ظهرت في الآونة الأخيرة بمختلف مدن جهة سوس ماسة درعة مجموعة من الجمعيات، التي تشرف على مراكز لتصفية الدم، والتي فتحت لها مقرات وبدأت تستقبل مرضى القصور الكلوي المزمن. هذه الخدمة الصحية الإجبارية، والتي تفرضها طبيعة هذا المرض المزمن، تتعدد معها الدوافع وراء إنشاء هذه الجمعيات، غير أنها توحدت في بعض مشاكلها وخففت بعضا من المعاناة التي يجدها المرضى. ظهور هذه الجمعيات أملاه الخصاص الكبير في مراكز التصفية، فضلا عن الأعداد المتزايدة للمرضى بالجهة، والتجربة التي خاضتها هذه الجمعيات كشفت عن العديد من الهفوات،في هذا التحقيق سنكشف جانبا من واقع هذه المراكز. يضطر المريض بالقصور الكلوي إلى قضاء بقية عمره بجوار آلة لتصفية الدم يزورها كل أسبوع مرتين أو ثلاث، حتى يستعيد جسمه بعضا من عافيته، وإلا فإن الموت يظل يتربص به في كل لحظة، هذا الواقع يجعل مرضى القصور الكلوي في وضع لا يطاق ويضاعف من معاناتهم كلما بعدت المسافة بينهم وبين مراكز التصفية، أو كلما عجزوا عن أداء تلك الأقساط التي تتراوح بين 450 درهما إلى 500 درهم عن كل حصة، فضلا عن معاناة نفسية لا تفارقهم إلا وهم على مرافع الأموات. أعداد المصابين بهذا المرض في ازدياد، حسب العديد من المؤشرات، رغم غياب إحصائيات دقيقة ورسمية، باستثناء ما يتم تداوله من أن مليون مغربي مصاب بداء القصور الكلوي. خطر في قلب سوس تداولت بعض الأوساط الحديث عن العلاقة بين جودة المياه بجهة سوس ماسة وارتفاع المصابين بالقصور الكلوي، غير أن جانبا من التكتم الشديد قائم حول جميع المعطيات التي قد تكشف عن أوجه العلاقة بين المياه والقصور الكلوي، في الوقت الذي لم تباشر فيه أي جهة طبية أو علمية البحث في هذا الاتجاه من أجل طمأنة الناس حول هذا الموضوع، الذي تحول مع مرور الزمن إلى طابو من الطابوهات داخل الجهة والوطن ككل. بعض الأطباء المتخصصين استبعدوا أن تكون هناك علاقة مباشرة بين تنامي الإصابة بالقصور الكلوي وجودة المياه بالجهة، علما أن نسبة قليلة من سكان المدن هم فقط من يستعمل المياه التي تمت معالجتها، في حين أن العديد من الدواوير والجماعات يستعمل فيها السكان مياه الآبار غير المعالجة، من خلال جمعيات مدنية تسهر على توزيع المياه دون التكلف بمتابعة معالجتها، كما أن التغطية بشبكة الماء الصالح للشرب من طرف المكتب الوطني لم تصل بعد إلى بعض المناطق النائية، وأخرى أقرب ما تكون إلى التجمعات الحضرية الكبرى. الأدوية الفلاحية والقصور الكلوي سبق لإحدى الجمعيات أن نظمت يوما دراسيا حول تأثير الأدوية، التي تستعمل في القطاع الفلاحي، على صحة المواطنين، إلا أن نتائج تلك الدراسات لم يتم تعميمها على أوسع نطاق، خاصة أنها تهدد بعض لوبيات تجار الأدوية والمبيدات، التي تستعمل في القطاع الفلاحي. في الوقت الذي يتم فيه الحديث هنا وهناك حول الخطورة الكبيرة التي تكتسيها بعض هذه الأدوية، التي لا تتناسب نسب استعمالها مع المعايير التي يتم العمل بها داخل بعض الضيعات المتخصصة في إنتاج الفواكه والخضروات، حيث يجري الحديث عن