"لن أذهب إلى كانوسا" .. بنطلحة يفضح تناقضات الخطاب الرسمي الجزائري    كأس العرش: الاتحاد الإسلامي الوجدي إلى ربع النهائي بعد انتصاره على الرجاء البيضاوي    "الأشبال" ينهون التحضير للقاء تنزانيا    توقيف أربعيني بطنجة روج بمواقع التواصل لعمليات وهمية لاختطاف فتيات    أمن طنجة يفند أخبار اختطاف فتيات    منظمات حقوقية تدين تهميش المهاجرين المغاربة في مليلية المحتلة    الرابطة الإفريقية لكرة السلة (مؤتمر كالاهاري).. الفتح الرباطي ينهزم أمام الاتحاد الإسكندري (71-60)    حركة حماس تشيد بموقف المهندسة المغربية ابتهال أبو سعد واصفة إياه ب"الشجاع والبطولي"    باريس سان جرمان يحرز بطولة فرنسا    كأس العرش: الضربات الترجيحية تهدي التأهل لأولمبيك آسفي إلى ربع النهائي على حساب شباب السوالم    حماس تشيد بموقف الموظفة المغربية ابتهال أبو السعد لفضحها تواطؤ "مايكروسوفت" مع آلة الحرب الإسرائيلية    طنجة تتصدر مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية.. وهذه توقعات الأحد    طنجة .. وفد شبابي إماراتي يطلع على تجربة المغرب في تدبير قطاعي الثقافة والشباب    برشلونة يسقط في فخ التعادل أمام ريال بيتيس    المغرب يرسخ مكانته كحليف تاريخي و إستراتيجي في مواجهة سياسة ترامب التجارية    هذا ما يتوقعه المغاربة من المعطي منجب؟    فرنسا: خسائر ب15 مليار دولار بسبب التعريفات الجمركية الأمريكية    جهة الداخلة وادي الذهب تستعرض تجربتها التنموية في المنتدى العالمي السادس للتنمية الاقتصادية المحلية    الدار البيضاء تستحضر ذكرى 7 أبريل 1947.. محطة مشرقة في مسار الكفاح الوطني والمقاومة    تحالف استراتيجي بين الموريتانية للطيران والخطوط الملكية المغربية يعزز الربط الجوي ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون الإفريقي    العودة إلى الساعة الإضافية وسط رفض واستياء واسع بين المغاربة    الفكر والعقل… حين يغيب السؤال عن العقل المغربي في الغربة قراءة فلسفية في واقع الجالية المغربية بإسبانيا    الأسرة الكروية المغربية تودّع محسن بوهلال بكثير من الحزن والأسى    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    إقليم شفشاون.. أربعيني يُنهي حياته في ظروف غامضة    العثور على جثة اربعيني تطفو فوق مياه بحيرة مارتشيكا بالناظور    فيديو يوثق استهداف إسرائيل لمسعفين    أداء أسبوعي خاسر ببورصة البيضاء    رحلة ترفيهية في القطب الجنوبي تقيل نائب الرئيس الإيراني    انطلاق الدورة الربيعية لموسم أصيلة الثقافي الدولي بمشاركة فنانين من سبع دول    الفئران قادرة على استخدام مبادئ الإسعافات الأولية للإنعاش    كلميم.. القضاء يدين عدة مسؤولين بينهم رئيس الجماعة بالسجن النافذ في قضية تبديد واختلاس أموال عمومية    دعوات للمشاركة المكثفة في مسيرة "الرباط الوطنية" للتنديد بالمحرقة المرتكبة في غزة    سفير جمهورية السلفادور: المملكة المغربية تعد "أفضل" بوابة للولوج إلى إفريقيا    عرض مناخ الأعمال وفرص الاستثمار في المغرب خلال ملتقى بباريس    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع انتشار الوسطاء والشناقة داخل الأسواق    