أعادت دعوة محمد المرزوقي، الرئيس التونسي، من أكثر من عاصمة مغاربية، إلى بعث الروح في جسد اتحاد المغرب العربي، بعد نحو 23 سنة من ميلاده و18 سنة من جمود هياكله، إلى الأذهان حلم تحقيق تكتل إقليمي قوي في زمن التكتلات. غير أن تحقيق ذلك الحلم، الذي راود المقاومين والسياسيين المغاربيين منذ فترة الانعتاق من الاستعمار الفرنسي، يبقى دون أن تجسده على أرض الواقع الكثير من العقبات التي تعيق تفعيله، وفي مقدمتها الخلاف المغربي الجزائري حول قضية الصحراء. وشكل السابع عشر من فبراير من سنة 1989 حدثا تاريخيا، حينما اجتمع قادة دول المغرب العربي في مراكش، وأعلنوا إنشاء اتحاد المغرب العربي، بيد أن الأهداف التي من أجلها رأى الاتحاد النور، والمتمثلة أساسا في تطوير التعاون الإقليمي، ومواكبة عصر التكتلات الإقليمية في العالم، لم تكن كافية لضمان السير العادي لمؤسسات الاتحاد المغاربي، بسبب توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب، الذي شل عمل الاتحاد منذ البداية. وعلى امتداد السنوات ال23 من ميلاد الاتحاد عطلت ظلال التوتر والتأزم بين البلدين الجارين عمله وكادت تؤدي إلى إعلان تشييعه إلى مثواه الأخير بسبب ملفات شكلت عقبة أمام تفعيل ذلك التكتل الإقليمي، كان من أبرزها ملف الجماعات الإسلامية، ونزاع الصحراء، حيث ظلت الرباط تشترط تسوية قضية الصحراء للشروع في تعاونٍ وطيد لاتحاد المغرب العربي، فيما تمسكت الجزائر بأطروحة فض القضية بين الطرفين المعنيين (المغرب وجبهة البوليساريو) في إطار تسوية سياسية طبقا لقرارات الأممالمتحدة. ولئن كان توتر العلاقات بين المغرب والجزائر جعل أنشطة مؤسسات الاتحاد وهياكله مجمدة لما يقارب ال18 سنة، وإن ظلت تعقد من حين لآخر بعض الاجتماعات الوزارية الظرفية التي تنظمها الأمانة العامة للاتحاد الكائن مقرها بالرباط، إلا أن التحركات الدبلوماسية التي قادها محمد المرزوقي، الرئيس التونسي الجديد، مؤخرا، في منطقة المغرب العربي، أحيت الأمل لدى البعض في بعث الروح من جديد في جسد الاتحاد المغاربي. وبدا لافتا من خلال الدينامية الدبلوماسية التي قادتها تونس رهان أول رئيس تونسي، أوصلته ثورة «الياسمين» إلى سدة الحكم، على إحياء اتحاد المغرب العربي ومؤسساته باجتناب مشكلة الصحراء التي تعوق تقدمه، معتبرا أن رهن إحياء الاتحاد المغاربي بتسوية قضية الصحراء ليس سليما، وأن الظروف النفسية أصبحت حاضرة لبناء اتحاد المغرب العربي بعد «سقوط الأنظمة الديكتاتورية في تونس وليبيا». وبينما لم يجد المرزوقي أي معارضة لما يدعو إليه من الدول التي زارها قبل الجزائر، وخاصة الرباط التي كان قد أعلن وزير خارجيتها سعد الدين العثماني أن «المغرب والجزائر اتفقا على وضع قضية الصحراء بين قوسين لأن بناء الاتحاد بات أولوية إستراتيجية»، إلا أن الكثير من المراقبين يرون أن مصير الاتحاد وبعث الروح فيه من جديد مرتبط بمآل تطور العلاقات المغربية الجزائرية وحصول انفراج فيها، خاصة على مستوى فتح الحدود المغلقة منذ 1994 وتسوية قضية الصحراء. ويرى عبد الفتاح البلعمشي، مدير المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن «الإرادات الحسنة المعبر عنها حاليا من