مازالت ملفات البناء العشوائي والانهيارات والترامي على ملك الغير في منطقة زواغة الشعبية تتصدر واجهة الأحداث في مدينة فاس. فقد عمدت ولاية الجهة إلى إعادة فتح هذه الملفات، بناء على مراسلات وتقارير توصلت بها من حزب العدالة والتنمية. وأعدت تقارير رسمية ضمنتها مقاربتها لهذه الملفات، وإجراءات اتخذتها لمعالجة بعض «الاختلالات». سبق لحزب العدالة والتنمية أن تحدث في تقرير له حول هذه المنطقة عن «السيبة العمرانية»، وقال إن الترامي على ملك الغير في عدد من أحياء هذه المنطقة، يبلغ في بعض الأحيان درجة التهديد الجسدي من لدن «مافيا العقار». وأشار إلى حصول تلاعبات في ملكية قطع أراض عارية، باستغلال اللفيف العدلي، وتطرق إلى وجود عمليات بناء في مناطق هشة كمطنقة «المرجة»، ما يهدد بانهيارات، في غياب دراسات جيوتقنية. كما استعرض وجود مضاربات عقارية في المنطقة لاقتناء تعاونيات فلاحية من قبل «نافذين» قبل إجراء رفع اليد في سنة 2007. ويقول التقرير إن البناء فتح في مقاطعة زواغة بنسودة منذ سنة 2007، بعد تفويت التعاونيات الفلاحية للفلاحين من قبل وزارة الفلاحة بمذكرة ثلاثية وقعت ما بين وزارة الفلاحة ووزارة المالية ووزارة الإسكان. ويورد التقرير أن الفلاحين بادروا إلى البيع عن طريق تعهدات بالبيع منذ سنة 2005 بأثمان بخسة ما دام أن عملية رفع اليد لم تتم بعد. وأدى هذا الوضع، بحسب حزب العدالة والتنمية، إلى الاستيلاء على حوالي 1300 هكتار من التعاونيات الفلاحية من طرف المضاربين العقاريين والشركات الكبرى، بالإضافة إلى أشخاص من ذوي النفوذ في المدينة. توضيحات كان البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، حسن بومشيطة، قد انتقد أكثر من مرة عدم رد السلطات على ما تضمنه التقرير. لكن تقريرا رسميا توصلت «المساء» بنسخة منه، أكد أن لجنة تقنية شارك فيها عدد من المتدخلين، قد اجتمعت بمجرد الإعلان عن مذكرة الحزب، وانكبت على دراسة مختلف النقط التي تضمنتها. وأشار التقرير، وهو يرد على «انتقادات» حزب العدالة والتنمية، إلى أن مسألة تفويت أراضي الإصلاح الزراعي قد تم بناء على دورية وزارية ثلاثية صادرة في سنة 2007، وقال الرد إن إجراء التفويت هو إجراء وطني يتجاوز الاختصاصات المحلية أو الجهوية، وبموجب هذا الإجراء خول حق تفويت العقارات للمستفيدين. وذكر التقرير أن التفويتات في مدينة فاس تمت لفائدة شركات معروفة قامت بإنجاز مشاريع مختلفة ساهمت في توفير منتوجات سكنية متنوعة، وجنبت هذه المناطق غزوا عمرانيا عشوائيا على غرار ما حدث بمنطقة الجنانات والمناطق الشمالية خلال السبعينيات. وطعن التقرير في بعض الأرقام التي قدمها حزب العدالة والتنمية، وأورد بأن مجموع مساحات أراضي الإصلاح الزراعي على مستوى مدينة فاس الكبرى بكل جماعاتها لا يتجاوز 1000 هكتار، عوض 1300 هكتار الواردة في مذكرة حزب العدالة والتنمية. وأقر التقرير بأن هاجس الجميع، بالفعل، كان هو تفويت هذه الأوعية العقارية للدولة، وتم توجيه عدة مراسلات إلى المصالح المركزية من أجل اقتناء بعض هذه العقارات لتوظيفها كرصيد عقاري لفائدة الدولة، غير أنه لم تتم الاستجابة لهذه المقترحات. إجراءات في سنة 1995 تم فتح منطقة زواغة للتعمير. وحسب المعطيات الرسمية، فإن هذه السنة قد تمت فيها المصادقة على التصميم المديري لفاس الكبرى، وتم تكريس هذا التوسع بتصميم تهيئة بلدية زواغة آنذاك، الذي تمت المصادقة عليه سنة 1998. وتقول السلطات إن هذا التصميم مكن من ضبط حركية البناء بالمنطقة، في وقت كانت تعتبر فيه مجالا خصبا للبناء العشوائي. وعمل هذا التصميم، حسب المصدر نفسه، على معالجة العديد من الاختلالات المجالية ووضع شبكة طرقية، تشير