تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - عمري 47 سنة، أنا حامل في الشهر الثاني. ما هي المشاكل التي قد أتعرض لها خلال مثل هذا الحمل وأثناء الولادة؟ وما هي المضاعفات المحتملة على صحتي وصحة جنيني؟ وهل من الضروري أن ألد بالقيصرية؟ وما هي المشاكل التي يطرحها الحمل المتأخر بعد 50 سنة عندما ينجم عن تبرع بالبويضات؟ نواصل اليوم حديثنا حول الأخطار المحتملة لتقدم سن المرأة الحامل على مسار الحمل. فنتطرق إلى المضاعفات المرتقبة خلال المخاض والولادة، وبعد ذلك إلى صحة الأم والجنين، ولعل الكل يتصور معي أن جسد الحامل يعد البيئة التي يحيى ويعيش فيها هذا الجنين. كما أن الكل يرى معي أنه كلما كبر جسد المرأة قليلا أو كثيرا كلما تراجعت جودة حملها. لكني لن أسير بكم في الشق الثاني من تأثيرات الحمل المتأخر على ظروف الولادة وسلامة الجنين دون توضيح أن ما سنتحدث عنه يبقى فقط مضاعفات محتملة الوقوع، نظرا إلى تواترها بكثرة في صفوف الحوامل المتقدمات في السن، بحكم ما تنطق به الدراسات المجمعة بعد مراقبة عينات من هؤلاء النساء، وبالتالي فإنها ليست حتمية التحقق حتى لا يفهم من كلامنا أننا ندعو إلى حظر الحمل بعد ال40 سنة، بل لا نروم سوى التوعية بمخاطر هذا الحمل الأربعيني لنحث المعنيات على توخي الحذر ومراقبة حملهن دون خوف أو رد فعل مبالغ فيهما. لكننا نلاحظ أيضا أن النساء تختلفن اختلافا كبيرا في تمثل هذا الحمل في هذه السن المتأخرة: فمنهن من تقبل عليه مكرهة متأففة حانقة بعد أن ورطها فيه سوء تقدير ألم بخطة منع الحمل لديها، فتسير فيه مكرهة لا بطلة، مرغمة لا راغبة، ومنهن من تستقبله بحفاوة وفرحة لا يوصفان بعد أن أعياها الانتظار وتسرب إلى قلبها اليأس، ومنهن من تراهن عليه متأخرة لأجل أنثى أو ذكر لا زال يعوزها. لكن لا يلبثن في النهاية، أيا كان موقفهن، تفاؤلا أو احتراسا، رجاء أو هلعا، أن يستوعبن حقيقة أنهن حوامل, ويتعين عليهن تدبير هذا الحمل الذي حل في نهاية عهد الخصوبة، فترتقبن ما ستسفر عنه رحلة الحمل هاته، هل ستكون بردا وسلاما؟ أم سيكون حملا صاخبا حافلا بالأحداث؟ فلقد رأيتم كيف أن الحمل المتأخر يتسبب في ارتفاع نسبة الإجهاض التلقائي ونسبة العيوب الصبغية لدى الجنين وها أنتم سترون أنه سبب أيضا لسكري الحمل وارتفاع الضغط الدموي وفي عيوب في تموقع المشيمة داخل الرحم ومعاناة المرأة جراء ذلك من مخاطر النزيف وفقر الدم. أمراض التقدم في السن: إن هناك إجماع حول شيوع عدد من الأمراض المزمنة السابقة على الحمل لدى النساء اللواتي عقدن العزم على الإنجاب بعد 40 : السكري، ارتفاع الضغط الدموي، الأورام الليفية، أمراض القلب وتصلب الشرايين، واختلالات الغدة الدرقية... الخ. السكري: تسجل أغلب الدراسات ارتفاع نسبة السكر في الحمل المتأخر. ولعل الأمور تشرع في التعقيد ابتداء من 35 سنة، حيث إن معدل السكر يمكن أن يرتفع انطلاقا من هذه السن لدى النساء الكثيرات الإنجاب، وخصوصا بعد 38 سنة. لكن بعض الأبحاث تؤكد أن احتمال سكري الحمل يرتفع بمجرد ما تنتظر المرأة حتى سن 35 سنة لتضع مولودها الأول. ومع ذلك، فإننا قد لا نستقر على رأي واحد بخصوص هذا الحمل الذي يجري في الوقت الضائع، فالعلماء يبرزون من خلال دراسات حديثة أن نسبة هذا السكري هي نفسها بعد 40 سنة، سواء كانت المرأة تنجب لأول مرة أو كانت تنجب للمرة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة. ويستنتجون، تبعا