سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هل تعجل جهود المرزوقي لإحياء الاتحاد المغاربي ببلورة حل نهائي لقضية الصحراء ؟ الحسيني: سقوط نظام القذافي والتغيرات التي تعرفها المنطقة قد يساهمان في حل المشكل
أسدل الستار في الأسبوع الماضي على الجولة التاسعة من المشاورات غير الرسمية حول قضية الصحراء المغربية. ولم تسفر الجولة الأخيرة عن جديد على مستوى تقريب وجهات نظر الأطراف المعنية بهذه القضية عدا الاتفاق على تحديد موعد لاحق لجولة عاشرة من المشاورات. وفي هذا السياق، قال تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن الجولة الأخيرة، وإن لم تأت بجديد أثبتت بأن «تطبيع العلاقات مع الجزائر لم يفض بدوره، بخلاف ما كان متوقعا، إلى مرونة في الموقف الجزائري من قضية الصحراء». وأكد الحسيني أيضا أن فشل جولات المشاورات غير الرسمية في محطاتها التسع يؤكد كذلك أن «محاولات تسوية النزاع في إطار مفاوضات ثنائية يصعب أن يأتي بجديد». وفي ظل فشل هذه الجولات بسبب تمسك كل طرف بمواقفه ورفضه مناقشة مقترحات الطرف الآخر، أكد تاج الدين الحسيني في تصريح أدلى به ل«المساء» على إمكانية إيجاد حل نهائي ومتوافق عليه عبر بث الروح في اتحاد المغرب العربي والاستفادة من الوضع الجديد بالمنطقة، الذي أفرزته مبادرة الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، الرامية إلى إحياء الاتحاد المغاربي، بالإضافة إلى انهيار نظام القذافي بليبيا، وتنامي الهواجس الأمنية للجزائر بسبب تبعثر أسلحة العقيد الليبي السابق في المنطقة. وقد استطاع المنصف المرزوقي انتزاع موافقة قادة الدول المغاربية لحضور أشغال قمة مغاربية بالعاصمة التونسية قبل متم السنة الجارية. ورغم أن الرئاسة التونسية لم تحدد بعد تاريخا لانعقاد هذه القمة، ولم تكشف عن الخطوط العريضة لجدول أعمالها، فإن تصريحات المرزوقي كانت واضحة بخصوص الأسلوب الذي سينتهجه في تسيير القمة المغاربة المنتظرة. المرزوقي قال في وقت سابق على هامش جولته المغاربية، التي قادته بالخصوص إلى كل من الجزائر والمغرب، إن «القضايا التي لا يمكن أن نتجاوزها علينا أن نعمل على تجنبها»، في إشارة واضحة إلى قضية الصحراء المغربية. ويتجاوب هذا الموقف الذي عبر عنه الرئيس التونسي مع الموقف المغربي. ذلك أن سعد الدين العثماني، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، عبر في أكثر من مناسبة، خصوصا أثناء زيارته الأخيرة للجزائر، عن استعداد المغرب لوضع القضايا الخلافية جانبا، والعمل على تمتين العلاقات المغربية الجزائرية في مختلف المجالات، وفي مقدمتها الميدانان الاقتصادي والتجاري. غير أن تحقيق تغيير إيجابي في موقف الجزائر من قضية الصحراء المغربية يتوقف على مدى رغبتها حقيقة في وضع حد لهذا النزاع الذي طال أمده. فإذا كانت الجزائر تراودها فعلا رغبة أكيدة في إيجاد حل نهائي لهذا النزاع، فإنه يتوجب عليها، حسب الحسيني، أن «تمارس نوعا من الحياد الإيجابي». ويتمثل هذا الحياد الإيجابي، وفق الحسيني دائما، في أن تبادر إلى البحث بإرادتها عن إمكانيات تقريب وجهات نظر الأطراف المعنية بهذه القضية والعمل على الدفع قدما في