بعض الأنواع من الأدوية التي أضحت محرمة دوليا، إلا أن العديد من الفلاحين بالمنطقة لازالوا يستعملونها لما لها من تأثير في زيادة كمية المنتوج وحجمه، دون الانتباه إلى أضرارها على الصحة العامة، وهو ما حذا ببعض العاملين في القطاع الفلاحي إلى التفكير في إطلاق مشاريع زراعية لإنتاج خضروات وفواكه بطرق طبيعية، دون اللجوء إلى الأدوية الكيماوية، كما نبهوا إلى خطورة هذه الأخيرة على الصحة العامة. جمعيات لسد الخصاص على مدى العشرين سنة الأخيرة، ظهرت العديد من الجمعيات التي انتبهت إلى الخصاص الكبير في مراكز تصفية الدم، وأمام تنامي حجم المصابين بهذا المرض المزمن، خاصة أنه لم يكن بالجهة إلا مركز وحيد بمستشفى الحسن الثاني، والذي لا يستوعب إلا عددا قليلا من المرضى، في حين تبلغ لائحة الانتظار أزيد من 300 شخص في وقت من الأوقات، هؤلاء يضطرون إلى السفر إلى مدن أخرى أو بعض المصحات التي الخاصة، التي تعد على رؤوس الأصابع، فضلا عن تكلفتها العالية، وبعضهم أمام الفقر والحاجة، يستسلمون لقدرهم المحتوم، فيموتون جراء عدم قدرتهم على الوصول إلى هذه المراكز. الخصاص الحاد في مراكز التصفية صاحبته احتجاجات المرضى، الذين انتظموا في جمعيات للدفاع عن مصالحهم والتعريف بحجم معاناتهم بهذا المرض والتحسيس بخطورته. وقد بلغت الجمعيات المختصة في هذا المجال، إلى حدود سنة 2012، عشرة مراكز، في حين ينتظر أن يتم افتتاح مركزين بكل من تنغير واشتوكة آيت باها، إضافة إلى مركز بمستشفى الحسن الثاني وبعض المصحات الخاصة. أما عدد المرضى المسجلين بهذه المراكز، والذين يتلقون هذه الخدمة، فيشكل ما مجموعه 572، فيما يتجاوز مجموع المسجلين في لوائح الانتظار ما يقارب 200 شخص. خصاص في الأطر الطبية ذكر رئيس فيدرالية جمعيات مراكز تصفية الدم بجهة سوس ماسة درعة أن التحدي الكبير الذي تواجهه الجمعيات، التي تشرف على مراكز تصفية الدم، يتمثل أساسا في الخصاص المهول في الموارد البشرية من ممرضين وأطر طبية، حيث يبلغ عدد الأطر الطبية العاملة بكل المراكز داخل الجهة ما يقارب 47، أي بمعدل أربعة أطر بكل مركز، في حين أن الخصاص يبلغ ضعف العدد المتواجد حاليا، فضلا عن الخصاص الحاد في الأطباء المتخصصين، الأمر الذي جعل القائمين على هذه الجمعيات يجددون النداء في كل مناسبة بضرورة تزويدهم بالأطر الطبية اللازمة ومضاعفة التكوين في هذا المجال. وزارة الصحة تتنكر للجمعيات يجري الحديث حاليا بين رؤساء جمعيات مراكز التصفية على دورية لوزارة الصحة تنص على تخفيض الدعم الموجه إلى هذه الجمعيات، حيث سيتم الإبقاء على نسبة 30 بالمائة فقط من الدعم الذي سبق للوزارة أن تعهدت بتوجيهه إلى هذه المراكز، خاصة ما تعلق بالكلى الاصطناعية وغيرها من المستلزمات الطبية، التي تستعمل في عملية التصفية، هذا القرار أثار استياء عميقا في أوساط المسؤولين داخل الجمعيات وفي صفوف المرضى على السواء. ويرى رئيس الفدرالية أنه في الوقت الذي كان الجميع ينتظر أن ترفع الوزارة من دعمها لهذه الجمعيات، فاجأتهم هذه الأخيرة بتخفيض