في إطار مقتضيات الفصل 63 من الدستور ، صادق المجلس الوزاري المنعقد يوم 3/10/2011 ،على مشروع القانون التنظيمي رقم 11-28 المتعلق بمجلس المستشارين المكون من 99 مادة موزعة على اثنى عشر بابا، شأنه شأن مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب المكون هو الآخر من 99 مادة واثنى عشر بابا ، تحمل نفس العناوين وموزعة على نفس الفروع ما عدا الباب الثامن المتعلق بقواعد وضع المحاضر وإحصاء الأصوت المكون من تسع مواد دون توزيعها على فروع. ، خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة لنفس الباب من مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب رقم 11-27 الموزع على ثلاثة فروع. إذا كانت العديد من المقتضيات التي تضمنها مشروع القانون التنظيمي 11-28 لا تختلف في شكلها ولا في جوهرها عن ما سبق أن تضمنه القانون التنظيمي لمجلس المستشارين رقم 97-32 كما عدل وتمم ، فإن المقتضيات الجديدة التي حاول من خلالها المشروع تنزيل ما تضمنه الدستور الجديد للمملكة من إصلاحات، لا يمكن إلا أن تكون مثار نقاش من قبل جميع الفاعلين, سواء من حيث شكلها وصياغتها ومدى دستوريتها، فضلا عن ما يمكن أن يطرحه تطبيقها من إشكالات. ويتعلق الأمر بمقتضيات المادة الأولى المتعلقة بتركيبة مجلس المستشارين وتحديد الهيئة الناخبة والمادة 24 في الجانب المتعلق بعدم جواز تضمين لوائح المرشحين عن المأجورين لمترشحين اثنين من نفس الجنس ، والمادة 25 التي تشترط جمع 25% من توقيعات أعضاء الهيئة الناخبة لممثلي مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية التابعين لنفس الجهة بالنسبة للمرشحين اللامنتمين لأي حزب سياسي. المنظمات المهنية للمشغلين ... محاولة خلق هيئة ناخبة على المقاس إن من أهم المقتضيات التي تضمنها المشروع ، تنزيلا للفقرة الأولى من الفصل 63 من الدستور التي تحدد أعضاء مجلس المستشارين في 90 عضوا على الأقل و120 عضوا على الأكثر ، 5/3 الأعضاء منهم يمثلون الجماعات الترابية من بينهم 3/1 ينتخبه المجلس الجهوي على مستوى كل جهة، و5/2 الأعضاء تنتخبهم في كل جهة هيئات ناخبة تتألف من المنتخبين في الغرف المهنية وفي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية وأعضاء ينتخبون على الصعيد الوطني من طرف هيئة ناخبة مكونة من ممثلي المأجورين، ما تضمنته المادة الأولى من المشروع التي وزعت الأعضاء على الهيئات الناخبة الأربعة جهويا والهيئة الخامسة وطنيا. وبقطع النظر عن كون التوزيع الذي تضمنته المادة الأولى من شأنه أن يحول دون تمثيلية غرف مهنية بأكملها في مجلس المستشارين بالنظر الى أن عدد المقاعد المخصصة للغرف المهنية يتراوح بين مقعد واحد ومقعدين بالنسبة للجهات الستة عشر ، والحال أن الغرف المهنية هي ثلاثة غرف : الصناعة والتجارة والخدمات والفلاحة والصيد البحري التي تتكون من خمس غرف يمتد نفوذها لجهات مختلفة، فإن ما تضمنته تلك المادة في الجانب المتعلق بتخصيص 12 مقعدا لأرباب العمل الذين أطلق عليهم « المنتخبون في المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية» والذين حدد البند الثالث المقصود بهم والكيفيات التي تحددهم والجهة التي تتولى تحديد الهيئة الناخبة. وإذا كانت صياغة هذا البند تطرح إشكالا يتعلق بماهية القاعدة القانونية التي هي قاعدة مجردة تتولى تنظيم أوضاع قائمة ومحددة ، فإن تلك الصياغة تتولى تنظيم المحتمل والغير المؤكد ، فضلا عن عدم دستورية المسطرة المتبعة في تحديد لائحة المنظمات الأكثر تمثيلية وغموض معايير هذا التحديد وخضوعه للسلطة التقديرية ،فضلا عن الجهة التي تتولى تحديد لائحة الهيئة الناخبة للمنظمات المهنية للمشغلين. ذلك أن تحديد المنظمات الأكثر تمثيلية حسب مقتضيات البند الثالث ، وضع له معيار أن تؤسس بصفة قانونية وأن تشتغل طبقا للمبادئ الديمقراطية ولأنظمتها الأساسية ، وأن يكون مقرها بالجهة أو بإحدى الجهات المعنية أو تتوفر على تمثيلية