قبل الحكومة المغربية الحالية والجزائريةوالتونسية ليست هي الوحيدة التي ستحيي اتحاد المغرب العربي، مشيرا إلى أن دعوة الرئيس التونسي إلى جعل قضية الصحراء جانبا تصطدم بإرادة الطرف الآخر. وبالرغم من جميع التطورات التي شهدتها مواقف دول المنطقة، وخاصة الجزائر، فإنه لا يبدو أن هناك إرادة حقيقية في اتجاه تجاوز قضية الصحراء، يقول البلعمشي، مدللا على ذلك في تصريحات ل«المساء» بما أقدمت عليه جريدة «الخبر»الجزائرية بنشر رسالة لعبد العزيز المراكشي موجهة إلى الرئيس التونسي بخصوص الصحراء وإيلائها أهمية خاصة. مدير المركز المغربي للدبلوماسية وحوار الحضارات أشار إلى أن تحقيق تقدم في ملف الاتحاد المغاربي يقتضي فضلا عن وجود الإرادات السياسية تهييء الظروف من خلال مشاركة المجتمع وفعالياته في الدولتين، مؤكدا على ضرورة إقدام الفعاليات الإعلامية والاقتصادية والسياسية والجمعوية على تهيئة أرضية جديدة والتأثير على الحكومات. وبرأي البلعمشي، فإن الحماس وحده لن يكفي لإعادة الاتحاد إلى سكته الصحيحة، بل يقتضي إشراك المجتمعات المغاربية والإنصات إلى مطالبها في السياسات الخارجية، وكذا مواجهة القوى التي لها مصلحة في استمرار تعطيل قطار اتحاد المغرب العربي وعدم تسوية نزاع الصحراء. ويشير المصدر ذاته في تصريحات ل«المساء» إلى أنه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها مثل تلك الدينامية الدبلوماسية التي عرفتها المنطقة مؤخرا، وعقد اجتماعات لأجهزة الاتحاد تعطي الأمل في تحقيق أمل إعادة إحياء الاتحاد ووضعه على السكة الصحيحة بعد سنوات من الشلل، معتبرا أن الأمر المختلف هذه المرة هو أن هناك ضغوطا من المجتمعات المغاربية من أجل دفع عجلة الاتحاد المعطلة إلى الأمام، وأن الحراك الدبلوماسي في منطقة المغرب العربي من أجل بعث الروح في جسد التكتل الإقليمي هو تعبير عن الظروف السياسية التي تعيشها بعض البلدان في سياق الربيع المغاربي، الذي يشكل فرصة جديدة لحل الملفات العالقة في المنطقة. من جهته، يرى مصطفى النعيمي، عضو المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية، والباحث المتخصص في الشؤون الصحراوية، أن نجاح التوجه الجديد نحو إحياء اتحاد المغرب العربي مرتبط بوجود رغبة جزائرية حقيقية لحل مشكلة الصحراء، مشيرا في حديثه إلى «المساء» إلى أن «مسار إحياء الاتحاد قابل للتعرض للفشل في حال عدم وجود تلك الرغبة لدى الجزائريين أو أن تكون استجابتهم لإحياء الاتحاد نتيجة للضغوطات الأوروبية والأمريكية». ويؤكد عضو المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية أن موقف الجزائر من الصحراء لن يتغير ما لم يحل مشكل الحدود بين البلدين، والذي كان سببا رئيسا لاندلاع حرب الرمال في سنة 1963، خاصة أن الدبلوماسية الجزائرية درجت خلال لقاءاتها مع وزيري الخارجية والتعاون السابقين محمد بنعيسى والطيب الفاسي الفهري على طلب حل قضية الصحراء بتزامن مع قضية الحدود، مستبعدا أن تكون هناك استجابة من المغرب للمطالب الجزائرية وتقديم تنازلات في اللحظة السياسية الراهنة التي تتسم بوجود برلمان يسيطر عليه أحزاب وطنية كالاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية