تحول حرم المؤسسات التعليمية، وخصوصا الثانويات الإعدادية والتأهيلية منها إلى ما يشبه ساحات عرض الأزياء و«الأكسسوارات»، حيث يتفنن التلاميذ والتلميذات في إبرازها للتباهي والتنافس في ما بينهم وكذا لإيصال رسائل مشفرة إلى الأطر الإدارية والتربوية، تلمح إلى مستوياتهم الطبقية المختلفة.. استفحلت ظواهر غريبة وشاذة من بعض التلاميذ، الذين بدؤوا يبدعون في طرق حلقهم للشعر وفي اقتناء محافظهم ومستلزماتهم التربوية والرياضية.. ولم تتمكن العديد من المؤسسات من توحيد الزي المدرسي أو حتى فرض ارتداء «الوزرة» أو تطبيق المذكرات الوزارية التي تمنع ولوج الهواتف المحمولة والأجهزة السمعية إلى حرم المؤسسات التربوية. فقد عجزت الوزارة السابقة عن فرض الزي المدرسي الموحد داخل كل المؤسسات التعليمية، رغم مبادرتها إلى اقتناء الآلاف من البذلات وتوزيعها مجانا على أبناء وبنات بعض الأسر المعوزة.. ورغم إصدارها المذكرة الوزارية رقم 93 بتاريخ 19 يونيو 2009، والتي تنص على إجبارية الزي المدرسي الموحد.. وبعد رفض مجموعة من الآباء فكرة اقتناء ألبسة موحدة لأبنائهم وبناتهم، لأسباب مادية أو بسبب ندرة الأقمشة المختارة والمضاربات التجارية.. ينتظر المتتبعون لسير قطاع التعليم، «الغارق» في بحر المشاكل والمتاهات، ما ستبادر إليه الحكومة الجديدة، المحافظة، من أجل تغيير وجه المؤسسات التعليمية الداخلي وما سيقره السفير الاستقلالي السابق، وزير التعليم الجديد، بشأن إشكالية الزي الموحد وإلزامية «الوزرة» (الطابلية) التي نادرا ما يرتديها التلاميذ والتلميذات. مظاهر مخلة بالحياء يعاني المدرّسون والأطر الإدارية يوميا من مظاهر مخلة بالتقاليد المغربية وبالحياء، «أبطالها» تلاميذ منشغلون باستعراض الألبسة التباهي والإثارة داخل ساحات وفصول المؤسسات التعليمية، وتلميذات يتسللن داخل المؤسسات بدون «طابليات» وبألبسة مخلة بالحياء.. بعضهن حوّلن ساحات المؤسسات التعليمية إلى فضاءات التحرش الجنسي وتحول محيط المؤسسات التعليمية، وخصوصا الثانويات الإعدادية والتأهيلية منها، إلى «كورنيش» للشباب الغرباء، الذين باتوا ينتظرون بسياراتهم ودراجاتهم النارية خروج التلميذات في فترات الظهر والمساء للتحرش بهن أمام أعين المدرّسين والمُدرّسات. بل إن بعض الثانويات أصبحت ساحاتها امتدادا للشارع والحدائق المجاورة لها، بسبب ضيق تلك الساحات، التي تكتظ بالتلاميذ والتلميذات خلال فترتي الاستراحة عند العاشرة صباحا والرابعة زوالا، وهي فترة مدتها 15 دقيقة، يتمكن خلالها بعض المنحرفين والمنحرفات من التلاميذ من الخروج إلى خارج المؤسسات التعليمية والتجوال في محيطها، حيث ينتظروهم شباب غرباء وحيث شبكات بيع المخدرات والأقراص المهلوسة ووسطاء الدعارة.. وكشفت العديد من الأطر التربوية ل»المساء» أن مجموعة من الأكشاك والمحلات التجارية المقابلة لبعض الثانويات أضافت إلى لائحة تجارتها الوساطة في الدعارة وبيع السجائر والمخدرات، ومنهم من ذهب إلى حد بيع كؤوس الخمر.. الزي الموحد يساعد في فرز التلاميذ عن الغرباء اعتبر المدرسون أن الزي الموحد يُمكّن من التعرف على التلاميذ وتمييزهم عن الغرباء ويساعد عناصر الأمن الوطني في عملية فرز الدخلاء، الذين يقضون النهار في التجوال في محيط المؤسسات التعليمية. كما يجعل التلاميذ مراقبين حتى خارج المؤسسات التعليمية وأثناء تنقلهم بين منازلهم ومؤسساتهم التعليمية. بل إن العديد من المدرسين أكدوا أنهم يجدون حرجا كبيرا في مخاطبة بعض التلميذات داخل الفصول الدراسية، بالنظر إلى طريقة لباسهن وجلوسهن و»ماكياجهن».. وأكد المدرسون المنزعجون من تصرفات بعض التلميذات أن كل تلميذة ولجت الفصل بدون «وزرة» يتم تنبيهها أو إحالتها على الحراسة العامة، لكن تجاوزاتهن تستمر دون انقطاع وتحت مبررات واهية، من قبيل «فقت في الصباح ونسيتها» أو «توسخات وحطيتها تتصبن».. علما أن مجموعة منهن تخرجن من منازلهن لابسات «الطابليات»، لكنْ ما إن يبتعدن عن منازلهن حتى يقمن بإخفائها داخل محافظهن، لتظهرن بمظاهر فتيات الشوارع.. كما أن المدرسين يجدون صعوبة في ردعهن عن انحرافهن، بحكم أن طردهن من حضور الحصص الدراسية سيحرمهن من التحصيل وسيقودهن إلى الرسوب وربما إلى الطرد، وهو ما سيجعلهن يحترفن الفساد والانحراف الأخلاقي.