المعطيات الرسمية إلى أنها ساهمت في تقريب الخدمات وولوج العديد من الأحياء التي كانت شبه معزولة. وتم تخصيص مناطق واسعة لإعادة الهيكلة، مكنت من الاستجابة لطلبات البناء للأسر المتوسطة والفقيرة مع إنجاز بنيات تحتية جديدة. وفي الوقت الذي ينتقد فيه تقرير حزب العدالة والتنمية البناء في مناطق فيضية وهشة، يؤكد التقرير الرسمي أن تصميم التهيئة قد حدد المناطق القابلة للبناء والمناطق الممنوعة من البناء، وذلك طبقا للدراسات التقنية المنجزة من طرف مكاتب دراسات. ويتم اعتماد تصاميم إعادة الهيكلة في مسطرة الترخيص بالبناء في مناطق المرجة وسيدي الهادي وزواغة العليا. ويستوجب البناء في هذه المناطق إيداع طلبات بملف تقني وملف إداري للتأكد من سلامة وقانونية هذه الملفات. وقال التقرير إن «ادعاء» حزب العدالة والتنمية بوجود «مافيا العقار» والتلاعب في الملكيات، «هو ادعاء يحتاج إلى إثبات وعرضه على أنظار المصالح القضائية للبت فيه». مقاربات عمد حزب العدالة والتنمية إلى مراسلة السلطات على خلفية انهيارات شهدتها المنطقة. وعمد برلماني هذا الحزب، حسن بومشيطة، إلى مطالبة السلطات المحلية بإخلاء عمارة سكنية تابعة لمجموعة عقارية كبيرة، بعد حادث انهيار أرضية في العمارة يوم الأربعاء 11 يناير الماضي بحي زواغة. كما طالب بفتح تحقيق في حادث الانهيار في العمارة التي تأثرت أساساتها بشكل يصعب معه التنبؤ بمدى الخطورة التي تشكلها على سلامة العمارة وسلامة ساكنتها. وتضمن تقرير سابق للحزب انتقادات حول انهيارات تحدث في مبان في طور الإنجاز في هذا الحي الشعبي. السلطات، من جهتها، ترد بأن انهيار البنايات يمكن أن يرجع إلى عدة أسباب منها طريقة البناء، وطبيعة المواد المستعملة والغش. وقال تقرير رسمي إن المسؤولية تتحملها مكاتب الدراسات ومكاتب الهندسة المعمارية المكلفة بإنجاز التصاميم وتتبعها. وأشار إلى أن تراخيص البناء في الأحياء المفتقرة للتجهيزات التحتية تتم في إطار لجن تقنية مختلطة، لا تدلي بالرأي إلا بعد تطابق المشاريع مع وجود القنوات وأحجامها. وأشار جواب توصل به البرلماني بومشيطة إلى أن تقريرا مفصلا أعدته لجنة للمتابعة حول الحادث أكد عدم تأثر سلامة البناية ومتانتها، وأن الحادث يمكن معالجته تحت إشراف مباشر لمكتب الدراسات والمهندس المكلف بالتتبع، وأن الأضرار تقتصر على الطابق الأرضي ولا تمس هياكل العمارة ككل. ويقف حزب العدالة والتنمية ضمن المنتقدين للترخيص الاستثنائي، لكن التقرير الرسمي يشير إلى أن السلطات عمدت منذ مارس 2004 إلى دراسة ما يزيد عن 160 مشروعا حظي منها بالموافقة 80 مشروعا. ولم تقتصر هذه التراخيص على الشركات المعروفة، تقول المعطيات الرسمية. فقد استفاد منها 16 مشروعا داخل تراب المقاطعة، و»كل المشاريع تمت دراستها والترخيص لها وتتبعها في إطار من الشفافية والوضوح»، وفق دفاتر تحملات تحدد التزامات الأطراف والمساحات المخصصة للتجهيزات العمومية والمساحات الخضراء. ومكنت هذه التراخيص، حسب المصدر، من تكوين رصيد عقاري لفائدة الجماعة في حدود 25 هكتارا لفائدة الجماعة الحضرية لفاس، إضافة إلى مساهمة في تأهيل حوالي 39 مؤسسة تعليمية بغلاف مالي يقدر بحوالي 27 مليون درهم. تجهيزات يشير حزب العدالة والتنمية إلى أن منطقة زواغة بنسودة تعاني من ضعف في التجهيزات والمرافق العمومية. وتسجل مذكرة الحزب أن المنطقة تشكو من انعدام المناطق الخضراء والمرافق الرياضية، في وقت تعرف تشييد تجزئات ضخمة تضم الآلاف من الشقق، دون أن تتوفر هذه التجزئات ولو على 100 متر من المناطق الخضراء. وعبر التقرير عن تخوف الساكنة من أن يتم الترامي على مقبرة بالحي الجديد ببنسودة تم إغلاقها منذ حوالي 