انتقد مسؤولون قضائيون وفاعلون قانونيون وحقوقيون استمرار «هيمنة» وزارة العدل على السلطة القضائية في عهد الدستور الجديد، في ندوة دولية غاب عنها مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، ولم يحضرها بشكل رسمي أي ممثل عن الوزارة. ولم يتردد محمد علمي مشيشي، وزير عدل سابق وأستاذ جامعي، في انتقاد ما أسماه «استمرار هيمنة وزارة العدل على القضاء، رغم ارتقاء الدستور الجديد بهذا الجهاز إلى مرتبة السلطة». وقال مشيشي، نقلا عن ورقة أعدّها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يترأسه إدريس اليزمي، عن «إصلاح السلطة القضائية في إطار الدستور الجديد»، إن «هيمنة وزارة العدل على مسلسل اختيار القضاة وتوظيفهم وتكوينهم وتعيينهم وترقيتهم وتأديبهم تمثل تهديدا دائما لاستقلال القضاء، وهذه الهيمنة تُمارَس أيضا في المجلس الأعلى للقضاء وتشكيله وتسييره واستقلاليته، سواء على المستوى المؤسساتي أو الإداري أو المالي»، ودعا إلى «وضع حد لهذه الهيمنة وجعل المجلس الأعلى للسلطة القضائية سلطة مساوية وموازية للسلطة التنفيذية والتشريعية». وفي المقابل، اعترف محمد سعيد بناني، مدير المعهد العالي للقضاء، بما أسماه «التأثير الزائد للسلطة التنفيذية على القضاة»، لكنه أكد أن «الواقع العملي في المغرب يفرض إقرار التوازن وترسيخ التعاون بين السلطة القضائية وبقية السلط، في أفق تكريس مبدأ استقلالية السلطة القضائية». وطالب المشاركون في الندوة ذاتها، التي عرفت مشاركة وفود من فرنسا وسويسرا وإسبانيا، بضرورة رفع يد وزارة العدل عن تدبير شؤون القضاة على جميع المستويات، بما في ذلك التعيين والترقية والتأديب. ووصف المجلس الوطني لحقوق الإنسان ظروف القضاة في المغرب ب»غير المأمونة»، في ظل غياب نظام أساسي متطابق مع المعايير الدولية الجاري بها العمل في مجال ضمان استقلالية القضاء، خصوصا أن «الدستور الجديد حافظ على رقابة وزير العدل على مكتب الوكيل، وهو ما من شأنه أن يؤثر على حسن سير العدالة وحيادها». كما وُجِّهت انتقادات لمقتضيات الدستور الجديد، المتعلقة بالسلطة القضائية، ولاسيما الفصل ال108، الذي «لم يَستثنِ، وفق ورقة المجلس الوطني لحقوق الإنسان سالفة الذكر، من التنقيل بمقتضى القانون، سوى قضاة الأحكام، مما يخلق وضعية غير مريحة لقضاة النيابة العامة، الذين يجب عليهم تطبيق القانون والالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها». وإلى جانب الدعوة إلى سحب تدبير شؤون القضاة من أيدي وزارة العدل، طالب مشيشي، أيضا، بمراجعة معايير انتقاء القضاة وشدد على ضرورة أن «يتمتع الراغبون في ولوج سلك القضاء بتكوين قانوني مناسب وأن يتم تعضيده بتكوين مكمل وبتداريب في المحاكم وكذلك في السجون، ليعرف القضاة حقيقة المؤسسالت السجنية»، إضافة إلى «تحديد سن أدنى للقاضي المبتدئ، بدعوى أن مجتمعنا لا يتقبل أن يفصل الشباب في أمور الشيوخ وأن تقلص سنوات الترقية». وعلى المستوى التنظيمي، شدد وزير العدل سابقا على ضرورة الفصل في محاكم المملكة بين الشؤون القضائية وبين الأمور الإدارية، «حتى لا يجد القضاة أنفسهم تحت سلطة رؤساء المحاكم».