حصيلة الزلزال في بورما تتجاوز 3300 قتيل    الركاني: من يدعم فلسطين توجه له تهم جاهزة وعواقب وخيمة ستلاحق كل من تواطئ لجعل غزة مسرحا للجريمة    شركة "رايان إير" تُسلّط الضوء على جوهرة الصحراء المغربية: الداخلة تتألق في خريطة السياحة العالمية    وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية: النظام التجاري العالمي يدخل مرحلة حرجة مع فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية جديدة    'مجموعة أكديطال': أداء قوي خلال سنة 2024 وآفاق طموحة    في قلب باريس.. ساحة سان ميشيل الشهيرة تعيش على إيقاع فعاليات "الأيام الثقافية المغربية"    "نفس الله" عمل روائي لعبد السلام بوطيب، رحلة عميقة في متاهات الذاكرة والنسيان    ماذا بعد استقبال مجلس الشيوخ الفرنسي لحكومة جمهورية القبائل؟    بحضور عائلتها.. دنيا بطمة تعانق جمهورها في سهرة "العودة" بالدار البيضاء    مولر يعلن الرحيل عن بايرن ميونيخ    الوزيرة السغروشني تسلط الضوء على أهمية الذكاء الاصطناعي في تعزيز مكانة إفريقيا في العالم الرقمي (صور)    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    المغرب فرنسا.. 3    تكريم المغرب في المؤتمر الأوروبي لطب الأشعة.. فخر لأفريقيا والعالم العربي    دراسة: الفن الجماعي يعالج الاكتئاب والقلق لدى كبار السن    دراسة: استخدام المضادات الحيوية في تربية المواشي قد يزيد بنسبة 3% خلال 20 عاما (دراسة)    خبراء الصحة ينفون وجود متحور جديد لفيروس "بوحمرون" في المغرب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أخبار الحمقى والمغفلين»
نشر في المساء يوم 19 - 10 - 2008

لم تكد تمر عشرون يوما على الحادثة التي يتابع فيها ابن والي كلميم بتهمة القتل الخطأ والسكر العلني والإفطار في رمضان، بعد اتهامه بصدم رجل شرطة وقتل مواطن، ها نحن نرى قبل أمس كيف أن شابا لم يتجاوز عمره ستة وعشرين عاما يجرجر فوق مقدمة سيارته شرطي مرور لأكثر من كيلومتر بعد أن حاول إيقافه بدون فائدة.
وإلى حدود الساعة لا نعرف ما إذا كان والد الشاب قد أدلى للشرطة بملف طبي يثبت إصابة ابنه بمرض «الاكتئاب الحاد» أو «الكورساكوف» أو «الكلاشنكوف». كما لا نعرف ما إذا تحولت «كانيطات» البيرة التي كانت في سيارته إلى «كانيطات» لبيرة حلال.
وقبل هذه «التجرجيرة»، تعرض رجلا شرطة في مراكش قبل أسبوع لوابل من الشتائم من طرف أبناء أحد الأثرياء لمجرد أن هذا الأخير مر «طائرا» بسيارته من أمام الشرطة، فصفر عليه أحدهم لكي يتوقف. لكن السائق واصل طيرانه وذهب لكي يوصل الفتيات اللواتي كن معه في السيارة، قبل أن يعود للبوليسيين ويشبعهما شتما وسبا. ولكي يختم مداخلته الشامتة قال لهما «غادي ندير لدين مكم مدار ليكم اليعقوبي».
وهنا اعتقله الشرطيان وسلماه للدائرة السادسة حيث مكث أربعة وعشرين ساعة رهن اعتقال من فئة خمس نجوم. وعندما عرض أمام وكيل الملك قرر هذا الأخير إطلاق سراحه وعدم متابعته لا بتهمة إهانة رجال الأمن ولا بتهمة السياقة في حالة سكر ولا بتهمة السرعة غير القانونية. ويبدو والله أعلم أن أحدا من عائلته تطوع ربما وأقنع القضاء بعدم متابعة الولد بسبب حالته النفسية الصعبة.
