«إذا وجدت حاجة إلى القضاء على قدرة إيران الذرية، فسنبذل كل الجهود كي لا يصاب مدنيون». أهذا تصريح آخر من وزير الدفاع إيهود باراك؟ أهذا اقتباس من كلام بنيامين نتنياهو في اللقاء الشخصي مع رئيس الولاياتالمتحدة براك أوباما؟ إن هذا الكلام قاله في 2003 وزير الدفاع آنذاك، شاؤول موفاز، في مقابلة مع «صوت إسرائيل» باللغة الفارسية. وحذره نظيره الإيراني آنذاك في رده عليه من أنه إذا هاجمت إسرائيل إيران فسترد هذه بصاروخ «شهاب»، وهو صاروخ تم تطويره ليرد على هجوم إسرائيلي للصواريخ «يريحو». بعد ذلك بثلاث سنوات، سافر كبار مسؤولي وزارة الدفاع إلى الولاياتالمتحدة ليتفحصوا طائرة الشبح من طراز إف 35. وقبل نحو من سنة ونصف، أجاز باراك صفقة بكلفة خيالية لشراء الطائرة المتطورة التي «ربما تمنحنا تفوقا كبيرا على إيران أيضا»، كما قال. يبدو أن طائرات إف 35 الأولى ستصل في 2016 إن لم نقل 2018. وذريعة شرائها المشروعُ الذري الإيراني، فلماذا تحدث موفاز قبل سنوات عن هجوم محتمل على إيران من غير هذه الطائرات؟ وما الذي يقوله هذا عن قدرة إسرائيل على الهجوم اليوم وعن الجدية التي يجب أن نتناول بها تصريحات كبار مسؤولي الحكومة عن تلك القدرة؟ يُبين كلام موفاز أن إسرائيل كانت قبل نحو من عشر سنين على شفا العزم والاستعداد للهجوم. فلماذا ترددت آنذاك؟ ألم يكن التهديد الإيراني ذا شأن في تلك الأيام؟ ألم يقل مئير دغان في 2003، الذي كان رئيس الموساد آنذاك، في تقرير إلى لجنة الخارجية والأمن، إن «الذرة الإيرانية هي أكبر خطر على دولة إسرائيل منذ أُنشئت»؟ كان رئيس إيران آنذاك محمد خاتمي لا محمود أحمدي نجاد. وحسب تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي نشر في 2007، استقر رأي خاتمي على وقف البرنامج الذري في خريف 2003، أي أنه حينما هدد موفاز بالهجوم وحدد دغان الخطر العظيم كان يفترض أن يعلما باستقرار رأي الإدارة الإيرانية على وقف البرنامج الذري. هل علما ولم يستصوبا تسكين جأش الجمهور أم لم يعلما بذلك؟ لو علما لجاز لنا أن نتساءل: هل يعلم وزير الدفاع اليوم ورئيس الموساد اليوم أكثر أم يعلمان على الأقل كل ما هو مطلوب لتسويغ الهجوم ومنه أهداف الهجوم؟ يحدثوننا منذ أكثر من عشر سنين عن مدى إصابة صواريخ شهاب الإيرانية. وتشير دوائر ملونة إلى الأماكن التي يمكن أن تسقط فيها هذه الصواريخ، ويشير لهب أحمر إلى مبلغ الضرر الذي قد تحدثه. حسب وثائق «ويكيليكس»، أوضح رئيس الأركان السابق غابي أشكنازي لأعضاء وفد مجلس النواب الأمريكي أنه كان لإيران في سنة 2008 نحو من 300 صاروخ «شهاب 3»، يستطيع كل واحد منها حمل 500 كلغ إلى 750 كلغ من المواد المتفجرة وأن يصيب كل موقع في إسرائيل. إذا تذكرنا ما الذي فعلته بغزة قنبلة وزنها طن وإذا افترضنا أن إيران زادت في السنين الخمس الأخيرة احتياطيها من الصواريخ، أمكن أن نُجري حسابا بسيطا ونفهم كم من القتلى سيكونون نتيجة رد إيراني على هجوم إسرائيلي. لكن من العجب أن الخطوط البيانية الملونة اختفت فجأة. متى أطلعنا شخص ما على مدى صاروخ شهاب؟ وما الذي نعلمه عن سعة إصابة هذه الصواريخ؟ لماذا أخافونا آنذاك إذا لم تكن خطيرة حقا إلى درجة أن تقدير وقوع 500 ضحية هو مبالغة؟ أهذه خدعة أيضا؟ نجحوا على نحو ما في أن يغرسوا فينا الشعور بأن الهجوم على إيران سيكون نزهة سنوية بحيث «نُنهي ونمضي»، ويقنعوننا بأننا نستطيع أن نهاجم وحدنا حتى من غير طائرات إف 35، وبأنه سيُقتل أقل من 500 مواطن، وبأن صواريخ شهاب هي في الحاصل العام لعبة وأنهم إذا كانوا أخافونا ذات مرة فقد كان ذلك عبثا. ربما يجب بدل أن يطلبوا منا أن نؤمن مرة أخرى بأننا نعلم كل شيء وبأننا قادرون على كل شيء، أن نستفتي الشعب في نية مهاجمة إيران، وسنُفاجأ بعدُ برؤية كم يستطيع تناول الخدع شحذ الفهم.