تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - عمري 32 سنة. أنجبت مرتين، لكن في هذه المرة، شخص الطبيب لدي مشيمة في غير مكانها الطبيعي (Placenta preavia ) ويقول إن القيصرية ضرورية، كما أنه منعني من الحركة. ما هي أسباب هذه المشكلة؟ وما هي أعراضها ومخاطرها؟ وهل تستدعي دائما الولادة بالعملية القيصرية؟ تسمى الحالة التي تعانين منها بالعربية «المشيمة المنزاحة» أي المشيمة التي انزاحت وحادت عن مكانها الطبيعي، والمشيمة أو الخلاص كما ننعتها في عاميتنا هي عبارة عن عضو مؤقت يظهر خلال الحمل، هو بمثابة صلة وصل بين الحامل وجنينها يمده بالأوكسجين والمغذيات وكل أسباب الحياة، فهو الرئة التي يتنفس عبرها الجنين والخزان الذي يغرف منه كل ما يحتاجه لنمو أعضائه. عادة ما تستقر هذه المشيمة في قعر الرحم على دفته الأمامية أو الخلفية لكن عندما تتململ عن هذا الموقع تصبح مشيمة شاردة بلغة أهل كرة القدم. وهذه المشيمة الشاردة أو المنزاحة تنطوي على عدة أخطار سواء بالنسبة للجنين أو للأم، لكن الفحص بالصدى وتعميمه على كل الحوامل قد مكن أخيرا من ترويض هذا المرض وتحجيمه فأصبح بالإمكان استباق الأخطار قبل حدوثها. نقول إن المشيمة منزاحة عندما يتمركز جزء منها أو تتمركز كلها في الجزء الأسفل من الرحم ونميز في هذا الصدد بين 3 مواقف: المشيمة المنزاحة الجانبية: وذلك عندما يقف الحد الأسفل من المشيمة على بعد 3 سنتمترات فأكثر من الفتحة الداخلية لعنق الرحم. المشيمة المنزاحة الهامشية: وذلك عندما يصل الحد الأسفل للمشيمة إلى حدود الفتحة الداخلية لعنق الرحم لكنه لا يغطيها. المشيمة المنزاحة الكاملة أو المغطية: وذلك عندما تغطي المشيمة كل الفتحة الداخلية لعنق الرحم. إن هذا التصنيف حسب درجة الخطورة يمدكم ببعض معطيات الفيسيولوجيا المرضية في حالة المشيمة المنزاحة، فكلما اقتربت من عنق الرحم، كلما شكلت عائقا أمام خروج الجنين، حتى إذا ما غطت هذه الفتحة نهائيا شكلت سدا منيعا أمام خروجه، وكيف يخرج من عنق الرحم والمشيمة جاثمة رابضة هناك تمنعه من ذلك، بل كيف يمكن أن يستمر وضع المرأة والجنين سليما، وكلما ضغط هذا الجنين على المشيمة كلما تمزقت ونزفت دما يفرغ أوردة الجنين أولا ثم أوردة الأم ثانيا فيغدو بهما السير نحو الهلاك. ولكن مع ذلك فإن هذا التصنيف التشريحي ينبغي إغناؤه بتصنيف ايكوغرافي ناجم عن الفحص بالصدى، فالحدود بين فتحة عنق الرحم والمشيمة تتبدل خصوصا بين 28 و36 أسبوعا بسبب تضخم الجزء الأسفل من الرحم، لذلك لا يمكن الجزم بأن المشيمة منزاحة إلا في الشهر الأخير من الحمل. الأسباب لا يمكن أن نمدكن بنسبة حقيقية للمشيمة المنزاحة في صفوف الحوامل، نظرا لاختلاف معايير التصنيف بين الأطباء، ولكن يمكن القول إن المشيمة المنزاحة التي تعبر عن نفسها من خلال نزيف تمثل 0.3 % من مجموع