سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الصبيحي للمساء : الكتلة الديمقراطية تجاوزها التاريخ و«الحزب الجديد» هدد استقرار المغرب وزير الثقافة يعترف بغياب رؤية ثقافية لدى الوزراء السابقين ويتوعد المفسدين بالحزم
في هذا الحوار يقدم محمد أمين الصبيحي، وزير الثقافة في حكومة عبد الإله بنكيران، رؤيته لمستقبل الثقافة في الخمس سنوات المقبلة، راسما استراتيجية من أربعة محاور ترتكز على سياسة القرب والعناية بالمثقفين. ويؤكد الصبيحي أن وزارة الثقافة راكمت سنوات من «غياب الرؤية وتحديد الأولويات». وحذر الصبيحي من أن تعامله مع ملفات الفساد سيكون حازما. وعن الشق السياسي لم يتوان القيادي في حزب التقدم والاشتراكية من مهاجمة ما وصفه ب«الحزب الجديد»، متهما إياه بتهديد استقرار المغرب ومؤبنا في الأخير «الكتلة الديمقراطية كقطب للتغيير». - صرحت مؤخرا بأنه كان على بنسالم حميش، وزير الثقافة السابق، أن يعرض على القضاء ملفات الفساد التي تحدث عنها، ولاشك أن مباشرة عملك في الوزارة سمح لك بتكوين نظرة عامة عن واقع القطاع، هل هناك ملفات فساد حقا داخل الوزارة؟ طرح علي سؤال حول وجود محتمل لملفات فساد بالوزارة فكان جوابي أن لا علم لي بهذا. وإذا كان هذا الأمر واردا، فقد كان على بنسالم حميش أن يعرض ملفات الفساد هذه التي تحدث عنها على القضاء للنظر فيها وليتعرف عليها الرأي العام، وأنا إلى حدود هذه اللحظة، وبعد المدة القصيرة التي أمضيتها بالوزارة، لم أكتشف أي ملف فساد، والأيام المقبلة وحدها الكفيلة بأن تكشف النقاب عن هذه الملفات إن كانت موجودة أصلا. لكن صراحة لا أفهم في بعض الأحيان الحديث عن هذا الأمر مادامت الوزارة تتوفر على موارد مالية محدودة، مقارنة مع القطاعات الوزارية الأخرى، بيد أننا في حاجة إلى ترشيد المال العام واستعماله بعقلانية. - وفي حال ما كشفت الأيام المقبلة عن وجود ملفات حقيقية للفساد داخل الوزارة، كيف ستتعامل مع الأمر؟ بطبيعة الحال سأتعامل بشكل شفاف مع الرأي العام والقضاء، وفي حال ما توفرت لدي الدلائل الكافية لوجود أي ملف من هذا النوع سأتعامل بكل حزم، ولن أتردد في إحالة هذه الملفات على السلطات المختصة. وفي اعتقادي، فقد ولى زمن الإفلات من الحساب، في ظل مرحلة دستورية جديدة تنطلق من مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وإذا توفرت لديكم أي معلومات حول أي ملف فساد داخل الوزارة، أطلب منكم إخباري بذلك لأتخذ في حق المتورطين الإجراءات القانونية اللازمة، وأقول في هذا الصدد إنني نسجت خلال الفترة القصيرة من تواجدي على رأس الوزارة علاقات متميزة مع إدارة الوزارة، حيث عقدت لقاءات متعددة مع أطر الوزارة وطلبت منهم أن يتعاملوا بكل شفافية ووضوح أثناء أداء عملهم، ويبدو أن الأمور تسير على ما يرام. - نود أن نسألك عن الحالة التي وجدت عليها وزارة الثقافة بعد تعيينك على رأسها. ماهي المشاكل التي ورثتها عن تدبير القطاع في الفترة الماضية؟ بكل صراحة، الوزارة في حاجة إلى نظرة استراتيجية تجعل من الشأن الثقافي متداولا وممارسا داخل المجتمع وذا أهداف محددة، وتعلمون أن المغرب شهد في العقد الأخير حركية ثقافية في شتى التعابير الإبداعية، لكن التغيير الديمقراطي الذي شهدته بلادنا أسهم بشكل كبير في انتعاش هذه الأصناف الإبداعية. غير أن المشكل الحقيقي الذي حال دون تطور القطاع الثقافي هو عدم إقبال الجمهور على الأعمال الثقافية. ومن المعلوم أن الثقافة تكتسب أهميتها من مدى الترويج لها على نطاق واسع. ولذلك، نحن في حاجة ماسة إلى استراتيجية تواصلية تسمح بأن يحظى الشأن الثقافي باهتمام جميع شرائح المجتمع. والمغرب كذلك في حاجة إلى سياسة ثقافية تهدف إلى تعبئة الطاقات داخل المجتمع، ولن تتأتى هذه الأهداف في تقديري إلا عبر الإحساس بالانتماء إلى هذا الوطن والدفاع عن هويته، والعمل الثقافي له دور أساس في تكريس حب الانتماء إلى هذا البلد. بمعنى آخر، فإن الثقافة هي في صلب العملية التنموية بالبلاد، وأعتقد أن إنجاح أي مبادرة ثقافية يعتمد على إشراك كل الفاعلين الثقافيين من فنانين ومبدعين في بلورة استراتيجية ثقافية واضحة المعالم. - وجهت انتقادات كبيرة إلى وزارة الثقافة في الفترة السابقة من لدن نقابات الفنانين والمبدعين والكتاب وصلت إلى حد الاحتجاج وإصدار البيانات. ماهي استراتيجيتك الجديدة لإعادة الثقة إلى هؤلاء الفاعلين الثقافيين؟ أؤكد أن المقاربة التشاركية تفرض نفسها بقوة بغاية تدبير الشأن الثقافي بالمغرب، لأنه بدون تعبئة كل الطاقات والفاعلين الثقافيين الآخرين لا يمكن أن ننجح في إنجاز مهامنا. واستراتيجيتنا الجديدة تقوم على أربعة محاور أساسية:أولا، الارتكاز على ثقافة القرب حتى لا تبقى الثقافة مفهوما نخبويا يتداول في حيز ضيق، حيث علينا أن نعمل على أن تتوفر كل جهات وأقاليم المملكة على مراكز ثقافية بمعايير حديثة. كما أننا نفكر جديا في إرساء ثقافة جديدة تتجلى في المكتبات المتجولة التي تستهدف المناطق النائية، خاصة القروية منها. أما النقطة الثانية فتتجلى في دعم الإبداع والمبدعين داخل المجتمع، فالمجتمع الذي لا يعترف بمثقفيه ومبدعيه مجتمع غير مطمئن، ولن تكون البلاد كذلك مطمئنة بدون العناية بمثقفيها. ولنصل إلى هذه الوضعية الاعتبارية، ينبغي توسيع دعم الدولة للعملية الثقافية في كل الأصناف الإبداعية، بل يجب توسيع دائرة الأنشطة الثقافية الكبرى لتشمل مجالات أخرى كتنظيم معارض للفنون التشكيلية وأسبوع للمسرح المغربي...والأهم من كل ذلك هو كيف يمكننا أن نجعل هذه الأحداث الثقافية تستقطب جمهورا واسعا. أما المحوران الآخران فيرتبطان بتثمين التراث الوطني المادي واللامادي والحفاظ عليه وجعله إحدى رافعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتنشيط الدبلوماسية الثقافية لتلعب دورها في التعريف ببلادنا وبمنجزاتها على مختلف الأصعدة. - لكن يبدو أن هذه الاستراتيجية تقتضي التوفر على إمكانيات مادية كبيرة، مع العلم أن وزارة الثقافة ظلت أفقر الوزارات في الحكومات السابقة، هل ستدفع في اتجاه تخصيص ميزانية كبيرة للوزارة في القانون المالي المقبل؟ هناك اتجاهان فيما يخص ضمان الموارد المالية الكافية للوزارة.الأول يتعلق بتخصيص 1 بالمائة من ميزانيات الجماعات المحلية للشأن الثقافي، والثاني يتمثل في إفراد 1 بالمائة بالنسبة لميزانية الدولة لقطاع الثقافة، وهذا هدف سنسعى للوصول إليه في السنوات المقبلة. لكن ينبغي التأكيد على أن مجال الثقافة ليس حكرا على وزارة الثقافة، وإنما هو مسؤولية كل القطاعات الوزارية الأخرى والفاعلين الاقتصاديين والخواص. ومن حسنات الحكومة الجديدة أنها اتخذت من التضامن والانسجام الحكومي مبادئ عامة تؤطر عملها. اليوم نهيئ المخطط القطاعي ونعتزم تقديمه إلى رئيس الحكومة، لكن طلب منا كذلك أن نحدد تفاعلنا مع الوزارات الأخرى مثل وزارة التربية الوطنية ووزارة الشباب ووزارة الخارجية...