لا نعرف ما هو الضرر الذي سيلحق بالسيدة أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري، إذا مُنعت من دخول دول الاتحاد الأوربي، والشيء نفسه ينطبق على حماتها السيدة أنيسة التي لم نسمع أو نقرأ أنها غادرت دمشق طوال الأربعين عاما الماضية، وربما أكثر؛ فبعض قرارات الحظر الأوربية تبدو بلا معنى على الإطلاق. السيدة أسماء الأسد وجدت نفسها، وبمحض الصدفة، زوجة رئيس سورية؛ وعندما أصبحت كذلك لم يكن زوجها مطلوبا أو مكروها، بل كانت معظم الدول التي تعاديه حاليا يفتخر حكامها بصداقته ويفرشون له السجاد الأحمر ويعتبرونه زعيما للممانعة، رغم أنهم كانوا يعرفون جيدا أنه ديكتاتور وأن سجل نظامه هو الأسوأ في المنطقة العربية، وربما في العالم بأسره على صعيد قضايا حقوق الإنسان. زوجة الرئيس السوري، التي صدر قرار يحظر دخولها إلى الجنة الأوربية، كانت، حتى أقل من عام، تحتل أغلفة جميع المجلات النسائية العربية، ومعظم الأوربية، وتدبَّج المقالات حول أناقتها وجمالها وتقدم على أنها الوجه الحضاري للمرأة العربية الجديدة، ولم يحاول أحد من الذين يطاردون سيدة سورية الأولى ووالداها طلبا للقائها، أن يتوقف لحظة عند ديكتاتورية النظام السوري وانتهاكه لحقوق الإنسان وإهانته لكرامة أكثر من عشرين مليونا من مواطنيه. لا نعرف لماذا تعاقب السيدة أسماء الأسد على وجه الخصوص، فهي ليست جنرالا في الأمن السوري تشرف على تعذيب المعارضين آو تصدر الأحكام بإعدامهم، إنها لا تستطيع تطليق زوجها آو الهرب من سورية لو أرادت الهروب، مما يؤكد أن هؤلاء الذين أصدروا مثل هذا القرار لا يعرفون سورية أولا، ولا يعرفون قوانين الأحوال المدنية ثانيا، ولا أحكام الشريعة الإسلامية ثالثا، والأكثر من ذلك أنهم يغلقون أبواب النجاة في وجه امرأة، في حال قررت أن تترك زوجها وأطفالها، وهذا ما نستبعده كليا. ربما تكون الرسائل الإلكترونية (إيميل) التي جرى تسريبها مؤخرا إلى بعض الصحف الغربية، ومنها إلى نظيراتها العربية، قد كشفت عن استهتار السيدة أسماء بمعاناة الشعب السوري الذي يواجه القتل يوميا، من خلال إقدامها على شراء أحذية أو مزهريات مرتفعة الثمن، وهذه مسألة قابلة للنقاش على أي حال، لأن حمى التسوق هذه كانت موضع إشادة قبل الأحداث الدموية السورية، ولكن لم يتوقف أحد، أو ربما القلة، عند أمور أكثر أهمية وخطورة كشفت عنها الإيميلات نفسها، وأبرزها غياب دولة المؤسسات في سورية وتركيز السلطات كلها في يد شخص الرئيس ومجموعة صغيرة من مستشاراته ومستشاريه، الذين يقررون كل شيء دون الرجوع إلى أي مرجعية مؤسساتية في البلاد. كنا سندين بشدة مسألة تسريب هذه الرسائل والسطو بالتالي على بريد إلكتروني خاص، حتى لو كان لزعيم ديكتاتور، فهذه سرقة مخالفة للقانون وتتساوى مع فضيحة التنصت التي هزت الصحف البريطانية التابعة لمجموعة روبرت مردوخ الإعلامية الضخمة، وهي فضيحة طالت تسجيل مكالمات مئات الأشخاص من المسؤولين الكبار ومشاهير الفن وكرة القدم. وما يجعلنا نتحفظ على الإدانة أو مواجهة الحد الأدنى من شبهة الدفاع عن نظام ديكتاتوري هو أن هذا النظام لم يحترم مطلقا خصوصية الكثير من أصدقائه وخصومه على حد سواء، وكانت عمليات التصوير والتنصت وفبركة الأفلام من أبسط ممارسات بعض أجهزته الأمنية، فكم من إنسان، بمن في ذلك بعض رجالات الحكم، تعرض للابتزاز بسبب هذه الممارسات وغيرها؟ ندرك جيدا أن النظام السوري تجاوز كل الخطوط الحمراء في حربه الدموية للسيطرة على الانتفاضة، مثلما ندرك أيضا أن هناك حوالي عشرة آلاف شخص فقدوا أرواحهم برصاص حلوله الأمنية، ولكن للحرب أخلاقياتها أيضا، فمشكلة الشعب السوري مع النظام ليست في شراء السيدة أسماء الأسد حذاء بثلاثة آلاف دولار، وإنما في ديكتاتوريته ودمويته وقمعه، فهناك آلاف السيدات، خاصة من بنات وزوجات الأثرياء العرب، والسوريات منهن خاصة، المحسوبات وأزواجهن على المعارضة للنظام، يشترين أحذية بأضعاف هذا المبلغ، ونحن نعيش في لندن ونعرف قصصا يشيب لها شعر معظم أبناء الشعب السوري المحاصرين، أو الذين يتعرضون للقصف في حمص وأدلب ودير الزور وغيرها، ولا يجدون الماء أو الكهرباء أو أبسط أنواع الدواء لعلاج جرحاهم أو الأمان لدفن شهدائهم. نحن هنا لا نتحدث عن زوجات الحكام العرب وبناتهن، كما أننا لا نشير إلى بريدهن الإلكتروني الخاص، وما يتضمنه من رسائل وصور وفواتير تسوقهن في لندن وباريس وجنيف، فقط نردد المثل الذي يقول «عندما تسقط البقرة تكثر السكاكين». الشعب السوري، الذي يواجه القتل لأكثر من اثني عشر شهرا لوحده، دون أن يتعب أو يتراجع مليمترا واحدا في اندفاعاته المشرفة لتقديم التضحيات من دمه وأرواحه، يتعرض إلى خديعة كبرى من العرب والغرب على حد سواء، فهناك الكثيرون الذين يبيعونه الوهم ويسطّحون قضيته ويصعّدون آماله في قرب النجاة على أيديهم، وهنا تكمن الفضيحة الحقيقية، وليس في الرسائل أو الصورة اليتيمة لامرأة شبه عارية جرى العثور عليها وسط هذا الكم الهائل من الرسائل الإلكترونية. التغيير الديمقراطي الحقيقي سيصل إلى سورية حتما في نهاية المطاف، ليس لأنه تغيير مشروع، وإنما لأن الشعب السوري لن يوقف مسيرته وتضحياته حتى يفرضه بكل الطرق والوسائل، مهما كان الثمن، أما من يتوقفون عند حذاء أو حقيبة أو فرض حظر على امرأة، فهؤلاء لا يمكن أن يفيدوا الشعب السوري أو هكذا نعتقد.