اتجاه تبني حلول تمسك فيها العصا من الوسط. ويلزم الجزائر أيضا أن تستحضر في هذا السياق الموقف الذي عبرت عنه عدة دول عظمى بخصوص المقترح المغربي القاضي بمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية. المبادرة المغربية اعتبرت في وقت سابق واقعية من قبل مجلس الأمن، ووصفت من قبل كل من باريس وواشنطن بالمقبولة والواقعية، وهو ما يجعل من هذه المبادرة «الورقة الوحيدة المطروحة على طاولة المشاورات بين الأطراف المعنية بالنزاع، وهي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي متوافق عليه» يقول الحسيني. أما المقترحات التي تتشبث بها جبهة البوليساريو وتدعمها الجزائر من قبيل إعمال آلية تقرير المصير فيتطلب تفعليها مسلسلا طويلا من الإجراءات ومؤشرات فشلها مرتفعة، وهو ما من شأنه أن يدخل المنطقة في حرب حقيقية. وثمة أيضا عامل آخر يدعم حل الصحراء عبر تدعيم التقارب المغاربي أفرزه الحراك، الذي تعرفه المنطقة منذ أزيد من سنة، ويتجسد في انهيار نظام معمر القذافي بليبيا. القذافي لم يكن يتردد في السنوات الماضية بالمجاهرة بدعمه للأطروحات الانفصالية. كما كان يزود الانفصاليين بالعتاد العسكري سرا، بل علنا في بعض الأحيان. ويتوقع تاج الدين الحسيني أن يخدم سقوط النظام معمر القذافي بليبيا وتغير كل شيء في هذه الدولة المغاربية المجهودات المبذولة لإيجاد حلي نهائي ومتوافق عليه لقضية الصحراء المغربية على مستويين اثنين. أولهما يتجسد في كون القذافي كان يغذي فتيل هذا النزاع في وقت سابق عندما كان يلعب بورقة الصحراء المغربية من أجل تحقيق مكاسب شخصية في المنطقة. وقد ألحق استغلال القذافي لهذه الورقة أضرارا كبيرة بالمغرب، على حد تعبير الحسيني. عقبة القذافي زالت من طريق الحل النهائي لقضية الصحراء، وينتظر أن تلعب ليبيا دورا إيجابيا في الدفع في اتجاه حل هذا النزاع، خصوصا أن الماسكين الجدد بزمام السلطة في طرابلس يعبرون عن التزامهم بالعمل على إرساء دعائم الوحدة المغاربية، مع التذكير بأن المغرب كان من أوائل الدول التي اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي للثورة الليبية. أما المستوى الثاني فيتمثل في قضية انتشار «أسلحة القذافي» بعد انهيار نظامه على نطاق واسع في منطقة الساحل والصحراء. وفي هذا السياق، يتوقع تاج الدين الحسيني أن تدفع هذه القضية، التي باتت تشكل مصدر هواجس أمنية، الحاكمين في الجارة الشرقية إلى إعادة النظر في موقفهم من التعاون الأمني مع المغرب. ذلك أن الخوف من تنقل «أسلحة القذافي» بسهولة إلى الجزائر وشبح توظيفها لتنفيذ هجمات إرهابية قد يجعل الجزائر تستوعب أخيرا أهمية الإسراع ببلورة حل نهائي لقضية الصحراء للحد من خطر تسليح المنطقة. ولعل هذا ما يفسر إحجام السلطات الجزائرية على إبداء تحفظاتها من مشاركة المغرب في عدد من الملتقيات، التي تدارست الوضع الأمني بالمنطقة وإشكاليات تحصين حدود دول المغرب العربي ومنطقة الساحل والصحراء. فهل تعجل مجهودات الرئيس التونسي الرامية إلى إحياء اتحاد المغرب العربي وانهيار نظام القذافي وتنامي الهواجس الأمنية للجزائر ببلورة حل نهائي لقضية الصحراء على أساس تدعيم الوحدة المغاربية؟