يشكل المنجز القصصي المغربي ملمحا جماليا ويستدعي وقفات متريثة سواء من حيث تراكمه الكمي أو النوعي، فالقصة المغربية قطعت أشواطا مهمة فيما يتعلق بخصوصياتها الداخلية وخطابها الجمالي، واليوم نختار أحد التنويعات داخل هذا المنجز ونقصد مجموعة « سلطانة « للقاص المغربي محمد التطواني سنعمل على كشف السمات التصويرية في هذا العمل القصصي بكل ما يحمله من قيم إنسانية كونية تتجاوز المغلق لتنفتح على الذاكرة. إن السمة كمفهوم نستقيه من الجهاز التحليلي لمحمد أنقار بوصفها أداة نقدية يحاول من خلالها أن يستبطن مختلف الدلالات التأويلية التي يحبل بها النص النثري من رواية وقصة ومسرح ونادرة وغيرها، مخالفا بذلك المعايير البلاغية ذات المرجعية الشعرية. ذلك أن بلاغة النص النثري قابلة عنده للاختصار إلى «حد أدنى من أدوات التحليل، أي إلى «مكونات» و «سمات» و «صور» نوعية نرجح قدرتها على أن تعكس، في وقت واحد الطوابع الجمالية للكونين النصي والنوعي معا، بطريقة عملية مبسطة لاترقى إلى درجة القاعدة العلمية الثابتة» إن السمة انطلاقا من هذا التعريف تبتعد عن الطريقة العلمية التي تجعل منها مفهوما حجريا لا يتلون مع تلوينات النص الإبداعي، بل هي مفهوم رحب قادر على «تصوير النوازع الدفينة في النفس البشرية التي تمتنع عن التقييد والضبط الحصري، وبذلك لا ترقى السمة إلى رتبة القاعدة والقانون العلمي». والحق أن الكشف عن الأبعاد الجمالية في النص النثري والأوجه الإنسانية فيه لا ينبغي أن يحاكي مسلك التشريع العلمي المقيد لسلطة الناقد، القاتل للأوجه الإبداعية في النص. وهذه الخاصية المطاطية التي تميز السمة قد تجعلها قادرة على أن تسند إلى مختلف مكونات النص لا أن يحصر استعمالها في وصف الشخصيات فقط. وهي تنصهر في الفضاء النصي مشكلة مع تلك المكونات صورا قادرة على عكس الأبعاد الإنسانية والجمالية والنوعية في العمل الإبداعي. إن السمة يمكن أن تستمد «من أسماء المذاهب الفنية والمدارس الفكرية، أو من أنماط السلوك البشرية تفاصيلها الصغرى أو من ميدان الأخلاق أو من الطبائع والأمزجة، ثم إن السمة قد تنحصر في لفظة واحدة (وتلك صورتها العامة)، مثلما قد تتجلى في جملة أو شبه جملة، وحتى في فقرة (في حالات نادر3 . أي إنها في أغلب الأحيان صفة تستند إلى ما هو فني أو فكري أو أخلاقي أو سلوكي، وتتميز بالقدرة على التغلغل والتشعب في الفضاء النصي. فالسمة« إمكانية بلاغية بكل مافي كلمة بلاغة من أنماط ودلالات متحولة، وهي لاتقل خطورة جمالية عن مكونات العمل الأدبي المحكم الصنعة» ]وعليه يمكن القول إن بلاغة السمات يغلب عليها التأمل في النص الأدبي بغية استبطان إشراقاته الفنية والإنسانية. فماهي سمات التصوير في «سلطانة» ؟ «عودة حديث هامس» هي القصة ما قبل الأخيرة في المجموعة القصصية «سلطانة» التي تعد الخامسة للقاص المغربي محمد التطواني المغترب بهولاندا، فقد سبق له أن أصدر «هستيريا البحر» و«حيتان وثعابين» و«الوجع الأكبر» و«الاسترخاء معها»، والقصة تَمَثُّلٌ جمالي يميل إلى التصوير الواقعي الذي ينبني على الفضح والتعرية، تحكي دخول السارد البطل إلى إحدى المستشفيات الكائنة بديار المهجر، وذلك من أجل تلقي العلاج، يضطر البطل إلى الانتظار في غرفة تضم كل المواصفات الصحية، سواء من حيث التجهيزات أو الاهتمام ، وأثناء الانبهار بتفاصيل المكان تتدخل الأم عبر استيهامات داخلية، يسترجع فيها السارد ما مضى، ويدخل في مقارنة بين صورة الإنسان في الوطن الأم، وصورة الإنسان في الوطن الغربة، مما يجعله يعيش نوعا من الصراع حول الوطن الحقيقي، هل ذاك الوطن الذي احتضنه حينما خرج إلى الوجود وترعرع في دروبه وتنفس عشقه وحبه وتنكر له حينما احتاج يوما أن يكون إنسانا أم الوطن هو الذي وفر له حقوقه وجعله يحس بإنسانيته، لكنه مقابل ذلك استلب منه كُنْهَ الإنسان. تنويع استفهامي يسكن السارد، يأخذ منه مساحات تمتد إلى الماضي السحيق الذي يرافقه في رحلة المعيش اليومي، بين هذا الماضي والحاضر تتوزع أنا السارد البطل. إن الرمزية التي بنيت عليها القصة اتخذت وسائل جمالية من أجل تشكيل صورة المعاناة، ولعل أبرزها: الحوار الداخلي أو المونولوج والوصف إضافة إلى هيمنة البعد الواقعي الرمزي، حيث يعمد القاص إلى نوع من الاحتفاء بالتفاصيل محاولا بذلك تجسيد الحدث كما تخيله، وهو الحدث الرئيس الذي واكب الحدث الرئيس للقصة دون خلل. بل يمكن القول إن هناك انصهاراً بين الحدث وتلك الوسائل، فالحدث الذي ترصده القصة واقعي ومركز جدا، معاناة السارد البطل ومكابدات أمه مرحلة المرض والبتر، إلا أن أهم ما يميزه هو دلالته الإنسانية؛ فالقاص عمد إلى ترشيح نفس السارد ومعايشة همومه اعتمادا على تقنيات الاسترجاع والحوار الداخلي والوصف والتداعي، بل إن التطواني من أجل تعرية الشخصية القصصية نفسيا وفكريا يمضي حماسه بعيدا حينما يقحم صورة أمه مبتورا ثديها الأيمن، كأنه يتعمد وضعها، وهي نموذج للاستغلال أمام المتلقي. لذلك فإن السمة الواضحة لهذه القصة هي سمة الكشف والفضح. كما تتجلى في القصة أيضا سمات أخرى من قبيل سمة الواقعية التي تنحصر في الخيال الذي يتنبه إليه القاص في لحظة عادية من الحياة اليومية، فينفذ إليها مستخرجا منها دلالات ومواقف إنسانية معقدة، وهنا يجد القاص نفسه مضطرا إلى صياغة هذه اللحظة بنوع من التشكيل الذي يشكك في مفهوم الواقعية.