لذلك، أن عامل السن وليس عامل كثرة الولادات هو السبب الرئيسي للإصابة بسكري الحمل. وبالتالي، يمكن القول إن وطأة السن أشد كثيرا من وطأة عدم الاقتصاد في الإنجاب. ارتفاع ضغط الدم: تسجل أغلب الدراسات أن هناك ارتفاعا في أرقام الضغط بشكل منتظم في الحمل الذي يتم بعد 35 سنة، مع استثناء بسيط يتعلق بنجاة من يحملن لأول مرة بعد هذه السن من هذه الظاهرة, بل هناك من يرى أن نسبة شيوع ارتفاع ضغط الدم يناهز 15% بعد 40 سنة، سواء تعلق الأمر بنساء فقيرات أو بنساء المجتمع المخملي. النزيف: أغلب الأرقام تشي بارتفاع نسبة النزيف ونسبة المشيمة المنزاحة بعد 35 سنة، وهي مشيمة تستقر عند نهاية الحمل في أسفل الرحم فتسد عنق الرحم وتمنع الولادة الطبيعية، بل هناك دراسات حديثة تعلن أن نسبة المشيمة المنزاحة بعد 40 سنة تضاعف 8 مرات نسبتها لدى النساء اللواتي يحملن بين 20 و29 سنة. كذلك سيكون من المنطقي أن نقول إن نسبة الورم الدموي الخلفي للمشيمة ترتفع بارتفاع سن المرأة الحامل. وهذا الحادث قد يؤدي إلى موت الجنين والمرأة على حد سواء. عمليات قيصرية أكثر: ولعل أول المشاكل التي نصادفها عند بداية المخاض هي عيوب الجيئة، وتعني الوضع الذي يكون عليه الجنين حين تأهبه للخروج من رحم أمه، إذ نلاحظ انخفاضا في تقديم رأسه أولا عندما يجاوز سن الحامل 40 سنة، حيث لا تتعدى نسبة هذه الجيئة 82% مقابل 95% لدى الحوامل اللواتي يقل عمرهن عن تلك العتبة، مما يفسح المجال أمام الأوضاع المقلوبة، كأن يظل رأس الجنين شاخصا إلى الأعلى في قعر الرحم وتقديم رجليه أولا للخروج، أي ذلك الجنين الذي نصطلح عليه بالعامية بالفارسي. ولعل هذه المعطيات التي تشرح إلى حد ما لماذا تنتشر العمليات القيصرية بكثرة بعد الأربعين؟ لكن الحقيقة ليست هكذا بالضبط، فنسبة اللجوء للقيصرية ترتفع حسب أغلب الأبحاث ابتداء من 35 سنة ليس الا. وهذا الارتفاع يبدو أكثر وضوحا لدى من تنجبن لأول مرة، ربما بسبب صلابة الرحم عندهن مادام له لم يسبق له أن تدرب على الولادة في سن مناسبة، ومع ذلك لا يمكن تبرئة ساحة الأطباء من المبالغة في إجراء القيصرية لهؤلاء النساء. فنسبة كبيرة منهن تقرر في حقهن القيصرية هكذا فقط، ودون سبب واضح، وأحيانا حتى قبل الشروع في المخاض، ربما يكون السبب هو السن ولا شيء آخر غير عامل السن، ولكن مع ذلك فإننا نتفهم دواعي هذا التمييز "الإيجابي" الذي يجد تبريره في إشفاق الأطباء وعدم ثقتهم الكاملة في إمكانيات الولادة الطبيعية بعد 40 سنة. فوقوعهم في أسر هذا التوجس هو الذي يجعلهم يميلون أكثر للعملية القيصرية دون أن يعني كل هذا أن هذه الأخيرة تصبح واجبة بعد هذا السن. إن أقل علامة مرضية لدى الأم أو الجنين تجعل الأطباء يقررون، حتى دون وعي منهم، إجراء قيصرية لاستخلاص الطفل قبل الأوان، كما أنهم يقررون ذلك أيضا كلما باشروا الولادة لدى امرأة يفوق سنها 35 سنة أو 40 سنة ترتب حملها عن علاج طويل وشاق للعقم عندها. إن مثل هذا الحمل يعتبر حملا "ثمينا" أو فرصة ثمينة قد لا تتكرر، مما يجعل القيصرية في أعين الكثيرين مشروعة. كل هذه العناصر تجعلنا نفهم لماذا تقوم كل المعطيات بعد الأربعين بالتوجه بنا رأسا نحو القيصرية. ومع ذلك فإن نساء بلغن الكبر ولكن بطريقة طبيعية وبسلاسة، لكن المخاض يكون أطول ويتطلب تدخلا طبيا أكثر بالأدوية المحرضة على الوضع، كما أنه يستدعي