تجسد الانتخابات آلية مركزية لتداول السلطة بشكل سلمي، كما تمثل وسيلة لتأمين التعايش السياسي بين مختلف الفرقاء السياسيين؛ غير أن الحديث عن الانتخابات دون ربطها بطبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة قد لا يساعد على تحديد وظائفها بشكل دقيق؛ وعليه، فهذه الوظائف تختلف بين أنظمة ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية، ففي الأنظمة الأولى تجرى انتخابات تنافسية في حين تجرى في الثانية انتخابات غير تنافسية؛ وهناك معياران للتمييز بين هذين الصنفين من الانتخابات: يتعلق المعيار الأول برهاناتها، فإذا كانت رهانات هذه الانتخابات تنصب على الوصول إلى السلطة السياسية، بما يفيد احتكارا لاتخاذ القرار السياسي، اعتبرت في هذه الحالة انتخابات تنافسية، أما إذا كانت هذه الانتخابات لا تمس جوهر السلطة السياسية فهي بهذا الاعتبار انتخابات غير تنافسية. يرتبط المعيار الثاني بغياب شروط التكافؤ بين القوى السياسية المتنافسة، حيث تعمل السلطة السياسية الحاكمة على تكريس منظومة الحزب المهيمن الذي يحظى بكل الدعم والمساندة للفوز بمختلف الاستحقاقات الانتخابية، في حين يقتصر دور الأحزاب السياسية الأخرى على إضفاء الشرعية على انتخابات هي أقرب في جوهرها إلى «التزكية». في موضوعنا، سنركز على الوظائف التي يفترض أن تؤديها الانتخابات ذات الطابع التنافسي؛ وهنا نميز بين الوظائف المباشرة والوظائف غير المباشرة. للانتخابات التنافسية ثلاث وظائف: تتجلى الوظيفة الأولى في التعبير عن إرادة الناخبين، وهنا يجب إبداء ملاحظتين للتوضيح: الأولى مرتبطة بضرورة التمييز بين مفهوم الشعب الاجتماعي الذي يشمل مختلف مكونات الشعب، سواء تعلق الأمر بالذين يصوتون أو الذين ليس لهم الحق في التصويت بحكم السن أو لموانع قانونية، وبين مفهوم الشعب السياسي الذي يتكون من الذين لهم الحق في التصويت فقط، فمفهوم الناخبين يتماهى مع مفهوم الشعب السياسي؛ أما الملاحظة الثانية فهي مرتبطة بإشكالية التمثيلية التي تطرح من ثلاثة جوانب: يكمن الجانب الأول في طبيعة التمثيلية، هل هي تمثيلية ذات طابع سياسي أم تمثيلية ذات طابع اقتصادي واجتماعي، وهنا نجد أن التمثيلية ذات الطابع السياسي هي التي تحظى بالأولوية ما دامت تستند إلى الانتخاب المباشر عوض التمثيلية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي التي تتحدد في الغالب من خلال الانتخاب غير المباشر؛ ويعود الجانب الثاني إلى حدود التمثيلية، وهنا تطرح مسألة نسبة المشاركة في عملية الاقتراع، فالأكيد أنه كلما سجلت نسبة مرتفعة من المقاطعة إلا وكان ذلك مؤشرا على ضعف ثقة الكتلة الناخبة في المؤسسات الدستورية، وهي نفس الملاحظة التي تفرض نفسها في ما يخص ارتفاع نسبة الأصوات الملغاة؛ أما الجانب الثالث فيتلخص في مستويات التمثيلية، ففي إطار الانتخابات التنافسية هناك اعتراف بالتمثيلية الديمقراطية فقط، هذه الأخيرة التي لا يفرزها إلا الاقتراع الحر والنزيه والشفاف. وتستمد مسألة طرح مستويات التمثيلية مشروعيتها من كون بعض الأنظمة السياسية تعتمد على نوعين من التمثيلية: تمثيلية دنيا وتمثيلية عليا، كما كرس ذلك الدستور المغربي السابق الذي كان فصله التاسع عشر يعتبر الملك هو الممثل الأسمى للأمة، بما يفيد تكريس تمثيلية عليا تسمو على تمثيلية نواب الأمة؛ غير أن الدستور الجديد، وهو دستور فاتح يوليوز 2011، حسم في الأمر ووضع حدا لازدواجية التمثيلية، حيث نص في فصله الثاني والأربعين على كون الملك هو رئيس الدولة وممثلها الأسمى، ولم ينص على كونه ممثلا أسمى للأمة في حين حدد مصدر تمثيلية الأمة في الاقتراع، حيث ورد في الفقرة الثانية من الفصل الثاني منه: «تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم»، كما نصت الفقرة الأولى من الفصل الحادي عشر من الدستور الجديد على أن «الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي». وتتمثل الوظيفة المباشرة الثانية للانتخابات في ترسيخ المشروعية الديمقراطية، حيث تتماهى الشرعية القانونية مع المشروعية السياسية، وهنا تصبح وظيفة النخبة السياسية الحاكمة بمقتضى تفويض الناخبين محددة في العمل بمقتضى الدستور الذي يحدد حقوقَ وواجباتِ كلِّ الفرقاء السياسيين. إن هذه الوظيفة الثانية تفيد أمرين أساسين: يتعلق الأمر الأول بكون المشروعية الديمقراطية، باعتبارها مشروعية عقلانية حسب تعبير ماكس فيبر، تروم وضع حد لأنماط من المشروعية لا علاقة لها بصناديق الاقتراع، كالمشروعية التقليدية التي تستند إلى التاريخ أو الدين والمشروعية الكارزمية. يرتبط الأمر الثاني بكون المشروعية الديمقراطية هي تلك التي ترتكز على انتخابات تجرى بشكل منتظم، بما يفيد ضرورة الرجوع بشكل منتظم إلى الناخبين حسب ما يحدده القانون، لتمكينهم من التعبير عن إرادتهم، سواء في اتجاه تجديد الثقة في النخبة السياسية الحاكمة أو في اتجاه إحلال نخبة سياسية جديدة محلها. تتجسد الوظيفة المباشرة الثالثة للانتخابات في تحديد حجم القوى السياسية المتنافسة؛ فمعلوم أن كل القوى السياسية تدعي تمثيلها لمصالح العديد من الفئات الاجتماعية، وبالتالي فإن الوسيلة الموضوعية الوحيدة لتحديد حجم هذه القوى السياسية وتمثيليتها تكمن في عملية الاقتراع. تفضي الوظيفة الثالثة إلى نتيجتين: أولاهما ذات صلة بإعطاء دلالة لثنائية الأغلبية والمعارضة من خلال تكريس ترتيب مقبول لمواقع القوى المتنافسة في الخريطة السياسية، وثانيتهما ذات ارتباط بإعادة تشكيل المشهد السياسي، حيث تعمل القوى السياسية المتصدرة لنتائج الانتخابات على بذل جهد لأجرأة برامجها الانتخابية لتتحول إلى سياسات عمومية، في حين تعمل القوى السياسية المنهزمة على إعادة النظر في اختياراتها، سواء تعلق الأمر بالمستوى السياسي أو بالمستوى التنظيمي.