حالات الحمل. وهناك عدة أسباب لهذا الوضع نذكر منها إمعان المرأة في الولادات، فكلما كثر إنجاب المرأة كلما تضاعف هذا الخطر 4 مرات، كذلك يتضاعف هذا الخطر مرتين عندما يبلغ يفوق سن الحامل 30 سنة، وتلعب ندوب الرحم دورا كبيرا في ظهور المشيمة المنزاحة كندبة العملية القيصرية وندبة استئصال الأورام الليفية وعلاج التصاقات الرحم. إذ غالبا ما تستقطب هذه الندوب المشيمة لتستقر فوقها، فهي تضاعف هذا الخطر مرتين. يمثل النزيف أهم عارض للمشيمة المنزاحة، فهو ناجم بالخصوص عن عدم تناغم في النمو بين الجزء الأسفل للرحم الذي يكبر بسرعة في الفصل الأخير للحمل وبين المشيمة التي تنمو ببطء بسرعتها المعتادة، فينجم عن كل هذا ضغط على الأوردة ثم تمزقها مما يسبب نزيفا لدى الأم بسبب عدم انقباض الأوردة التي تعبر الرحم أو نزيف لدى الجنين بسبب تمزق ثنايا المشيمة، والمشيمة عضو محسوب على الجنين. ينجم هذا النزيف أيضا عن تقلصات الرحم التي تكثر عند نهاية الحمل وفي بداية المخاض وأثناءه، مما يؤدي لتقطيع بعض أوردة هذه المشيمة التي ليست في موضعها الطبيعي مما يؤدي لتقلع المشيمة بشكل أو بآخر. تطرح المشيمة المنزاحة عدة مشاكل أثناء الوضع والحمل يصعب أحيانا اتخاذ قرار بشأنها إذ أن مصلحة الطفل ومصلحة الأم قد تتعارضان وتتنافران في بعض الحالات. بالنسبة للأم فإن النزيف قد يؤدي إلى هبوط الدورة الدموية الذي قد يؤدي بدوره إلى معاناة حادة لدى الجنين. وفي حالة نزيف مزمن تستهلك الأم في غفلة منها عوامل التخثر، مما قد يجعلها عاجزة عن إيقاف النزيف فيتفاقم أكثر وتلج هي حلقة مفرغة، هذا بالإضافة إلى مشاكل نقل الدم. وبالنسبة للجنين فانه معرض لخطر الولادة قبل الأوان، ولخطر المعاناة العصبية الحادة بسبب النزيف، كذلك تكون جيئته غير طبيعية كأن يتماثل مقلوبا للخروج من الرحم وقد يسبقه أحيانا الحبل السري، وكل هذا بسبب حياد المشيمة عن مكانها الطبيعي. اللوحة السريرية يمكن تشخيص المشيمة المنزاحة خارج كل مخاض من خلال معاينة نزيف في الفصل الثالث للحمل. يكون هذا النزيف تلقائيا دون انقباض عضلة الرحم، هناك عدة خصائص لهذا النزيف تمكن من تمييزه، منها أنه ينساب دون جهد ودون اتصال جنسي وهو عبارة عن دم احمر كميته قد تكون قليلة جدا وقد تكون كشلال هادر، لا يصاحبه ألم ويتكرر خلال الزمن. بالنسبة للآلام فهي نادرة إلا إذا صاحب المشيمة المنزاحة، ورم دموي خلف هذه المشيمة. في أغلب الأحيان لا تكون هناك علامات تنذر بالمشيمة المنزاحة لذلك يتم تشخيصها من خلال فحص روتيني بالصدى من المفروض أن تخضع له كل الحوامل دون استثناء. خلال المخاض تكون الأعراض أكثر وضوحا: نزيف خلال الوضع وتسارع دقات قلب الجنين وقلب الأم، هبوط ضغط الدم عند الأم وشحوب وجهها. في مثل هذه الحالات ينبغي إجراء فحص بالصدى وتفادي اللمسة المهبلية ما