أكثر الاستعانة بأدوات استخلاص الجنين كالملقاط.. الخ. وتشير الأرقام إلى أن نسبة النزيف الذي يعقب الولادة يرتفع لدى نساء، خصوصا إذا كن يلدن للمرة الأولى، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المضاعفات خلال النفاس. وهكذا نفهم لماذا تسجل أعلى نسبة من وفيات الأمهات في صفوف هذه الشريحة من النساء بسبب نزيف الخلاص وحوادث الأوعية الدموية، التعفنات وأمراض العضلة القلبية، مما يدعونا إلى تشديد المتابعة الطبية على الحوامل "المسنات"، خصوصا في الثلاثة أشهر الأخيرة للحمل وخلال الوضع لتفادي المشاكل. الأسئلة الأخرى للحمل المتأخر: يبدو من جوابنا أن الحمل ممكن بعد 40 سنة وممكن نظريا بعد 50 سنة إذا ضربنا صفحا عن قيمنا وقمنا بغض الطرف عن هويتنا ولذنا بتقنيات التبرع بالبويضات، ولكن هذا الحمل الذي يصفقون له هناك وقد يعتبرونه "فتحا عظيما" لا يلبث يطرح عدة مشاكل أخلاقية، فإذا افترضنا أنهم يدققون في اختيار المرشحات لتقنية التبرع بالبويضات فيتفادون كثيرا من المضاعفات سواء لدى الأم أو للجنين، فإن خطر اليتم لدى هؤلاء الأطفال جدي وحقيقي. فإذا تم الحمل في حدود 50 سنة قد يكون هناك متسع من الوقت لتربية هذا الطفل في كنف أمه "المزعومة" لكن بعد تلك السن، فإن هذا الطفل المولود قد يصبح يتيما في مرحلة المراهقة، كذلك فإن المعطيات النفسية لا تشجع على الإنجاب من أب مسن. فمن هو المراهق الذي يجرؤ أن يناقش أبوين يحتاجان للرعاية لا يطيقان النقاش؟ فلذلك عوضا أن يتعهداه يكون لزاما عليه أن يتعهدهما هو. هذا بالإضافة إلى الكلفة الغالية لهذه التقنيات. لكن المشكلة في العمق هي مشكلة المجتمع بأسره الذي سيقض مضجعه من الآن هذا السؤال: هل هناك سن أقصى للإنجاب؟ أو أن تطور تقنيات حفظ البويضات الذاتية سيسمح مستقبلا للمرأة أن تدفع وتدحرج كثيرا إلى الوراء سن الأمومة. وقد تدحرجه بشكل غير مسبوق، خصوصا أن هذه التقنية قد لا تكون مرفوضة من طرف ديننا الحنيف متى توفرت شروطها الشرعية؟ هل ستلحق المرأة بالرجل في هذا المجال أيضا فتصبح قادرة على الإنجاب مدى الحياة؟ ولو تحقق ذلك لها بدعم طبي وبترسانة من المختبرات وثلاجات لحفظ البويضات؟ هل ستختفي الفروق بين المرأة والرجل إلى هذا الحد؟ وهل ستكون الأنوثة في النهاية هي قربان كل هذا الطموح إلى المساواة بين الجنسين؟ أليست المساواة في هذا الجانب تلغي الاختلاف؟ المؤكد أن العلم إذا لم يلجمه الدين ولم تهذبه الأخلاق قد يصبح لعنة تهدم كل شيء بما في ذلك ذوق العيش وطبائع الأشياء. وأخيرا، إذا كانوا في الغرب قد أخذوا يتراجعون عن كثير من حماسهم في توليد نساء ما فوق 50 سنة بعدما خبروا التجربة ومشاكلها، فإننا نشكر الله تعالى أن وفر علينا ولوج هذه المتاهات، فليس كل ما يتوصل له العلم صالح للإنسان وليست كل مصلحة أو نزوة فردية مصلحة للمجتمع برمته. فالإسلام يروم مصلحة المجتمع أولا، ثم مصلحة الفرد ثانيا، لذلك فقد عرضنا الحقائق العلمية حول الحمل المتأخر كما هي، فمن أرادت أن تجربه فلا ضير عليها إن لم تتشاءم من كل تلك النسب والأرقام فهي تبقى دائما مجرد احتمالات كما أنها بالتأكيد لا تستطيع أن تفعل شيئا أمام مشيئة الله. إذ من المرجح جدا أن يكون حملها ضمن الفئة الناجية، وحتى تشبع المرأة السليمة خصوبتها يمكنها دائما أن تخوض معركة الإنجاب متأسية بقول الشاعر: وتمتع بالصبح ما دمت فيه لا تخف أن يزول حتى يزولا