هل حزب الأصالة والمعاصرة ظاهرة سياسية أم إعلامية؟ أرجح أنها ظاهرة إعلامية أكثر منها حركة سياسية جاءت لتحدث انعطافة في الحياة السياسية الرتيبة في المملكة التي ماتت فيها السياسة نتيجة تعاطي جرعات زائدة من التوافق، ونتيجة شيخوخة الأحزاب السياسية التي كانت تُنشط الحركة السياسية في المعارضة، ولما صارت في الحكومة دخلت في سبات شتوي لم تستيقظ منه إلى الآن. في ظرف أسبوع تحدث فؤاد عالي الهمة وحسن بنعدي وآخرون عن هوية المولود الحزبي الجديد، وقدموا أوراق اعتماده المكونة من الشهادات التالية: إعلان نوايا بالعمل على مصالحة المغاربة مع السياسة عقب نكبة 7 شتنبر التي شهدت فرارا جماعيا من صناديق الاقتراع. إعلان نوايا باعتماد تقرير الخمسينية وتوصيات هيئات الإنصاف والمصالحة كخطة عمل. إعلان نوايا بشن الحرب على التيارات الدينية المستوردة من الخارج ومناهضة كل توظيف للعقيدة في السياسة. الدفع بالمسألة الجهوية وبسياسة القرب واللامركزية حتى يخرج المغرب من قفص ثنائية المركز والهامش. هذا التشخيص العام من قبل منظري الحزب مقبول في عمومه، ويعبر عن جزء من المطالب الإصلاحية، لكن مشكلته في التفاصيل وفي المفارقات التي تسكن سيرة أصحابه وتختبئ في ما يسكتون عنه لا في ما ينطقون به... أعجبني تحليل حسن بنعدي أستاذ الفلسفة الذي هجر القسم منذ مدة طويلة واحترف العمل النقابي ثم الصحافة، والآن العمل الحزبي المباشر مع خليط من اليسار واليمين وأقطاب المخزن، في توليفة جديدة لن ننتظر طويلا لنعرف ماذا ستعطي. أعجبني قوله، في برنامج تلفزيوني أقرب إلى «الحلقة» أول أمس على القناة الأولى، إن إشكالية الفكر الحزبي المغربي نابعة من تأويل شعار: «الله، الوطن، الملك». هناك من يريد احتكار الدين ليفرض وصايته على الآخرين، وهناك من يريد احتكار الوطنية والنضال ضد الاستعمار لفرض وصايته على باقي المغاربة، وهناك من يسعى إلى احتكار الدفاع عن الملكية وتصوير الآخرين وكأنهم ضدها... والحل -حسب بنعدي- هو إعادة تأميم شعار المملكة الشريفة: «الله، الوطن، الملك» ليصير شعارا لكل المغاربة. أين يضع بنعدي حزبه وحزب رفيقه الهمة في خارطة الاحتكارات هذه؟ ثم لماذا يسكت بنعدي عن طرف ثالث ضالع في عملية خوصصة شعار المملكة؟ بنعدي ذكر تلميحا، وليس تصريحا، ثلاثة أطراف متهمة باحتكار أحد «ثوابت» المملكة. الإسلاميون متهمون باحتكار الدين، وحزب الاستقلال والاتحاد وعموم أحزاب الحركة الوطنية متهمون بتوظيف «الوطنية والنضال ضد الاستعمار» لاكتساب شرعية تاريخية تغني عن الشرعية الديمقراطية. أما أحزاب الإدارة أو اليمين فإنها متهمة باحتراف الدفاع عن الملك وتصوير خصومه وكأنهم جميعا انقلابيون وجب التخلص منهم في الصباح قبل المساء... كل هذا صحيح لكنه غير كامل، لأن طرفا أساسيا، وهو القصر، يعمد بطريقته إلى خوصصة الشعار أعلاه وإلى احتكار الشرعية الدينية والوطنية والوراثية... وجعلها أداة حكم واستئثار بالسلطة، وليست مجموعة ثوابت مشتركة بين كل المغاربة... هل يجرؤ حزب الهمة وبنعدي والوديع والآخرين على إطلاق عملية تأميم كبرى لثوابت المملكة في زمن الخوصصة وفي مواجهة كل الأطراف؟ هذا هو السؤال.