فأبناء الأثرياء والذوات و«الألبة» في المغرب أصبحوا كلهم بمجرد ما يصبحون محل متابعة قضائية مخبولين ومعقدين نفسيين وحمقى يستخرج لهم أولياء أمورهم فجأة شواهد طبية تعفيهم من تحمل مسؤولية أفعالهم.
وعندما سمعت أن هيئة المحكمة بالدار البيضاء قررت الإفراج عن ابن الوالي ومتابعته في حالة سراح، وإسقاط المسؤولية المباشرة عنه في كل ما قام به نظرا لظروفه النفسية المرضية، تذكرت شيخا عجوزا يبلغ من العمر تسعين عاما اسمه أحمد ناصر وقف أمام هيئة المحكمة في اليوسفية بتهمة إهانة المقدسات. ورغم أن الرجل تقدم أمام هيئة المحكمة فوق كرسي متحرك، وكان واضحا من خلال هيئته وطريقة كلامه أنه يدخل في خانة الذين رفع عنهم القلم، ورغم أن عائلته لديها كل الشواهد الطبية الضرورية التي تثبت اختلال الرجل العقلي والنفسي، إلا أن هيئة المحكمة أصدرت في حق الرجل المقعد المجنون والذي شارف على التسعين من عمره، حكما بالسجن النافذ لخمس سنوات كاملة.
ولأن ظروف المعتقل أحمد ناصر الصحية جسميا وعقليا كانت فعلا صعبة، وتحتاج إلى عناية طبية مركزة وتساهل كبير من طرف العدالة، فقد مات الرجل في السجن دون أن يظفر بأية معاملة إنسانية تفضيلية كما يتمتع بها أبناء الذوات والعائلات الكريمة.
والفرق بين هؤلاء الذين لا «تأكل» شواهدهم الطبية أمام القضاء وبين أولئك الذين «تأكل» شواهدهم الطبية من اليوم الأول للاعتقال، هو الفرق نفسه الذي يوجد بين مجانين عائلات المزاليط ومجانين عائلات «الألبة».
مع فارق مهم كبير وهو أن عائلات المزاليط أكثر حرصا على سلامة المجتمع من حماقات ذريتهم، مقارنة بعائلات بعض «الألبة». فرغم الفقر والحاجة فإن هذه العائلات البسيطة عندما ترى أن أحد أبنائها أو بناتها أصبح يشكل خطرا على نفسه وعائلته وجيرانه، يأخذونه مباشرة إلى «بويا عمر» أو أحد أضرحة الأولياء الصالحين الذين يعتقدون بقدرتهم على شفاء الأمراض النفسية المستعصية، فيربطونه هناك بالسلاسل حتى يعود إلى رشده. فالعائلات المزلوطة ليست لديها الإمكانيات المادية لإرسال أبنائها المرضى إلى مصحات متخصصة في سويسرا أو إيطاليا كما تصنع العائلات الميسورة مع أبنائها المرضى العقليين.
والنقاش الذي أثير هذه الأيام بخصوص المرض النفسي والجريمة في وسائل الإعلام كان يجب أن يفتح عيون وزارة الصحة على الطريقة المهينة والفظيعة التي يدبر بها ملايين المغاربة الصحة العقلية والنفسية لأبنائهم. فأغلبهم بسبب انعدام مؤسسات صحية عمومية متخصصة في العلاج النفسي والعقلي بمدنهم يلجؤون إلى الأضرحة والأولياء لاعتقال ذريتهم عراة حفاة وفي ظروف صحية مخجلة. اعتقادا منهم بأن اعتقال أبنائهم بالسلاسل والأقفال الصدئة في تلك الأماكن المتسخة والمظلمة سيساعدهم على استرجاع قدراتهم العقلية.