بها طبقا لأنظمتها الأساسية ، على أن يؤخذ بعين الاعتبار لتحديد تلك المنظمات على عدد مناصب الشغل المصرح بها وكذا الرقم الاجمالي للمعاملات الذي حققه المنخرطون فيها على مستوى الجهة أو الجهات المعنية برسم السنة المحاسبية التي تسبق الإقتراع. إنه إذا كان المعيار الأول هو من باب تحصيل الحاصل لكون مقتضيات الفصلين 8 و 12 من الدستور تشترط أن تكون هياكل المنظمات النقابية للأجراء والغرف المهنية والمنظمات المهنية للمشغلين وتسييرها مطابقة للمبادئ الديمقراطية شأنها شأن الجمعيات والمنظمات غير الحكومية ، فإن معيار عدد مناصب الشغل المصرح بها والرقم الاجمالي للمعاملات ، يحول دون تنافس المنظمات المهنية ويترتب عنه تركيز غير مقبول من شأنه أن يؤدي الى المنظمة المهنية الوحيدة وهو شيء مناف لمبادئ المساواة أمام القانون، مما يتعين معه فتح المجال لمجموع المنظمات المهنية للمشغلين المؤسسة طبقا للقانون والتي تمثل أرباب العمل. ودون الحكم على النوايا ، فإن الوضعية الحالية التي يوجد عليها تنظيم أرباب العمل ، تفرز فقط الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب والفيدراليات القطاعية المنظمة له والتي يبلغ عدد 31 فيدرالية ، وتنظيماته الجهوية التي تبلغ لحد الأن 10 اتحادات جهوية لا يختلف توزيعها الجغرافي على التوزيع الذي تظمنته المادة الاولى من مشروع القانون 28-11 مما يجعل منه بحكم الواقع المنظمة المهنية الأكثر تمثيلية لكونه المنظمة الوحيدة التي تظم جميع ارباب العمل منذ ما يزيد عن نصف قرن. إلا أن مراجعة النظام الأساسي لمنظمة أرباب العمل ، وبالأخص الفصل الرابع منه يتبين ان تلك المنظمة تمنع اية مناقشة ذات طابع سياسي أو ديني كما تمنع اتخاذ أي موقف في هذا الإطار، علما بأن التمثيلية النيابة من وظائفها الأساسية التعبير عن المواقف السياسية واتخاذ القرارات السياسية والانضمام الى تكثل سياسي أو الانحياز اليه. مرسوم لكيفية تحديد عدد الناخبين ووالي الجهة يعد لائحة الناخبين والى جانب الغموض الذي يلف معيار المنظمة الأكثر تمثيلية، فإن تحديد لائحة المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية ، يتم بمرسوم يتخذ باقتراح من وزير الداخلية ، ويتضمن كيفية تحديد عدد الناخبين الذين يؤلفون الهيئة الناخبة التي يتولى والي الجهة إعداد لائحة الناخبين الذين يؤلفون الهيئة الناخبة، وهو ما يتعارض مع المبدأ العام من كون الحريات والحقوق الأساسية تعتبر من مجال القانون أي التشريع وتخرج بطبيعتها عن مجال السلطة التنظيمية التي تمارس بمقتضى مراسيم أو قرارات. ذلك أن حق التصويت وحق الترشيح حق دستوري لا يمكن أن يضع حدا لممارسته أو تحديد شروط ممارسته إلا بمقتضى القانون، والقانون وحده هو الذي يتولى تحديد من له هذا الحق أي تحديد الهيئة الناخبة والأهلية التي يتعين توفرها في من يمارسه. إن الهيئات الانتخابية الأربع ، ماعدا الهيئة المحدثة ، التي يتكون منها مجلس المستشارين ، كلها منظمة ، سواء من حيث الأهلية أو من حيث المخول لهم صفة ناخب أو من حيث الشروط التي يتعين استكمالها للتقييد في اللوائح الانتخابية، بمقتضى القانون ويكفي التذكير بمقتضيات الجزء الخامس من القسم الثالث من مدونة الانتخابات بالنسبة للغرف المهنية ، أو بمقتضيات القسم الثاني من الكتاب الثالث من مدونة الشغل ،أو الفصل 11 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية أو النظام الأساسي لمستخدمي المنشأت المنجمية. إن تخويل السلطة التنفيذية مهمة تحديد الهئية الناخبة , أي من له حق التصويت- وممارسته بمقتضى مرسوم ، إن كان يعتبر خرقا للفصل 71 من الدستور الذي يحدد مجال القانون ، فإنه يتعارض مع مبدأ توازي الشكليات مادامت كل الهيئات الانتخابية محدد بمقتضى القانون إلا هيئة المنظمات المهنية للمشغلين، وهو مقتضى يستوجب المراجعة. الإقحام القسري للنساء في لوائح المأجورين فقط إن مشروع القانون التنظيمي في محاولة لتنزيل