طبيعي أن يتحدث محمد السادس، في معرض بحثه حول موضوع مشروع الوحدة الليبية المغربية، عن العقيد الليبي معمر القذافي، فأثناء حديثه عن الحراك الدبلوماسي الذي كان دائرا بين المغرب وليبيا من أجل إقامة «الاتحاد العربي الإفريقي»، أتى محمد السادس، في بحثه، على ذكر الاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين الملك الحسن الثاني والعقيد الليبي معمر القذافي، رغم الصراع الخفي الذي كان دائرا بين قائدي الدولتين. فما هي صلات القذافي بالحسن الثاني؟ وما الذي قاله محمد السادس عن «قائد ثورة الفاتح»؟ كان ولي العهد قريبا من الملك الحسن الثاني، وبالتالي فقد كان مطلعا على تفاصيل بعض الاتصالات التي تجمع والده بزعماء الدول. وعلى اعتبار أن الملك اختار لبحث الإجازة موضوع العلاقات المغربية الليبية، فقد أورد، من موقعه طالبا باحثا وأيضا وليا للعهد مطلعا على خبايا أمور الحكم، ما كان يجري من تنسيق بين الحسن الثاني والقذافي خلال أكثر الأيام التي شهدت تقاربا بين الزعيمين اللذين راكما عداء لسنوات طويلة، وفي طيات ما أورده تقييم شخصي للملك محمد السادس للقذافي. في الصفحات الأولى من البحث، وبالتحديد في ركن تصديري حمل عنوان «شهادة»، تحدث الملك محمد السادس، بنفس حكائي ونبرة شاهد على العصر، عن طبيعة التنسيق بين الملك الحسن الثاني ومعمر القذافي، وهو ما عكسه قوله ضمن هذا الجزء من البحث: «كان ذلك يوم جمعة من شهر يوليوز سنة 1984 حين استقبل صاحب الجلالة الملك أيده الله في آخر المساء مبعوثا ليبيا يحمل إليه خطابا من العقيد معمر القذافي، وقد كان هذا الخطاب طويلا نسبيا، تحدث فيه العقيد عن حالة الدول والشعوب العربية وما يفرق بينها من نزاعات داخلية، وعن الأخطار التي تتعرض لها بسبب تمزقها، وختمه بأمنيته أن يرى الدول العربية وقد تمكنت من إقامة وحدة فيما بينها. إن كل من يعرف العقيد معمر القذافي وميوله إلى تحقيق الوحدة العربية ومحاولاته التي لم يحالفها التوفيق دائما في هذا السبيل كان سيرى في هذا النداء عبارة عن أمنية عسيرة المنال صعبة التحقيق، ولكن جلالة الملك بعد أن تصفح الخطاب أجاب المبعوث الليبي قائلا إنه من البديهي أن وحدة العرب ستكون مصدر قوة لهم، غير أنه ليس في استطاعة المغرب وليبيا أن يلزما المجموعة العربية كلها بما قد يقررانه في هذا الصدد، أما فيما يرجع إلى المغرب فإن احتمال إقامة اتحاد بينه وبين ليبيا ليس مما ينبغي أن يقابل بالرفض بل إن العكس هو الصحيح». فيما بعد، سيروي محمد السادس، بصيغة المطلع على خبايا الأمور، كيف انبثقت فكرة الاتحاد المغربي الليبي في أذهان كل من الحسن الثاني والقذافي، إذ أردف في بحثه قائلا: «فوجئ المبعوث الليبي بهذا الجواب، وحسب، على ما يبدو، أنه قد أساء السمع، ولاسيما أن خطاب العقيد القذافي لم يكن مقصودا به جلالة الملك خاصة، بل كان عبارة عن منشور موجه إلى جميع رؤساء الدول العربية، وكان صاحبه يرغب في تسجيل موقف في ساعة حرجة من تاريخ الأمة العربية أكثر مما يرغب في الحصول على أجوبة دقيقة ممن توجه إليهم بخطابه. وقد بلغ جواب جلالة الملك فورا إلى العقيد القذافي وكان بالنسبة إليه مثار مفاجأة كبرى لا تقل عن المفاجأة الكبيرة التي سبق أن شعر بها مبعوثه، ولكن الأمور سارت بسرعة بعد انطلاق الفكرة، فصيغ مشروع المعاهدة ووافق عليه العقيد من غير صعوبة تذكر، وبقي تحديد مكان التوقيع، وقد اتجه التفكير في البداية إلى أن يتم ذلك في بلد ثالث، ولكن العقيد القذافي اختار أخيرا أن توقع المعاهدة في مدينة وجدة». تحدث الملك محمد السادس في بحثه، بشكل صريح، عن التخوفات التي أثارها التقارب بين القذافي والحسن