توجد اليوم في المغرب كنوز لا أحد يقدرها حق قدرها، وسيكون من المحزن جدا لو تم إهمالها إلى أن توارى التراب، لأنه عند ذاك سنعض أيدينا من الندم وسنقول ألا ليتنا قدّرنا تلك الكنوز حق قدرها. هذه الكنوز كثيرة، ولها أسماء طبعا، وأكثرها شهرة هذه الأيام كنز يسمى خالد عليوة؛ فهذا الرجل يقول إن لديه ملفات ضخمة متعلقة بالفساد، وإنه سيكشف عنها إذا لم «يعطيوْه التّيساعْ»، يعني أنه لا يريد الكشف عن ملفات الفساد «لله في سبيل الله»، بل كوسيلة تهديدية لكي يبتعدوا عنه، رغم أن لا أحد أثبت ضده شيئا. ما يقوله عليوة الآن سبق أن قاله كثيرون غيره، حيث أرغوا وأزبدوا وقالوا إن لديهم ملفات ضخمة متعلقة بالفساد، وفي النهاية تم «التّمْييك» عليهم وعادوا إلى جحورهم، أو خرجوا من المغرب للاستقرار المؤقت في أوربا، ثم انتهت الحكاية. آخر ما يتذكره المغاربة في هذا المجال هو المناقرات التي دارت قبل بضعة أشهر بين الوزير الأول السابق، عباس الفاسي، وبين وزير الاقتصاد والمالية السابق صلاح الدين مزوار، فقد تبادلا تهم الفساد، وكلاهما قال للآخر «إن لم تصمت فسأكشف للمغاربة عن ملفات فسادك»، وفي النهاية أقفلا فميهما معا بينما بقيت أفواه الغاربة مفتوحة على مصراعيها من فرط الدهشة لأن لا أحد يفهم كيف يتناقر وزير أول مع وزير حول ملفات فساد، ويهدد كل منهما الآخر، وفي النهاية لا تتحرك النيابة العامة من أجل التحقيق معهما، وربما كانت النيابة العامة تتمنى لو أن جريدة أو صحافيا هو الذي أطلق التهديد حتى تحقق معه، أما الوزراء وكبار القوم فلا أحد يقترب منهم. وقبل ذلك، كانت هناك أمثلة كثيرة لأناس اختلسوا ونهبوا وهرّبوا الأموال، وفي النهاية اكتسبوا حصانة تقيهم شر السؤال، لأنهم يعرفون جيدا أن ملفات الفساد في هذه البلاد مثل لعبة الدومينو، أي أنه بمجرد أن تسقط القطعة الأولى على الثانية، فإن السقوط يتوالى إلى ما لا نهاية. الناس يتذكرون ملفات بدأت منذ الشهور الأولى للاستقلال ولا تزال متواصلة إلى اليوم.. هناك ملفات المؤسسات العمومية التي أفلست من فرط الفساد والتي تم تفويتها في إطار الفساد، وملفات القروض الضخمة والأموال المختلسة من مؤسسات مالية كبرى، والأشخاص الذين استفادوا من الملايير ومن الصفقات ومن التفويتات ومن اقتصاد الريع ومن الهدايا الضخمة (ومعناها الرشاوى الضخمة)، والمستفيدون من الإعفاءات الضريبية، والذين لا يؤدون الضرائب رغم أنف الجميع.. والذين.. والذين.. هكذا سارت الأمور وصار كل واحد يسقط يطلق عبارته التهديدية: إما أن تبتعدوا عني أو أتكلم، فيتم الابتعاد عنه، ولا يتكلم. خلال السنوات السابقة، كان يقال لنا إنه ليست هناك أدلة دامغة حول الفساد، وإن الملف الفلاني تنقصه الدلائل، وآخر تعوزه الوثائق، وآخر تنقصه القرائن، وهكذا دواليك، حتى نبتت للفساد قرون كبيرة وبدأ ينطحنا في وضح النهار، ومع ذلك لم يوقفه أحد. نحن نرى الأدلة على الفساد في كل مكان، ففي كل شبر دليل، وفي كل حفرة دليل، وفي كل رائحة دليل، وفي كل مدرسة دليل، وفي كل مستشفى دليل، وفي كل قبر دليل، وفي كل صفقة دليل، وفي كل طريق دليل، وفي كل عمارة دليل وفي كل فاتورة دليل، وفي كل مكان دليل، لذلك ينبغي أن ينتهي هذا الزمن، زمن الفساد، ويتم بدء عهد جديد، عهد يبدأ باستدعاء كل شخص يقول إن لديه ملف فساد. فإذا كان وزير العدل الجديد بدأ مهمته عبر تسجيل سابقة، وهي ضبط قاض في حالة تلبس بتسلم رشوة، فالناس ينتظرون ما هو أهم، وهو الإيقاع بالحيتان الكبيرة التي تعتقد أنه لا يد وزير العدل ولا يد شمهروش يمكن أن تصل إليها، لذلك سيكون رائعا لو أن مصطفى الرميد أمر بالاستماع إلى أشخاص من طينة عليوة ومزوار والفاسي.. وغيرهم كثيرون. الناس اليوم يريدون أن يتكلم الجميع، أي أن كل واحد يهدد بالكلام يجب أن يتكلم، فهؤلاء الذين يهددون بالكلام هم في واقع الأمر كنوز حقيقية للشعب المغربي، لأنهم عبارة عن صناديق سوداء تكشف أسباب الكوارث، وضياعها سيجعل ملفات الفساد عبارة عن ألغاز حقيقية إلى الأبد، تماما كما يحدث عندما تسقط طائرة ويضيع صندوقها الأسود، فيبقى سبب السقوط لغزا محيرا. لقد سقطنا.. فاكشفوا لنا أسباب السقوط.