يسلط هذا الملف الضوء على أهم الأحداث التاريخية التي انتهت بتوقيع سلطان المغرب مولاي عبد الحفيظ ابن الحسن الأول معاهدة الحماية في 30 مارس 1912، وينبش في خفايا علاقة الدولة المغربية بالإمبراطورية العثمانية التي نافست فرنسا على المغرب. كما يتطرق الملف، بشكل حصري، إلى أسرار خليفة السلطان في شمال المغرب، الذي أرادت إسبانيا أن تعينه ملكا على الشمال. وكيف ادعى الجنرال فرانكو الإسلام لكسب ود المغاربة. يوم 7 يونيو 1894، توفي الحسن الأول، «السلطان الذي كان عرشه فوق فرسه».. وبموته، سقط العرش، شيئا فشيئا، من فوق صهوة الفرس، لتهرول إليه ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، قبل أن تتلقفه أيادي الفرنسيين والإسبان. كان الحسن الأول قد اتّعض بمصير الجارة الجزائر التي تم احتلالها سنة 1830، بعد «حادثة المروحة»، التي قذفها حاكم الجزائر، الداي الحسين، في وجه القنصل الفرنسي، بعدما جاء الأخير يطالبه بتسديد دين ب20 مليون فرنك فرنسي، فوجدها ملك فرنسا، شارل العاشر، مبررا لاحتلال الجزائر.. وضع الحسن الأول نصب عينيه، أيضا، مصير تونس، التي ستحتلها فرنسا سنة 1880، إثر محاصرة قصر حاكمها، محمد الصادق باي، بعد إغراقه بالديون، لذلك اتبع سلطان المغرب سياسة مالية قوامها التقشف، وهو ما أجّل احتلال المغرب لمدة 18 سنة بعد وفاته. ورث الحسن الأول مغربا مثقلا بالمشاكل، السياسية والاقتصادية، المترتبة عن انهزام المغرب أمام فرنسا في معركة إيسلي سنة 1844، وحرب تطوان أمام إسبانيا سنة 1859، وإكراهات سياسة التبادل الحر، التي فرضتها بريطانيا في اتفاقية 1856، وتداعيات ضريبة الترتيب، التي ألّبت الرعايا المغاربة والمحميين والمقيمين الأجانب على المخزن.. وكلها عوامل كانت تؤشر على أن مصير المغرب لن يختلف، إنْ آجلا أو عاجلا، عن مصير الجزائروتونس. في سنة 1880 وقّع الحسن الأول، شخصيا، على الاتفاقية الصادرة عن مؤتمر مدريد، والتي نصّت على «إقرار المغرب بحق الملكية للأجانب المقيمين فيه وإعفاء المغاربة المتمتعين بحماية الدول الأجنبية من كل الضرائب والرسوم وتمكين القناصل من مرافقين ومترجمين». ورغم أن الحسن الأول صادق على كل تلك البنود، الماسة بالسيادة المغربية، فإنه، في المقابل، حال دون تنفيذ رغبة الدول المشاركة في هذا المؤتمر في جره إلى توقيع اتفاقية حماية في نفس السنة التي استُعمِرت فيها تونس: 1880. توفي الحسن الأول وتولى الحكم بعده ابنه مولاي عبد العزيز، وكان طفلا لم يتجاوز سنه ال14 سنة، في سياق قيل إنه من ترتيب أم مولاي عبد العزيز، رقية الشركسية، والحاجب أحمد بن موسى (بّاحماد).. اتسم عهد مولاي عبد العزيز بالتمردات والثورات، أشهرها تمرد الجيلالي الزرهوني «بوحمارة» وثورتا الشريف الريسوني في الشمال، وماء العينين في الجنوب. وقد استغلت فرنسا صغر سن السلطان وانبهاره بالمخترعات والألعاب الأوربية وضعف مالية الدولة، بفعل العوامل الطبيعية والخسائر التي ألحقها بوحمارة بالجيوش والمَرافق، لتبدأ تخطيطها للسيطرة على المغرب.. بدأ تربص فرنسا بمولاي عبد العزيز بعد وفاة الصدر الأعظم (بّاحماد) سنة 1900، بدفعه إلى تغيير النظام المالي للدولة واعتماد ضريبة «الترتيب»، التي فشل الحسن الأول في تطبيقها. فبعدما كان النظام المالي حتى ذلك الحين يعتمد على الزكاة وأخذ العُشُر من الحبوب، سيقترح الفرنسيون على مولاي عبد العزيز منحه قروضا للخروج من الأزمة المالية، على أساس أن يقوم بفرض ضرائب على المواشي والبهائم والأراضي الزراعية والمعاملات التجارية والاستيرادات الخارجية، إلا أن الكارثة التي لحقت بمالية الدولة من خلال اعتماد النظام الضريبي الغربي تصدق للتمثيل عليها قصة الغراب، الذي قلّد مشية الحمامة فأضاع مشيته.. فقد أصبحت الدولة عاجزة عن تحصيل الزكاة والضرائب معاً، بعد اختلال الأمن واستفحال التمردات.. عن هذه المرحلة كتب المؤرخ محمد تقي الدين الهلالي قائلا: «كانت الدولة عاجزة عن أخذ الضرائب القديمة والجديدة على السواء، بسبب اختلال الأمن في كل مكان وعجز الجيش المغربي عن إخماد الثورات وتعميم الأمن فكان الفرنسيون وغيرهم من الأوربيين إذا قتل الثوار أو اللصوص واحدا منهم طلبوا وزارة المالية المغربية بدِيَّة فادحة ثقيلة ومقصودهم إفقار الدولة المغربية لتشتد حاجتها إلى المال ثم يعرضوا عليها المساعدة المالية ويتولوا هم بأنفسهم جباية المكوس في المراسي، وتلك وسيلة بل ذريعة من ذرائع المستعمرين، فهذه الأسباب وهي اختلال الأمن وفقر الدولة وعجز جيشها بسبب الهزائم التي أصيب بها من الثورات يضاف إلى ذلك تنافس دول الاستعمار على استعمار المغرب الخصيب ثم تصالحهم على أن يسمح لإيطاليا بالاستيلاء على ليبيا ويسمح لبريطانيا بالاستيلاء على مصر، وتقتسم فرنساوإسبانيا الأراضي المغربية فتستولي إسبانيا على الجهة الموالية لأرضها وهي الشمال وتجعل طنجة ونواحيها دولية وتستولي فرنسا على بقية أراضي المغرب». توالت الأحداث متسارعة، ففي سنة 1906، ستعقد عدد من الدول الأوربية مؤتمر «الخزيرات» (الجزيرة الخضراء)، والذي سيمنح الأجانب المقيمين في المغرب امتيازات إضافية، من قبيل حرية تملك الأراضي ومراقبة الجمارك المغربية. سيليها احتلال فرنسا مدينتي وجدة والدار البيضاء، في مطلع سنة 1907. أمام هذه التطورات الخطيرة، سيقوم علماء مراكش، يوم 16 غشت من نفس السنة (1907)، بخلع بيعتهم للسلطان ومبايعة أخيه مولاي عبد الحفيظ، وهو ما رفضه علماء فاس بداية واعتبروه «خروجا عن الإمام» وأصبحوا ينادون مولاي عبد الحفيظ ، استهزاء، «مولاي حفيد»، وهو ما تسببَ أيضا في نشوب مواجهات بين قوات الأخوين /العدوين، في منطقة وادي تكاوت، الشيء الذي استغله المستفيدون من البلاط العزيزي، ليطالبوا فرنسا باستعمار المغرب، قبل خمس سنوات من معاهدة 1912، «ولولا الانقلاب الحفيظي، الذي تم ببيعة أهل مراكش، لكان المغرب سيُحتل عسكريا وبطلب رسمي من وزير الخارجية عبد الكريم بن سليمان، الذي طلب ذلك رسميا حين كتب إلى فرنسا، بتاريخ 8 غشت 1907، وباسم عبد العزيز دون علمه، طالبا رسميا من فرنسا التدخل المباشر ضد عبد الحفيظ، لإعادة الأمن والسلام إلى البلاد وتحسين حالة الجيش ووضع نظام للمالية»، يؤكد عبد الكريم الفيلالي في كتابه «التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير»، مضيفا: «وقد أثار هذا الطلب، الذي يدلّ على التنازل فوق ما يتمناه الفرنسيون، كل غضب في الداخل والخارج، خصوصا ألمانيا، التي كانت تنتظر الاعتراف بعبد الحفيظ بقلق كاد يدفعها إلى التصريح به قبل الطلب، وإذا كان بيشو، وزير خارجية فرنسا، قد استدل بالتنازل الذي تبرع به عبد الكريم بن سليمان، فإنه في الحقيقة تلقى تقريرا من المفوضية الفرنسية ينفي عن عبد العزيز ما افتراه عليه الخائن الدساس ابن سليمان، ومثله كان تقرير المفوضية الألمانية». لم يكن وزير خارجية مولاي عبد العزيز، عبد الكريم بن سليمان، الوحيد الذي حرّض فرنسا على الإسراع إلى استعمار المغرب، بل لقد «قام كاباص «محمد الجباص» بأفظع مما قام به ابن سليمان حين عمل ما في وسعه فعله كي يجرّ العسكريين إلى احتلال المغرب بالقوة حين قال للكومندان المشرف على البوليس في طنجة: إذا تدخلت فرنسا ضد المولى عبد الحفيظ، تستطيع أن تفعل في هذا البلد ما تشاء تحت ستار السلطان (مولاي عبد العزيز) المستعد لقبول كل شيء». مولاي عبد الحفيظ.. من سلطان الجهاد إلى سلطان فرنسا كانت بيعة مولاي عبد الحفيظ بيعة استثنائية في تاريخ الدولة المغربية، تؤشر على أن المملكة الشريفة في طريقها إلى أن تصبح دولة مؤسسات، لذلك جاءت البيعة الحفيظية «بيعة مشروطة» ومقيَّدة بعدد من الالتزامات، ابتدأت بإدانة حكم أخيه المولى عبد العزيز، الذي عمل على «موالاة الكافرين ونبذِ شروط الكتاب والسنة وفساد مصالح الأمة