لم يكد المغاربة يبتلعون الإقصاء المذل للمنتخب المغربي من نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، التي احتضنتها مناصفة الغابون وغينيا الاستوائية، حتى مُني الرجاء البيضاوي بهزيمة لا تقل مرارة في عمق غانا أمام تشيلسي الغاني، بخماسية «غير نظيفة». لا يتعلق الأمر هنا بفريق تشيلسي الإنجليزي بل بفريق مغمور «يتبرك» باسم النادي اللندني ويرتدي ألوانه في ما يشبه الاستنساخ الكروي. انهزم فريق الرجاء بحصة لم يسبق أن ذاق طعمها على امتداد مشاركاته الإفريقية، وتبين أنه -على غرار منتخب غيريتس- «لا يتكلم إفريقي»، بالنظر إلى هول الهزيمة التي وصفها مسؤول رجاوي ب«الحادث المروري» الذي لا يجب الوقوف عنده كثيرا، أو بتعبير آخر: «فرقوا الجوقة». في غمرة خسارة الرجاء، كان رؤساء الأندية المغربية لكرة القدم يعقدون جلسة عشاء في منزل رئيس المغرب الفاسي، يبحثون خلالها عن صيغة للحيلولة دون أداء الرسوم الضريبية والتصدي لحكومة تريد أن تكبد المدربين واللاعبين خسائر مادية بالاقتطاع الضريبي من رواتبهم، رغم أن أقل راتب لمدرب في القسم الأول لا يقل عن 50 ألف درهم، علاوة على منحٍ مضاعفة وامتيازات أخرى تقارب مبلغ الراتب. لا أعتقد أن هزيمة الرجاء البيضاوي تستحق كل هذا البكاء على أطلال النادي في الوازيس، لأن هزائم هذا البلد لا تعد ولا تحصى، لكن الملاحظ أنه مقابل المداد الغزير الذي يسكب على هزائم الكرة نجد مجرد إشارات عابرة كلما تعلق الأمر بالخسائر التي نتكبدها في ملاعب السياسة والمجتمع والثقافة. فالمغرب لازال يحتل الصف الأول في الترتيب العام «المؤقت» لكبار منتجي القنب الهندي، متفوقا على الباكستان بالنسبة العامة، والعهدة على تقارير الأممالمتحدة. وهذه الزعامة «الكِيفية» تخدش يوميا وجه المغرب وتجعله قبلة سياحية للحشاشين و«تبوقه» مكانة مميزة في بطولة الفلاحة التخديرية. هزيمة الرجاء بخماسية أقل إثارة للقلق من هزيمة المنظومة التعليمية المغربية واحتلالها الصف الأخير بين دول المغرب العربي، في زمن تحمل فيه وزارة الوفا شعار مدرسة النجاح. وهذه المرتبة المذلة جعلتنا نحتل المرتبة 129 من أصل 177 بلدا في تصنيف التنمية البشرية، والرتبة 155 في ترتيب الدول الأكثر أمية. وحسب التقارير الصادرة عن منظمات عالمية، فإن هزائم المغرب في مباريات الديمقراطية وحرية الصحافة ومكافحة الفساد والرشوة أكثر خطورة من هزائمنا في ملاعب الكرة، لأن جمهور الكرة قادر على ابتلاع هزائمه بمجرد الفوز في مباراة أخرى، بينما يصعب استدراك اختلالات التنمية والتربية والديمقراطية. لكن أطرف القصاصات القادمة من أرض الكنانة هي تلك التي حملت مملكتنا الشريفة إلى مصاف الدول الأكثر تفريخا للباعة المتجولين، الذين يواصلون غزوهم للشوارع والأزقة والساحات العمومية، وهو مؤشر على التخلف، لأن هذه المهن هي مجرد قناع لبطالة حملة الشواهد و«الفراشات»، ودليل على فشل البرامج الاستعجالية الأشبه بأقراص مسكنة لمريض بالسرطان. بكى سائق سيارة أجرة بحرقة كطفل انتزعت منه لعبة، وهو يرابط بالقرب من ملعب الرجاء البيضاوي بالوزايس المطوق بفصائل أمنية، وقال بصوت تتخلله انقطاعات في الحبال الصوتية، محاولا اختزال الحياة العامة في انتصار فريق الكرة: «تربح الرجا ويزيدو في ليصانص والخبز، الناس باغا تفرح»؛ التفت إليه بائع الطون، وهو يعد سوندويتشا فيه قليل من الطون وكثير من الفلفل المطحون، ليذكره بهزيمة المنتخب المغربي أمام الجزائر بخماسية في نهاية السبعينيات، وكيف تحولت من هزيمة كروية إلى هزيمة سياسية، قبل أن يتدخل شيخ ليعيد النقاش إلى ملعب الكرة في زمن أصبح فيه الكوايرية قوامين على السياسيين.