الزي الموحد لتكافؤ الفرص
عاد الجدل داخل المؤسسات التعليمية حول الهندام المدرسي المفروض ارتداؤه من طرف التلاميذ والأطر الإدارية والتربوية، حفاظا على حرمة تلك المؤسسات ووظيفتها التربوية الصرفة، والمبنية أساسا على تكافؤ الفرص والتصنيف الأدبي والعلمي والمهاراتي.. واختلف العديد من الفاعلين والمهتمين بمجال التربية والتعليم حول نوعية الزي المدرسي «المحترم» والذي لا يتعارض مع إمكانيات الأسر المادية وتقاليدهم ويعوض التلاميذ عن الملابس العادية، سواء في مواجهة التغيرات الطبيعية أو في تأدية واجباتهم المدرسية وفق الشعب والمناهج المختارة. فبينما عدد البعض مزايا الزي المدرسي الكامل، الذي «يزيل الفوارق الطبقية ويحد من مظاهر التباهي والإخلال بالحياء من طرف التلاميذ، يرى البعض الآخر صعوبة تعميم العمل بالزي الموحد داخل كل المؤسسات التعليمية، بسبب الإمكانيات المادية للأسر، مبرزين أن على كل أسرة شراء أربعة بذلات مدرسية على الأقل (اثنتان خلال الأيام الممطرة والباردة واثنتان للأجواء الدافئة والحارة)، وأن الوزارة حين فرضت الزي الموحد في بداية الموسم الدراسي (2009 -2010) بادرت إلى توزيع بذلتين فقط على كل تلميذ من أبناء الأسر المعوزة، وهي غير كافية. استفادة 680 ألف تلميذ في بداية الموسم الدراسي الجاري حسب بلاغ للوزارة السابقة، عُمِّم في بداية الموسم الدراسي الجاري، فإنه تم رصد 102 مليون درهم لاقتناء الزي المدرسي الموحد ل680 ألف تلميذ، علما أن عدد تلاميذ التعليم المدرسي العمومي والخاص بلغ في السنة الجارية ستة ملايين و593 ألفا و194 تلميذا وتلميذة، موزعين على 9995 مؤسسة تعليمية ابتدائية وثانوية إعدادية وتأهيلية. ويتوزع عدد المتمدرسين حسب المستويات التعليمية، ما بين أربعة ملايين و91 ألفا و632 مسجلا في التعليم الابتدائي (من بينهم مليونان و12 ألفا و615 متمدرسا في الوسط القروي) ومليون و541 ألفا و403 في التعليم الثانوي -الإعدادي (من بينهم 426 ألفا و74 تلميذا في العالم القروي) و960 ألفا و159 ممدرسا في التعليم الثانوي التأهيلي (من بينهم 105 آلاف و164 متمدرسا في الوسط القروي)، ما يعني أن العملية لم تشمل سوى نسبة صغيرة من مجموع التلاميذ، وخصوصا أبناء وبنات الأسر المعوزة. وكانت لطيفة العابدة، كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي، قد أصدرت المذكرة الوزارية رقم 93 بتاريخ 19 يونيو 2009، التي تلزم ارتداء الزي المدرسي الموحد داخل المؤسسات التعليمية، وأعطت انطلاقة العملية التي حملت اسم «زيُّنا 2009»، في مدينة الدارالبيضاء، حيث شملت 35 ألف تلميذ وتلميذة كمرحلة أولى، ينتمون إلى 71 مدرسة ابتدائية، استفادوا من بذلتين مدرسيتين، علما أن الزي الموحد ليس وليد اليوم، بل سبق أن عملت به بعض المؤسسات التعليمية في فترة الاستعمار، إذ بادرت الحركة الوطنية إلى تعميم اللباس المدرسي، بغية توحيد الرؤى والأهداف، والتي كانت حينذاك تصب كلها في اتجاه تحرير الوطن، ولم تكن حينها المبادرة وزارية ولا إلزامية، ولم تكن الإمكانيات المادية لدى معظم الأسر تسمح بتوفير الزي الموحد.