الثاني، خاصة من طرف جيران البلدين، وفي هذا السياق اتضح، بشكل ضمني، إتباع القذافي لبعض آراء الحسن الثاني، وهو ما كشف عنه قول الملك محمد السادس في بحثه: «وكان له (أي القذافي) ما أراد، فتم اللقاء بهذه المدينة في 13 اغسطس سنة 1984، وأدخلت على المشروع تعديلات اقترح جلها العقيد القذافي، وبعد ذلك اقترح جلالة الملك على العقيد أن يقوم عقب انتهاء حفل التوقيع بزيارة الرئيس الشاذلي ابن جديد والرئيس الحبيب بورقيبة، ولم يكن جلالة الملك يقصد بهذا الاقتراح أن يتلافى فقط ما ينشأ عن إبرام المعاهدة من صدمة لحساسية بلدين مجاورين للمغرب وليبيا، بل كان يريد، فوق ذلك، أن يفسح لهما المجال منذ البداية ليحتلا إن شاءا مكانهما في الاتحاد الوليد، وقد تقبل العقيد القذافي الاقتراح الملكي قبولا حسنا وقدره حق قدره، مدركا ما سيترتب عليه من نتائج إيجابية، وقام فعلا بزيارة للجزائر في 13 اغسطس 1984 وزار تونس في اليوم التالي لهذا التاريخ». بعد ذلك استطرد الملك محمد السادس في توضيح ملامح تخوف الجيران من التقارب بين الحسن الثاني والقذافي بشكل يفسر حساسية الأمور بالمنطقة، إذ كشف محمد السادس أنه: «لم تحظ معاهدة الاتحاد بين المغرب وليبيا بقبول حسن من لدن الجزائروتونس، فقد اعتبرها المسؤولون الجزائريونوالتونسيون مناورة، وظنوا بجلالة الملك والعقيد القذافي ظنونا لم تكن لهما في الحسبان، ورأى التونسيون أنها جاءت ردا على معاهدة التعاون والإخاء المبرمة حديثا بين الجزائروتونس وموريتانيا، وذهب الجزائريون إلى ما هو أبعد من ذلك فاعتبروها محاولة حصار، الغرض منها جعل بلدهم بين فكي الكماشة المغربية الليبية. إن هذه الاتهامات ليست تافهة وجائرة فحسب، ولكنها، إلى ذلك وفوق ذلك، تنم عن خطأ في التقدير السياسي لا تخفى خطورته، فالمعاهدة المفترى عليها لا ترمي إلى الهدم ولا إلى النيل من مصالح أي كان، بل هدفها الجوهري، إن لم نقل الوحيد، هو البناء والتشييد (...). لا ريب في أن هذه كانت مقاصد جلالة الملك الطموحة والشريفة عندما استقبل ذات يوم جمعة من شهر يوليو سنة 1984، في آخر المساء مبعوثا ليبيا يحمل إليه من العقيد القذافي خطابا ملؤه البراءة كذلك، وفي ضوء هذا كله يمكن تحليل وتقييم سمة البراءة والفضيلة التي تمتاز بها المعاهدة المحدث بموجبها اتحاد بين دولة المملكة المغربية ودولة الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية». تفاصيل أخرى عن العلاقة بين الحسن الثاني والقذافي أماط عنها ولي العهد، محمد بن الحسن، اللثام في آخر جزء من بحثه والمخصص للملاحق. فقد تم نشر نصوص رسائل بين الحسن الثاني والقذافي، تتعلق بتفعيل أمور مسطرية خاصة بالمعاهدة بين البلدين، ويتعلق الأمر أساسا بإقرار كل من المغرب وليبيا بولاية محكمة العدل الدولية الجبرية في نظر جميع المنازعات التي تقوم بين طرفي هذه المعاهدة. رسالتا الحسن الثاني والقذافي تضمنتا الإشارة إلى تعامل حميمي بين الطرفين، إذ خاطب الحسن الثاني، في رسالته المؤرخة بفاتح دجنبر 1984، القذافي بصفته «صاحب الفخامة العقيد معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من سبتمبر»، مذيلا رسالته بالقول: «وتقبلوا يا صاحب الفخامة والأخ العزيز، عظيم تقديري وفائق احترامي. صديقكم الوفي الداعي لكم بالتوفيق والسعادة الحسن الثاني». في المقابل، بعث القذافي في غضون أسبوع رسالة الإقرار سالف الذكر مؤرخة بالتاسع من دجنبر 1984 خاطب فيها الحسن الثاني بصفته «حضرة صاحب الجلالة الحسن الثاني ملك المملكة المغربية»، قبل أن يختم رسالته بالقول: «وتقبلوا يا صاحب الجلالة عظيم تقديري وفائق احترامي. أخوكم العقيد معمر القذافي».