الدعم وقال إنه على الوزارة أن تقدر حجم التضحيات التي تقوم بها هذه الجمعيات والتي عملت على توفير مقرات واقتنت آليات باهظة الثمن والتي يبلغ ثمن الواحدة منها ما يقارب 17 مليون سنتيم، كما طالب رئيس الفدرالية بضرورة فتح قنوات التواصل بين هذه المراكز ومندوبي الصحة على مستوى الأقاليم بالجهة، من أجل العمل على حل الإشكالات العالقة بين الطرفين من أجل توفير خدمة جيدة للمرضى. كما أثار رئيس الفدرالية الاختلاف الذي يصل أحيانا إلى حد التضارب في الاتفاقيات، التي يتم توقيعها بين الجمعيات والمندوبيات الإقليمية للصحة، حيث طالب بتوحيد هذه الاتفاقيات، خاصة أن بعض الجمعيات لا تقوم بتسيير كافة مرافق المركز الخاص بالتصفية وتتولى فقط جمع التبرعات، في حين تقوم إدارة المستشفى أو المركز الصحي بإدارة الخدمات داخل مركز التصفية، في المقابل توجد جمعيات أخرى تتولى عملية التسيير من الألف إلى الياء. وجدد رئيس الفدرالية التأكيد على ضرورة دعم هذه الجمعيات، التي تسعى إلى تمكين مرضى القصور الكلوي من العلاج داخل تراب الإقليم الذي يوجدون فيه وتقريب المسافة على المرضى، قصد التخفيف من معاناتهم النفسية والجسدية، وكذا إعفاء المعوزين منهم، وهو العمل الذي كان من المفروض أن تتولاه الوزارة. في انتظار الموت الطبيعة الخاصة لهذا المرض لا تسعف صاحبه أن يؤخر أو يؤجل القيام بتصفية الدم، لذلك يبدو الحديث عن لائحة الانتظار أمرا غريبا بالنسبة لهؤلاء المرضى، الذين لا يمكنهم الانتظار، لذلك فإنه عندما يجري الحديث عن لوائح الانتظار داخل مراكز التصفية بالجهة، فإن المريض ينتظر أن يجد مكانا له يمكنه من الظفر ببعض حصص التصفية، والتي غالبا ما تأتي بعد وفاة أحد المرضى، أو بعد أن يتم إدخال آلة جديدة تمكن من توفير حصص جديدة، وفي انتظار ذلك، فإن المريض يظل يقطع المسافات بين مصحة خاصة وأخرى من أجل أن يخفف عن جسده ثقل ما ترسب فيه، ولو ببعض الحصص هنا وهناك، في انتظار أن يجد له حصة في أقرب مركز للتصفية لمقر سكناه، غير أن حال المرضى جميعا ليس بكل هذا اليسر، فبعضهم لا يجد من ينقله إلى مراكز العلاج، خاصة أولائك الذين يقطنون في مناطق نائية، والذين تزداد معاناتهم في فصل الصيف، فتتحول كل لحظة إلى جحيم، في انتظار الوصول إلى مركز التصفية. حالة خاصة من الحالات المثيرة للاستغراب، حالة طفل يبلغ من العمر أربع سنوات، والمصاب بمرض القصور الكلوي المزمن، والذي يتلقى العلاج بمركز التصفية بأولاد تايمة. يحكي الذين شاهدوا هذا الطفل أن حالته تثير الكثير من المشاعر الإنسانية، خاصة عندما ترى أن هذا الطفل هو الوحيد بين بقية المرضى البالغين، والذي بدأ أولى سنوات عمره بجوار هذه الآلة ووسط مجموعة من الأنابيب وغيرها من المعدات. حالة استنفرت القائمين على هذا المركز وقاموا بالإعلان عن حالته في بعض المواقع الإلكترونية، وتطوعت إحدى الجمعيات بفرنسا من أجل التكفل بمصاريف عملية زرع الكلية لهذا الطفل، إلا أن بعض التعقيدات البيروقراطية حالت دون الترخيص للطفل وعائلته من أجل السفر، بل إن أحد الأطباء الاختصاصين بمدينة الرباط، أوصى بأن يتم إجراء العملية بالمغرب، الأمر الذي قد لا تتوفر معه الشروط الطبية لإنجاح العملية. وبعد اتصالات متكررة بالسلطات الإقليمية على مستوى عمالة تارودانت، تمكنت عائلة هذا الطفل من إتمام إجراءات السفر في رحلة علاج يتمنى لها الجميع النجاح، حتى يتخلص هذا الطفل من آلة التصفية ويبدأ حياته كسائر أطفال العالم. ضجة الكلى الاصطناعية