، الأمر الذي يثبت أن توفير الموارد المالية للقطاع الثقافي ليست من اختصاص وزارة الثقافة لوحدها، وهناك إمكانية أخرى لضمان هذه الموارد، إذ هناك مؤسسات ثقافية كبيرة بالمغرب لها ارتباط بمقاولات وشركات قوية، وهذه المؤسسات الثقافية عبرت عن استعدادها لترسيخ محور القرب الثقافي في استراتيجيتنا الثقافية، وبالتالي ليس هناك تخوف من شح الاعتمادات المالية. والأهم في اعتقادي هو أن نتوفر على أولويات واضحة ورؤية دقيقة لما نريده من الشأن الثقافي لأن غياب هذين العنصرين سيحول دون التوفر على الموارد المالية الضرورية. وفي هذا الباب أسوق كمثال إنشاء مراكز ثقافية محلية، إذ بدأنا الإعداد لهذا التصور بتصنيف كل الجماعات والأقاليم حتى يتسنى لنا معرفة نوع المركز والخزانة المرافقة له بكل إقليم على حدة. - على المستوى السياسي، وجهت سهام نقد كثيرة إلى الحكومة بسبب ضعف تمثيليتها النسائية، وأصدر حزب التقدم والاشتراكية الذي تنتمي إليه بيانا فهم منه بأنه يطالب بتعديل حكومي. كيف نفهم هذا التناقض؟ وهل هو مؤشر على عدم تماسك الأغلبية الحكومية التي يقودها الإسلاميون؟ من فهم أن البيان يريد تعديلا حكوميا فوريا لم ينفذ إلى عمق الأشياء، فالبيان لم يتحدث عن تعديل حكومي، بل تحدث عن إمكانية تعزيز التواجد النسائي في أفق المرحلة المقبلة. مع ذلك دعنا نتوقف قليلا عند نقطة الحضور النسائي في الحكومة، فمن المعروف أن الحكومة السابقة تضمنت سبع وزيرات، وهنا أطرح السؤال: هل سمح هذا الحضور النسائي المتميز في الوزارات بتعزيز حضور النساء في التسيير الإداري؟ وكم من الأطر النسائية تم تعيينهن من طرف كل تلك الوزيرات؟.لا شك أن الإجابة ستكون سلبا، فإذا أردنا حقيقة أن نعزز حضور المرأة في الحكومة، ينبغي أن توجد في الإدارة وفي القطاع الخاص وفي المؤسسات العمومية، وبعد ذلك سيصير التعاطي مع استوزار النساء أمرا طبيعيا جدا. أما أن تمنح الوزارات للمرأة كنوع من الريع السياسي، فلن يكون لذلك في رأيي تأثير حقيقي على جعل المرأة تنخرط في تنمية البلاد. طبعا من حق المرأة أن تطالب بوجودها في التشكيلة الحكومية، وهذا ما نصر على حصوله، لكن ينبغي عليها أن تناضل كذلك داخل فروع الأحزاب على مستوى الجماعات المحلية والأقاليم. - لكن نُقل عن نجيب بوليف أنه صرح بأن الحزب الذي تنتمي إليه لم يرشح أسماء نسائية لشغل مناصب وزارية. إذا كان الأمر صحيحا، كيف يمكنك تفسير ذلك، سيما أن التقدم والاشتراكية يعتبر نفسه حداثيا وتقدميا؟ هذا غير صحيح، فحزب التقدم والاشتراكية قدم أربعة أسماء للاستوزار، لكن المنهجية التي تم اتباعها لتشكيل الأغلبية الحكومية لم تسمح بأن تكون نساء الحزب على رأس أي وزارة، نظرا لأن القطاعات الوزارية التي حصل عليها الحزب بعد التفاوض مع الأغلبية الحكومية لم تقدم بخصوصها أسماء نسائية. - قرار التقدم والاشتراكية المشاركة في أول حكومة يقودها الإسلاميون أجج غضب بعض القيادات الحزبية داخل الحزب، وفي مقدمتها محمد سعيد السعدي، ووصلت حدة الانتقادات لتسيير الحزب إلى حد التخوين بالخط الإيديولوجي. كيف تنظر إلى هذا الجدال؟ من الضروري أن نذكر بأن اتخاذ قرار مشاركة حزبنا في الحكومة كان قرارا ديمقراطيا صوتت عليه اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية بشكل واسع، بمعنى أن قواعد الحزب ساندت هذه المشاركة. والتخوف الذي يسود عند البعض هو أن هذه الحكومة محافظة، لكنها ليست كذلك بالمطلق، ولا ننسى أيضا أن هذه الحكومة جاءت بعد حركة قوية في الشارع طالبت بالمزيد من الديمقراطية وضمان حق الشعب المغربي في الكرامة وتوسيع فضاء الحريات، ثم دستور متقدم وانتخابات نزيهة، ليتصدر حزب العدالة والتنمية الذي يوصف بالإسلامي الانتخابات. وهنا من حقنا أن نتساءل: ما هي الأحزاب الوطنية التي لا تتوفر على مرجعية إسلامية؟.كل الأحزاب لديها، وإن بتفاوت، مرجعيات إسلامية. - هل تقصد أن التقدم والاشتراكية له أيضا مرجعية إسلامية؟ ليس بهذا المفهوم، لكن إذا عدت إلى القانون الأساسي للحزب ستجد أن حزبنا ينطلق من مبادئ اشتراكية تقدمية وحداثية، ومن قيم الإسلام السني المالكي المنفتح، وهي لا تتناقض مع هوية حزبنا، وأنا أرفض مصطلح الحكومة المحافظة. ونحن لم نأخذ بعين الاعتبار أن هذا حزب إسلامي وهذا غير ذلك لأنه منطق خاطئ. أرى أن حكومة السيد عبد الإله بنكيران بعيدة عن هذه التصنيفات الإيديولوجية لأن المجتمع المغربي ينظر إليها بكونها حكومة للتغيير والإصلاح. ولذلك، نحن ملزمون بإنجاح هذه التجربة لإنجاح دولة المؤسسات وفصل السلط، وحزبنا سيسهم من جانبه في تنزيل متقدم للدستور الجديد. - أثار قرار انضمام حزب الاتحاد الاشتراكي إلى المعارضة علامات استفهام كبيرة حول استمرارها بحكم مشاركة مكونين منها في الأغلبية الحكومية، هل يمكن القول إن الكتلة الديمقراطية انتهت؟ الكتلة الديمقراطية كفكرة أساسية للتداول وتقديم الاقتراحات في جيل الإصلاحات الجديدة من أجل بناء دولة المؤسسات ما تزال قائمة، لكن كقطب يقود هذه الإصلاحات تجاوزه التاريخ بوجود حزبين في الأغلبية وآخر في الحكومة. إذن الكتلة كقطب للتغيير أصبحت الآن متجاوزة . - هل نفهم من كلامك أن الكتلة لم تعد قطبا سياسيا؟ نعم. الكتلة بعد الانتخابات التشريعية، وبعد التدخلات التي وقعت لتشكيل الحكومة آنذاك، وبعد ظهور الحزب الجديد سنة 2008 ومحاولته التدخل في الحياة السياسية والحزبية وإرادته تفصيل الخريطة السياسية كما يريد عبر الدفع بهذا إلى المعارضة وهذا إلى الأغلبية، كان مطلوبا منها التصدي لهذا التوجه الذي كان يقود المغرب إلى الطريق المسدود، بل كان يمثل خطرا كبيرا على استقرار البلاد. وقتئذ كان على الكتلة أن تتخذ موقفا حازما مما يجري. نحن، في حزبنا، قمنا بدورنا عبر تنظيم ندوة وطنية لتقييم الانتخابات التشريعية، شرحنا فيها أوضاع المشهد السياسي وطالبنا بتعاقد سياسي جديد وفق دستور جديد. لكن للأسف كان هناك طرف لم يرد أن يدخل في هذه الصيرورة لتصبح الكتلة الديمقراطية قطبا حقيقيا للإصلاح. - من هو هذا الطرف؟ بعيدا عن أي بوليميك، ودون أي رغبة في إلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك، أعتقد أنه كان على إخوتنا في الاتحاد الاشتراكي، كطرف أساسي في المشهد السياسي، أن يدركوا دقة المرحلة، وأن يبادروا إلى جعل الكتلة الديمقراطية خلال سنتي 2008 و2009 تضطلع بدورها في إصلاح مسار الفساد السياسي، الذي كانت تسير فيه بلادنا بفعل ممارسات الفاعل الجديد الذي كان يريد إعادة النظر في الخريطة السياسية بكيفية مشوهة. وكان من المفروض على الكتلة أن تظهر بأنها ما تزال تتمتع بالقوة ولديها دور تاريخي في الإصلاح. في جميع الأحوال، تجاوزنا هذه الفترة، وأظن أن الجميع استخلص ما كان عليه أن يستخلصه. - أتقصد أن الكتلة الديمقراطية ماتت حينما لم تواجه ما أسميته بالحزب الجديد؟ الكتلة الديمقراطية فقدت الكثير من قدراتها حين ابتعدت عن بلورة رؤية إصلاحية قوية لبناء دولة المؤسسات، وهي لم تتمكن من الاضطلاع بدورها التاريخي.
لا مبرر للتخوفات من تهميش الأمازيغية من طرف الحكومة الجديدة - نص الدستور الجديد للمملكة على ترسيم الثقافة الأمازيغية مرفوقة بقانون تنظيمي يحدد كيفية تنزيلها، هل تتوفر على رؤية واضحة للعناية بهذا الموروث الثقافي؟ استراتيجية الوزارة في مجال النهوض بالثقافة الأمازيغية تنطلق من روح الدستور الجديد للمملكة، وانطلاقا من كون ثقافتنا الوطنية غنية بروافدها المتعددة (عربية، أمازيغية، أندلسية، صحراوية...) لكن يبقى الوعاء الجامع دائما هو الإسلام السني المالكي المنفتح على الآخر، بقيم كونية لا تتناقض مع الحداثة والديمقراطية وحرية التعبير والمساواة. وهذه خاصية سمحت للمغرب بتجاوز بعض المشاكل، في الوقت الذي فشلت بعض البلدان العربية الأخرى في تحقيق ذلك، وهويتنا بنيناها خلال قرون طويلة عبر التفاعل مع الحضارات المتوسطية والعربية والإسلامية والأمازيغية. يجب الاعتراف في هذا الصدد بأنه ما يزال هناك مشكل حقيقي، فقد مر المغرب في فترة الستينيات وقبلها بما يسمى برفض الآخر على الصعيد الثقافي، واليوم نعيش مرحلة قبول الآخر والتعددية الثقافية، ولم يعد هناك رافد يرفض الآخر، لكن هذا ليس كافيا، إذ نحتاج في الفترة الراهنة إلى بناء ثقافة وطنية موحِدة، بمعنى آخر أن تعايشي معك يعني أنني أدمج خصوصياتك. واندماج هذه الروافد الثقافية في إطار ثقافة وطنية موحدة يندرج ضمن اهتمامات المجتمع ببناء ثقافة وطنية موحدة في منأى عن صراعات جانبية لا تخدم الثقافة في شيء. أرى أن التغيرات السياسية التي طرأت على المغرب مؤخرا لم تأت مصادفة، أو فقط لأن الملك استجاب بسرعة لمطالب الإصلاح، بل لأن المغرب في عمقه التاريخي له خصوصيات هوياتية، سمحت للمغاربة بتكوين توافق على ما هو أساسي. - في السياق نفسه عبرت جمعيات تنتمي إلى المجتمع المدني عن تخوفاتها من أن لا تعامل اللغة الأمازيغية بنفس الأهمية التي تحظى بها العربية، بالرغم من التنصيص الدستوري عليها؟ قرأت تصريحات بعض الجمعيات فيما يتصل ببعض التخوفات من أن لا تتبوأ الثقافة الأمازيغية المكانة اللائقة بها في ظل الحكومة الجديدة، وأتصور أن مثل هذه الأحكام متسرعة، وحكومتنا هي في بداية اشتغالها، وهي تتضمن مكونات عديدة، لكنها اتفقت على ميثاق الأغلبية، الذي ينص على التنزيل الديمقراطي للدستور، خاصة فيما يرتبط بالحريات وحقوق الإنسان. إذن كيف نفهم تخوفات هؤلاء؟.أؤكد للجميع أن الحكومة تتعهد بتنزيل ديمقراطي للدستور وستوسع مجال الحريات وممارسة الفكر، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون الأمازيغية أو أي مكون ثقافي آخر مهمشا في المرحلة المقبلة. وربما هذه الأحكام المسبقة سيكشف المستقبل بأنها كانت خاطئة.