إدريس بناني - عن تيل كيل إن إدانة رشيد نيني يوم ال9 يونيو الجاري بسنة حبسا نافذا، في نهاية المطاف، لم تفاجئ أحدا. وحتى مدير نشر جريدة «المساء»، الذي بقي رهن الاعتقال منذ فاتح ماي، لم يكن متفائلا بمآل هذه المحاكمة. وقال أحد صحافيي «المساء»: «يبدو أن السلطات لا تود تهدئة الوضع». لقد تم رفض طلبات دفاع رشيد نيني واحدا تلو الآخر، وبالتالي، كان من الصعب أن يستصدروا حكم البراءة في حقه. يقبع رشيد نيني، حاليا، وراء القضبان وحيدا في زنزانة مراقَبا، على مدار الساعة، من طرف حراس متصلبين. ويفيد مصدر من داخل جريدة «المساء» أن «حارسا يقوم بتفتيش رشيد نيني على مدار الساعة. إنها معاملة مهينة ولا يمكن تحملها». وحسب مصادر متطابقة، فإن نيني لا يستفيد سوى من ساعة فسحة في باحة السجن. وبعد مفاوضات مطولة مع إدارة السجن، سُمِح له بالحصول على بعض الصحف اليومية لا غير، أما القلم والورق فما زالا بعيدَي المنال. وبالإضافة إلى هذه العقوبات المعنوية، لا يملك رشيد نيني الحق في الصلاة في مسجد السجن. اليوم، انتهت محاكمة رشيد نيني، وهذا الصحفي، الأكثر شهرة في المغرب، يدخل غمار حرب ضروس مع القضبان. وبالفعل، فمنذ بداية الأسبوع الماضي، ورشيد يعتصم داخل زنزانته، احتجاجا على ظروف اعتقاله. يقول أحد أقربائه: «إذا لم يستجيبوا لمطالبه عما قريب، يمكن أن يدخل في إضراب عن الطعام، مما قد يشكل خطرا كبيرا على صحته، مع العلم أن هذين الشهرين اللذين قبع فيهما في السجن أثّرا عليه بشكل كبير». تفاعل متواصل
على المستوى الوطني والدولي، استأثر اعتقال مدير نشر «المساء» باهتمام الجميع، ويتجلى ذلك في موقف الجمعيات الحقوقية التي تدافع عن حقوق الإنسان وعن حرية التعبير. وبدورها، لا تخفي النقابة الوطنية للصحافة المغربية امتعاضها من هذا الاعتقال وتدين «هذا الحكم الجائر الذي يمس حرية الصحافة وحرية التعبير في المغرب»، وهو موقف تتوافق عليه العديد من الشخصيات السياسية والنقابية، على اختلاف توجهاتها، حيث ترى أن اعتقال نيني يأتي في ظرفية حرجة يمر بها المغرب. فرشيد نيني بالنسبة إليهم هو، قبل كل شيء، «صحفي لطالما حارب الفساد وأدان الاختلالات التي تشوب المجتمع»، وبالتالي يدخل اعتقاله في خانة تصفية الحسابات التي ترمي إلى إخراس صوت مزعج لا غير. لكنْ ماذا عن التّهَم الموجهة لرشيد نيني؟ هل قام بتحقير المقررات القضائية؟ هل أبلغ، فعلا، عن جريمة لم يعلم بحدوثها؟ يقول أحد أعضاء هيئة الدفاع: «لا يوجد أي دليل قاطع على التّهَم الموجهة له، كما أنه من غير المقبول متابعة صحافي بالقانون الجنائي. ما جدوى قانون الصحافة إذن؟» و يضيف: «إن الاعتقال الاحتياطي لشخص يملك جميع الضمانات القانونية اللازمة لمتابعته في حال سراح شيء غير مقبول». وعلى أي حال، فقد انتهى دفاع نيني، في نهاية المطاف، إلى الانسحاب من المحاكمة، أسبوعا قبل صدور الحكم. ويقول أحد المسيرين داخل مجموعة «المساء»: «لم يكن بإمكانهم مواصلة تفنديهم مزاعمَ النيابة العامة وتحمُّلَ تعنُّتِ القاضي. كما أن هذا الانسحاب، الذي كان بطلب وبموافقة رشيد نيني، أثار غضب ممثل النيابة العامة، الذي شرع في الصراخ وفي كيل الاتهامات للمحامين»... متى يصدر العفو؟ دفاع رشيد نيني لا يستسلم بسهولة، حيث استأنف الحكم الصادر في الابتدائية ويأمل، رغم كل شيء، أن تتم مراجعة هذا الحكم الجائر، ولو أن الكثيرين لا يتوقعون خيرا. أما مصطفى الرميد، وهو عضو في هيأة دفاع رشيد نيني وأحد نواب حزب العدالة والتنمية، فلا يخفي موقفه من هذه القضية في أعمدة «المساء»، حيث يؤكد أن «اعتقال رشيد نيني هو اعتقال انتقامي لا غير، وبالتالي لا يمكن فك خيوط هذه القضية إلا سياسيا ومن طرف أعلى سلطة في البلاد». وهكذا، يُعوّل هذا المحامي الإسلامي، ضمنيا، على عفو ملكي لإنهاء هذه المحاكمة. لكنْ عن أي انتقام نتكلم؟ من الذي يود اليوم الانتقام من صاحب عمود «شوف تشوف»، الأكثرِ شهرة في المغرب؟ صحيح أن هذا الصحافي راكم عددا كبيرا من الأعداء من حوله، سواء في الجيش أو في المخابرات أو في الأجهزة الإدارية أو في عالم الأعمال، إذ لم يتوان، يوما، في تسليط قلمه اللاذع على رقابهم. وفي موازاة هذا الكم الكبير من الأعداء، يتمتع رشيد نيني بكم أكبر من المساندين والعشاق. ويقول مصدر من داخل «المساء» إن «شعبية رشيد نيني وتأثير كتاباته بدأت تزعج الكثير من المسؤولين. والزج به في السجن بعقوبة حبسية ثقيلة ما هو إلا إشارة على وجود «رسالة» واضحة يودون تمريرها، وهي أنْ لا أحد يمكنه أن يتعالى على القانون»...
مرافعة نيني بعد التزامه الصمت منذ بداية المحاكمة، تكلم رشيد نيني في آخر جلسة، بتاريخ ثاني يونيو، مباشرة بعد انسحاب هيأة دفاعه. وبنبرة هادئة وواثقة، أكد نيني أنه لن يجيب عن أي سؤال تطرحه المحكمة: «أنا أرى أن هذه محاكمة لحرية التعبير والرأي. أنا صحافي، وفي إطار مزاولة عملي، تطرقتُ، بحسن نية، لبعض المواضيع في مقالاتي، الموجهة للرأي العام، وأدلتي هي مصادري الموثوقة، التي أحتفظ بها لنفسي. لم أبلّغ أي جهة رسمية عن أي جريمة ولم أحقر، يوما، مقررا قضائيا، إلا أنني أظن أن قرارات القضاء قابلة للانتقاد».. كما تطرق رشيد نيني لمتابعته بالقانون الجنائي: «أنا صحافي وأملك الحق في أن أتابَع بقانون الصحافة. وبتعبير آخر، هذه المحاكمة غير عادلة وأرفض الإجابة عن أسئلة المحكمة»...