10 سنوات، وتحدث عن محاولات جارية للاستيلاء على متنزه طبيعي بالقرب من مركز تجاري بهذا الحي. وفي مقابل الكثافة في البناء، التي تحدث عنها التقرير، فإن المنطقة ما زالت تعاني من وجود ما سماه ب»جيوب القصدير»، ومنها براريك يعود تاريخها إلى 30 سنة خلت. لكن بحسب المعطيات الرسمية، فإن هذه المنطقة قد استفادت منذ سنة 2005 من مشاريع وتجهيزات القرب تجاوزت 40 مشروعا تهم دورا للحضانة ومراكز للتكوين وأقساما دراسية ومراكز صحية واجتماعية ودورا للمواطن ومركبات للشباب وتجهيزات رياضية، بغلاف مالي إجمالي يقدر ب30 مليون درهم. وتشير المعطيات نفسها إلى أن برنامج محاربة جيوب الصفيح بالمدينة قد بلغ نسبة 70 في المائة. وقد أعطيت تعليمات لمؤسسة العمران من أجل الإسراع في تهيئة الأوعية العقارية لاستيعاب الجيوب المتبقية والإعلان عن فاس مدينة بدون صفيح.
مدينة فاس: رهان انتخابي وصراع حزبي تشهد مدينة فاس، في الآونة الأخيرة، صراعات سياسية بين حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية. الصراع تفجر في دورة فبراير للمجلس الجماعي بسبب خلافات حول تصميم التهيئة والتدبير المفوض للنقل الحضري، وتحول إلى اتهامات متبادلة بين الطرفين، وصلت حد عودة العمدة شباط إلى قاموسه القديم قبل تحالف الحزبين الحكوميين، متهما أعضاء حزب عبد الإله بنكيران بالتطرف والغلو والإرهاب. وتقول بعض المصادر إن هذا الصراع تتحكم فيه اعتبارات انتخابية، فحزب العدالة والتنمية سبق له أن وجه ضربات موجعة إلى غريمه في المدينة حزب الاستقلال في الانتخابات النيابية ل 25 نونبر الماضي، بعدما تمكن من حصد أربعة مقاعد برلمانية، مقعدين في دائرة فاس الجنوبية، وآخرين في دائرة فاس الشمالية. وبسبب هذا الاكتساح، لم يتمكن عمدة فاس من العودة إلى قبة البرلمان في قلعته بمنطقة زواغة إلا بصعوبات بالغة. ونفس الصعوبات، عاشها البرلماني الاستقلالي جواد حمدون في الدائرة الثانية بالمدينة، أمام التقدم الكبير لحزب «المصباح». ويوجد حزب العدالة والتنمية بالمدينة في موقع المعارضة، وهي معارضة يصفها أعضاء الحزب ب»المهادنة» التي تدرس الملفات وتتخذ القرارات المناسبة بناء عليها. وفي مقاطعة زواغة يتزعم حزب العدالة والتنمية معارضة توصف بالحادة ضد أغلبية حزب الاستقلال بها، حيث تتولى زوجة العمدة شباط، فاطمة طارق، منصب ناب أول لرئيس استقلالي. وتعيش باقي الأحزاب الأخرى بالمدينة ترهلا، ويبقى مقر حزب العدالة والتنمية من أبرز المقرات الحزبية التي تبقى أبوابها مفتوحة طيلة أيام الأسبوع، وتستقبل إدارة متخصصة ومتفرغة المواطنين، وأعضاء الحزب والمتعاطفين معه. وإلى جانبه يحاول حزب الأصالة والمعاصرة أن يهيكل إدارته، ويبقي على مقره بدوره مفتوحا في وسط المدينة. بينما يسجل على الأحزاب الأخرى اختفاؤها إلى حين قرب المناسبات الانتخابية، والتي تعمد خلالها إلى كراء «الكراجات»، بشكل مؤقت في انتظار الانتهاء من الحملة للاختفاء من جديد. وكان حزب الأصالة والمعاصرة قد حاول أن «يجتهد» في المعارضة داخل المجلس الجماعي، لكنه عاش مشاكل داخلية أثرت على أدائه، ويعمل طبقا لمسؤوليه المحليين على تجاوزها. أما الاتحاد الاشتراكي، الذي ساهم في تدبير شؤون المدينة لسنوات سابقة، بالتناوب مع حزب الاستقلال، فهو يعاني، بدوره، من مشاكل تنظيمية تؤثر على أدائه. وإلى جانب هذه المشاكل التي دفعت المكتب السياسي إلى حل هذه الهياكل، فإن اتهامه الدائم من قبل الاستقلاليين بسوء التدبير في السابق، والتهديد بالكشف عن الملفات، تدفع عددا من «رموزه» إلى التواري عن الأنظار، ويجد نشطاؤه الجدد في المجلس الجماعي صعوبات كبرى في تقديم وجه مشرق له، أمام هذه التهديدات.