والواقع أن هذه الملايين من هذه العائلات الفقيرة تلجأ إلى هذا الحل لتكلفته البسيطة من جهة، ومن جهة أخرى لاتقاء شر أبنائهم المرضى العقليين. فاليوم في المغرب أصبحت أغلب العائلات لديها مريض نفسي أو مريضة عقلية يتعايشون معهم في البيت، ويحسبون لانفعالاتهم ونوازعهم الإجرامية ألف حساب. والذين يعيشون مع مختل عقلي أو مريض نفسي بالانفصام أو غيره من الأمراض النفسية الخطيرة، يعرفون أي جحيم هو أن تكون مجبرا طيلة الوقت على إخفاء سكاكين المطبخ والآلات الحادة في أماكن يصعب على المريض الاهتداء إليها. في مثل هذه البيوت تنام الأمهات بعين واحدة فقط، ويصبح إخوان المريض وأخواته مجندين باستمرار تحسبا للطوارئ. فلا أحد يمكن أن يتكهن بما يدور في ذهن مختل عقلي.
وهذه العائلات البسيطة التي ليس لها مال ولا جاه تلجأ إلى حبس أبنائها المجانين والمرضى النفسيين في البيوت وأقبية الأولياء حرصا على تجنيبهم الوقوع في قبضة الأمن والقضاء إذا ما دفعهم جنونهم إلى اقتراف جرائم أو مخالفات تقع تحت طائلة القانون. فهم يعرفون بحكم التجربة أن الشواهد الطبية التي سيدلون بها أمام القضاء لتبرئة أبنائهم المرضى لن تؤخذ بعين الاعتبار. والأمثلة كثيرة في هذا الباب.
فحسب إحصائيات قامت بها إحدى اليوميات بعد نازلة الحكم على الشيخ التسعيني، فقد حكمت محكمة اليوسفية وحدها ت خلال السنة الماضية على 42 مواطنا بتهمتي إهانة موظف وإهانة المقدسات، منهم سبعة مواطنين توبعوا بإهانة المقدسات جلهم من فاقدي القدرة على التركيز، ولديهم شواهد تثبت ذلك من مؤسسات صحية عمومية.
فيبدو والله أعلم أن محاكم المملكة لم تعد تعترف بشواهد «سبيطار برشيد» أو «سبيطار الغازي»، بل أصبحت تعترف فقط بالشواهد الطبية القادمة من مستشفيات سويسرية وإيطالية.
نعرف جميعا أن الذين يعيشون في المحنة ليسوا أبناء المصابين بأمراض نفسية سواء كانوا أثرياء أو مزاليط، وإنما الذين يعيشون في المحنة حقيقة هم الآباء. ولا أحد منا يتمنى أن يكون في مكان والي كلميم أو عائلة اليعقوبي أو عائلة مارية بنجلون، لأن كل من جرب العيش مع مريض نفسي تحت سقف بيت واحد يعرف أي جحيم هو أن ترى ابنك أو ابنتك تتعذب أمامك يوميا دون أن تستطيع انتشالها من القبو الذي تغرق فيه.
لكن إحساسنا بألم عائلات المرضى النفسانيين لا يجب أن يحجب عنا ألم العائلات التي تتحمل الخسائر الناتجة عن جنون وحماقات هؤلاء الآخرين. وأنا هنا أستحضر صورة تلك المرأة التي ترملت في ريعان الشباب بعدما دهس ابن الوالي زوجها في الطريق، وأستحضر صورة أبنائها الثلاثة اليتامى الذين كانوا ينتظرون حلوى آخر أيام رمضان، فجاءتهم جثة والدهم ملفوفة في إزار.
إن العدالة الحقيقية هي أن نعطي لكل ذي حق حقه. وأن لا نعتبر حرية البعض أغلى من أرواح الآخرين.
المغاربة يقولون «الروح عزيزة عند الله»، والله تعالى يقول في سورة المائدة «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا».
فهلا امتدت يد رحيمة لإحياء تلك الأرملة التي اختطف منها زوجها وأولئك اليتامى الذين قتل الطيش والسرعة أحلامهم البريئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.