أمكن، وفي حالة انجازها بحذر كبير لا نلمس رأس الطفل أو جيئته بل نلمس المشيمة وهي تسد جزئيا أو كليا مجرى عنق الرحم، تتميز هذه المشيمة عند لمسها برخاوتها وهشاشتها كأننا نضع يدنا على لحاف سرير ناعم. الفحص بالصدى يمثل الفحص بالصدى مفتاح التشخيص، فهو يمكن من تحديد موقع الطرف الأسفل للمشيمة وفتحة عنق الرحم وطبيعة الحدود بينهما فبعد أن نملأ مثانة المرأة نحاول أن نرى موقع المشيمة ونقوم بتصنيف درجة الانزياح حيث هناك أربع مراتب متفاوتة الخطورة . ولكننا نميل اليوم إلى حساب المسافة بين عنق الرحم والمشيمة فإذا جاوزت 3 سنتيمترات كان خطر النزيف منعدما أو يسيرا أما إذا لم تتعد هذه العتبة، فان خطر النزيف يكون قائما. هناك عدة مواقف قد تكون مبعث لبس أثناء التشخيص كحالة النزيف داخل المثانة والنزيف الآتي من المهبل نتيجة تعفنات أو جروح أو أورام والنزيف المترتب عن وجود ورم دموي خلف المشيمة، لكن تزامن المرضين ممكن جدا، وأخيرا النزيف المترتب عن تمزق الرحم بسبب حمله لندبة جراحية. العلاج يختلف تبعا للأعراض وحدة النزيف، ولسن الجنين، والوزن المفترض لهذا الجنين، فإن كانت المشيمة المنزاحة صامتة وتم رصدها بالصدى، فقط ينبغي توخي الحذر وتكرار الفحص بالصدى للتيقن من سلامة الحمل، فإذا جاوزت المسافة الفاصلة بين المشيمة وعنق الرحم 3 سم كان خطر النزيف ضعيفا وإمكانية هجرة المشيمة نحو الأعلى ممكنة جدا إلى حدود بداية الشهر التاسع ثم انتظار الوضع وتدبيره بأقل الخسائر مع تفضيل الولادة الطبيعية. أما إذا كانت المسافة أقل من 3 سم، تفرض الراحة على الحامل وتمنع من الاتصال الجنسي وتعطى بعض الأدوية القشرية لحماية الجنين من مضاعفات الولادة قبل الأوان وتتم استشارة طبيب التخدير لأن القيصرية تكون ممكنة جدا. أما إذا كانت المشيمة تغطي كل عنق الرحم، فالولادة الطبيعية مستحيلة لأن المشيمة تسد طريق الخروج على الجنين، لكن ينبغي انتظار أوان الوضع ما أمكن ذلك. قبل 34 أسبوعا ترتاح المرأة بمنزلها بعد أن يتم إسداء جميع المعلومات لها وتنبيهها لضرورة الاتصال والتوجه للمستشفى إذا جد طارئ، أما بعد 34 أسبوعا فيتم إدخالها المستشفى تحسبا لأية مضاعفات ثم ننتظر الأسبوع 37 أو 38 لإجراء القيصرية التي ينبغي إنجازها بسرعة نظرا لكثرة النزيف. فالطبيب قد يحتاج إلى اختراق المشيمة بيده قبل أن ينفذ للجنين ويستخلصه خلافا لما يحدث في القيصرية العادية. أما في حالة ما إذا كانت المشيمة تضج بالأعراض وكان النزيف ينطوي على خطورة بالغة فحياة الأم أولى بالإنقاذ، لذلك لا نعطي أي اعتبار لسن الجنين ولا نسأل إن كان قادرا على العيش خارج الرحم أم لا بل نبادر لإنجاز الولادة عبر المسالك الطبيعية، فإن تعذر ذلك بسرعة متناهية نظرا لخطر النزيف لا يكون هناك مناص من القيصرية. البروفيسور خالد فتحي [email protected]