عندما سجلت أولى حالات تخثر الدم بمركز التصفية بإنزكان، أثير موضوع الكلى الاصطناعية التي سبق لمجلس جهة سوس ماسة درعة أن زود بها عموم المراكز بالجهة، وجرى الحديث عن كون هذه الكلى مغشوشة أو ضعيفة الجودة، وتناولت العديد من المقالات الصحفية هذه القضية وجرى الحديث عن ظروف الصفقة وأصدرت الجهة بلاغا في الموضوع، تقر فيه بوجود حالات تخثر الدم، إلا أنها عزت ذلك إلى العنصر البشري والأجهزة المستعملة، الأمر الذي أثار حفيظة مجموعة من التنظيمات النقابية التي أبدت استنكارها لبلاغ الجهة. وهكذا استمر الجدل بين الطرفين إلى أن تم الاتفاق على تشكيل لجنة طبية من أجل التحقيق في ملابسات القضية، إلا أن نتائج هذه اللجنة لم يتم الإعلان عنها لحدود الساعة، لكن الأخبار التي تسربت من كواليس هذا الملف تقول بأن الجهة والمديرية الجهوية للصحة انتهت إلى حل وسط، هو القول بأن الكلى الاصطناعية، التي كانت موضوع صفقة مولتها الجهة بما يقدر ب200 مليون سنتيم، لا تتناسب والأجهزة المستعملة في هذه المراكز التي سجلت فيها حالات تخثر الدم وانتهى الجدال. وكان تسجيل حالات تخثر الدم هذه قد أثار في الوقت ذاته مخاوف المرضى، خاصة بعد أن تبين لهم أن كل حصة ينتج عنها فقدانهم لما يقارب 300 غرام من الدم جراء استعمال تلك الكلى الاصطناعية المثيرة للجدل، الأمر الذي جعلهم بدورهم يصدرون بلاغا في الموضوع كما وجهوا رسائل إلى الجهات المعنية. حكاية من إنزكان في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن إجراء عملية تصفية بالمجان بالعديد من المراكز، التي أنشأتها الجمعيات بمختلف مدن الجهة، تأكدت الأخبار المتحدثة عن فرض مبالغ مالية على المرضى بمركز إنزكان، خلافا لما تنص عليه المذكرة الوزارية المؤرخة في الخامس من شتنبر 2010، والتي تمنع أي نوع من الاستخلاصات المالية خارج المنصوص عليه قانونيا، حيث تعمل الجمعية المشرفة على مركز إنزكان على استخلاص مبالغ مالية تتراوح بين 200 و400 درهم للحصة، رغم أن مقر الجمعية والقاعات المخصصة لمرضى القصور الكلوي تعتبر من المرافق التابعة للمستشفى. كما ذكر بعض المرضى من المركز أن تمييزا يتم بين المرضى دون أي مبرر أو اعتبار لحالاتهم المرضية والاجتماعية، حيث تشير بعض الوصلات إلى أن بعض المرضى يستفيدون من الحصص مقابل 200 درهم وآخرون مقابل 400 درهم، الأمر الذي لا يقوى المرضى على الاحتجاج عليه، نظرا إلى حالة الاضطرار التي يكونون عليها، حيث يصلون إلى المركز بين الحياة والموت ولا تسعفهم ظروفهم الصحية في إبداء أي اعتراض، مما يجعلهم تحت رحمة القائمين على هذا المركز.