ثمة حاجة ضاغطة اليوم إلى الالتفات إلى النص الأدبي وكل الأجناس المتفرعة عنه، بإرجاع قيمته الاعتبارية، التي كدنا نفقدها مع زحف الحداثة المتسلطة، التي نغّصت علينا معيشتنا في عقر ديارنا، لولا إصرار ونضال ثلة من الأدباء والشعراء والنقاد، الذين اكتووا بنيران الأدب الهادئة والباردة، ومن ثم عملوا ما في وسعهم كي يبقى النص الأدبي دائما متبوئا للمكانة المرموقة التي حظي بها منذ العصر الجاهلي. وتكمن أهمية النص الأدبي في أنه ينتصر لكل القيّم الجمالية الباهرة التي ترتبط بذاتية الإنسان من حيث كونه إنسانا، وبالتالي فهو يُعبّر عن الأشواق الروحانية، التي بدونها يبقى الإنسان مجرد «هيكل عظمي مشوه البنية ممسوخ المظهر، فارغ من أي معنى». لذلك فإنه لا أحد يماري في مركزية النص الأدبي، لأنه ينبض بالحياة ويتفاعل معها دوما من أجل أن يجد الإنسان سعادته وحريته ورفاهيته في هذا العالم، الفسيح، المفتوح أمام الإنسان، الذي كلما أحس بانقباض أو ضيق، يعود إليه ويبقى مشدوها حيال عظمة الكون وتركيبته، المتميزة بالإتقان والانتظام، من خلال واجهة الأجناس الأدبية المتنوعة، التي تسعف الإنسان في خلق علاقة حميمة مع العالم والكون.. وبالتالي، يتمكن من التصالح مع نفسه، الأمّارة بالسوء، ويتلمس الجوانب الروحانية وينفض الغبار المتكدس فوقها، ليصبح إنسانا متحررا من الأغلال المادية التي تكبّله وتمنعه من المضي قدما في سبيل تحصيل المعرفة ب»مكنونات الذات الراقدة في أعماق ذاتيته». لا ننفي، البتة، حسنات العصر الحديث وما رافقه من إنجازات جد متطورة جعلت حياة الإنسان برمتها تبدو سهلة وبسيطة، عكس العصور الفائتة التي عانى فيها الإنسان كل صنوف العذاب، بهدف الحصول على لقمة عيش تضمن بقاءه على وجه البسيطة، لكنْ، للأسف، جعلت الإنسان في قبضة العالم المادي الصرف، الذي أفرغ الإنسان من بعده المعرفي واختزله في كونه مستهلكا، أكولا، لا يشبع من اقتناء كل المنتجات الاستهلاكية التي تخاطب مباشرة «الجانب الطيني فيه».. وتأسيسا على هذه المعطيات، فإن من شأن النص الأدبي أن يبعث «الجانب الروحي» في الإنسان وينفخ فيه نفسا جديدا يسمح للإنسان بإعادة ترتيب سلم أولوياته المبعثر، وبالتالي إقامة توازنه النفسي، بناء على هذا المعطى الحاسم في رسم معالم «حياة الإنسان السوي»، إذ بدونه ستزيد حياة الإنسان تيها وظلالا.