مقتضيات الفصل 30 من الدستور التي تستوجب أن ينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية ، ضمن مقتضيات المادة 24 منه بمقتضى جديد يشترط أن لا تتضمن لائحة الترشيح الخاصة بفئة المأجورين التي حددت لها المادة الأولى 12 معقدا ، اسمين متتابعين لمترشحين من نفس الجنس ، أي ان تتضمن لائحة الترشيح 6 مرشحات و6 مرشحين. غير أنه إذا كانت تلك المقتضيات يمكن أن تعتبر متناسقة دستوريا مع مقتضيات الفصول 19 و30 من الدستور، التي تنص على تمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية و حق كل مواطن ومواطنة في التصويت والترشيح ، فإن تنزيل ذلك دستوريا يقتضي اتخاذ الاجراءات القانونية الموضوعية حسب معايير مضبوطة لتسهيل التمثيلية النسوية في مجلس المستشارين في افق المناصفة الحقيقية والدائمة. وهذا يقتضي أن تكون تلك المناصفة معممة على جميع الهيئات الناخبة التي يتكون منها مجلس المستشارين لا أن تقتصر بشكل تعسفي على لائحة المأجورين ، مادامت مقتضيات الفصل 63 من الدستور تحدد بشكل عام ومجرد ما ينبغي أن يبينه القانون التنظيمي لمجلس المستشارين.من تحديد لعدد أعضائه ونظام انتخابهم وعدد الأعضاء الذين تنتخبهم كل هيأة ناخبة وتوزيع المقاعد على الجهات وشروط القابلية للانتخاب وحالات التنافي وقواعد الحد من الجمع بين الانتدابات ونظام المنازعات الانتخابية ، دون تبعيض لتلك المقتضيات أو تخصيص هيأة ناخبة بمقتضيات تتعلق بالجنس دون باقي الهيئات. وعليه، فإن ما تضمنته الفقرة التاسعة من المادة 24 من مشروع القانون رقم 28.11 وبالشكل الذي صيغت به والاقتصار في ما تضمنته على مرشحي هيأة المأجورين دون باقي الهيئات التي يتكون منها مجلس المستشارين هي بكل المقاييس مقتضيات غير دستورية وتمس بمبدأ وحدة القاعدة القانونية وتحيد عن ما تتضمنه مقتضيات الفصل 63 من الدستور. لائحة التوقيعات أو الإقصاء القبلي من الانتخابات للامنتمين ينص الفصل 11 من الدستور على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، وينص الفصل 30 من الدستور أيضا على أن لكل مواطن ومواطنة الحق في التصويت وفي الترشح للانتخابات شرط بلوغ سن الرشد القانوني والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية، كما ينص الفصل 63 منه على أن أعضاء مجلس المستشارين ينتخبون بالاقتراع العام غير المباشر على أساس 5/3 الأعضاء منهم يمثلون الجماعات الترابية من بينهم 3/1 ينتخبه المجلس الجهوي على مستوى كل جهة، و5/2 الأعضاء تنتخبهم في كل جهة هيئات ناخبة تتألف من المنتخبين في الغرف المهنية وفي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية وأعضاء ينتخبون على الصعيد الوطني من طرف هيئة ناخبة مكونة من ممثلي المأجورين. وفي إطار تحديد شروط الترشيح بالنسبة للأشخاص الذين لا ينتمون الى حزب سياسي ، فقد اشترطت المادة 25 من مشروع القانون التنظيمي لمجلس المستشارين رقم 11-28 الإدلاء بوثيقة تتضمن بالنسبة للهيئة الناخبة لمجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية ، لائحة التوقيعات المصادق عليها لخمسة وعشرين في المائة 25% من أعضاء الهيئات الناخبة لممثلي مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية التابعين لنفس الجهة ولعشرين في المائة 20% بالنسبة للهيئة الناخبة لممثلي المنظمات المهنية للمشغلين. إن اشتراط الإدلاء بتوقيعات ربع أعضاء الهيئات الناخبة لممثلي مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية التابعين لنفس الجهة، وخمس أعضاء الهيئة الناخبة لممثلي المنظمات المهنية للمشغلين بالجهة، هو إقصاء عملي وقبلي لكل المرشحين غير المنتمين سياسيا، خصوصا وأن جل المقاعد المخصصة لتلك الهيئات الناخبة تتراوح ما بين مقعد وثلاثة مقاعد بالنسبة للمجالس الجهوية وبين مقعدين وخمسة مقاعد بالنسبة للمجالس الجماعية ومجالس العمالات والأقاليم وبين مقعد وثلاثة مقاعد لممثلي المنظمات المهنية للمشغلين.