكيل الملك إلى رشيد نيني تهمة «تحقير مقررات قضائية والتبليغ عن جرائم يعلم بعدم حدوثها والتأثير على مقررات القضاء». وجاء قرار وكيل الملك بإحالة نيني على السجن بعد أن قضى هذا الأخير أكثر من 72 ساعة في زنزانة بمقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، حيث كان يتم الاستماع إليه ليلا بهدف إنهاكه وإهانته. ووصل رشيد نيني إلى محكمة عين السبع في حدود الساعة العاشرة صباحا قبل أن يتم الشروع في الاستماع إليه بحضور دفاعه حول مجموعة مقالات نشرتها الجريدة في أعداد سابقة. وتركزت أسئلة وكيل الملك مع رشيد نيني حول مضامين عدة أخبار نشرها في عموده «شوف تشوف»، ضمنها الأخبار الواردة في عمود «حموشيات» و»صفحة ينبغي أن تطوى» و«الإرث الثقيل» و«الله ينعلها قاعدة»، فيما رفض رشيد نيني الكشف عن مصادره قائلا لوكيل الملك «إن أخلاقيات المهنة تفرض علي ألا أكشف عن مصادري». ووقعت مشادات كلامية بين أحد نواب وكيل الملك ودفاع رشيد نيني بعد أن طالب الدفاع بإطلاعه على قرار تمديد فترة الحراسة النظرية التي شاب مدتها بعض الغموض، إذ أشار دفاع نيني، في تصريح ل«المساء»، إلى أن «نائب وكيل الملك رفض أن يطلعنا على نص قرار التمديد إذا كان هناك تمديد»، مشيرا في هذا السياق إلى أن الوكيل اكتفى بالقول لنا «إن قرار التمديد موجود». وفي الوقت الذي كان فيه وكيل الملك يستمع إلى رشيد نيني، كان العشرات من المتعاطفين مع «المساء» يرفعون شعارات منددة بحادث الاعتقال ويطالبون بالإفراج الفوري عن رشيدي نيني، فيما ينتظر أن يحال رشيد نيني على أول جلسة محاكمة اليوم الاثنين في حدود الساعة العاشرة صباحا. وتلقى دفاع الجريدة قرار إحالته على السجن باستغراب كبير، وقال المحامي عبد الحق بلكوط في هذا السياق إنه لا يفهم كيف يتابع موكله بتهمة التأثير على القضاء فقط لأنه طالب بالمحاكمة العادلة للعميد جلماد، في الوقت الذي تنشر فيه جريدة أخرى مقالات في نفس الموضوع دون أن تطالها المتابعة. إلى ذلك، حظي حادث اعتقال رشيد نيني على خلفية مقالات نشرها بجريدة «المساء» بحملة تضامن واسعة، وطنية ودولية، انخرطت فيها منظمة «مراسلون بلا حدود» التي أدانت اعتقاله، معتبرة هذا الاعتقال تضييقا على حرية الصحافة. وقال المحامي والحقوقي البارز خالد السفياني في اتصال مع «المساء»، تعليقا على اعتقال رشيد نيني، إن «هذا القرار يأتي «خارج كل سياق، وهي قرارات لا علاقة لها بكل ما يروج في المغرب من أحاديث عن التغيير وإطلاق الحريات وحقوق الإنسان، قرارات صادرة عن أشخاص يريدون أن يبقى الشعب المغربي في حالة من اليأس من أن هناك إرادة حقيقية في التغيير، ولا يدركون المخاطر التي يعرضون لها البلاد من خلال هذه القرارات وغيرها من القرارات مثل الاعتداء مؤخرا على مقر الاتحاد المغربي للشغل والشباب المعطل الذي كان محصنا داخله». وأشار خالد السفياني إلى «أننا نعيش زمنين لا علاقة بينهما في نفس البلد. فهناك وزير العدل الذي هو رئيس النيابة العامة، والذي يفتخر بأنه لم يحبس أي صحفي في عهده، وبعد أيام قليلة يصدر قرار باعتقال الصحفي رشيد نيني باستعمال مواد من القانون الجنائي عوض متابعته بفصول قانون الصحافة، وهي رسالة قوية في اتجاه المغامرة بمستقبل البلاد لأن الرسالة لم توجه إلى نيني، وإنما هي موجهة إلى كل الصحفيين ووسائل الإعلام وإلى كل صوت حر، وبالتالي فهم يحاولون من خلال هذه القرارات أن يقولوا لنا إن ما يقال ويسمع عن التغيير ليس إلا مجرد كلام». وأضاف قائلا: «أعتقد أن المعتقَلين الحقيقيين هم من أصدروا الأوامر السياسية باعتقال رشيد نيني لأنهم سيجدون أنفسهم في نفق. كنا نريد للمغرب أن يكون استثناء في التغيير وفي الاتجاه نحو التغيير السلمي المتفق عليه، ولا نريد أن يكون التغيير في المغرب على غرار عدد من الدول العربية، ولكن الذين يحاولون الاصطياد في المياه العكرة لم يأخذوا العبرة مما وقع في تلك البلدان، وسيأتي لا قدر الله يوم يأتي على اليابس والأخضر». وقال يونس مجاهد، رئيس النقابة الوطنية للصحافة: «نحن، في النقابة الوطنية للصحافة عبرنا عن رأينا بهذا الخصوص، واعتبرنا اعتقال رشيد نيني، مدير جريدة «المساء»، اعتقالا «تعسفيا» ولا يحتكم إلى أي أساس قانوني معقول، وهذا استعمال «خطير جدا» للقانون الجنائي في قضايا النشر»، مضيفا، في اتصال أجرته معه «المساء»، أن الدولة سبق أن أعلنت عن الشروع في التشاور حول إصلاح قانون الصحافة، ولا نعلم لمَ سيصلح الآن هذا القانون إذا كان اللجوء من طرف القضاء إلى القانون الجنائي هو الذي يكاد يتحول إلى قاعدة. نحن في النقابة لن نسكت عن هذا، وواجبنا يملي علينا التحرك للمطالبة بإطلاق سراح رشيد نيني وإدانة هذه المسطرة المنافية لحرية الصحافة».