ناقش مجموعة من المثقفين في ندوة «أي مستقبل للثقافة العربية في ضوء المتغيرات الاجتماعية الجديدة»، التي احتضنتها قاعة صالح الشرقي، دور الثقافة العربية ومستقبلها وموقع المثقفين وآراءهم في ما تعرفه المجتمعات العربية من حراك سياسي وديمقراطي في الفترة الأخيرة. فقد رأى البعض ضرورة انخراط الثقافة في ترسيم ملامح المستقبل العربي٬ في إطار التحولات الاجتماعية والسياسية التي يشهدها الوطن العربي وفتح مساحات أكبر للحرية والديمقراطية. وذهب آخرون إلى أن هذه التحولات ساهمت فيها بشكل كبير وعلى مدى متواصل مختلف التعبيرات الثقافية الوطنية التي حملت لواء التنوير والتحديث ومناهضة المشاريع الاستبدادية والتخلف. وفي هذا السياق٬ انتقد الدكتور مصطفى القباج ضحالة دور الثقافة في التفاعل مع متطلبات الواقع الاجتماعي بسبب أزمة العلاقة مع السياسة والفكر والماضي، معتبرا أن واقعا عربيا متأزما لا يمكن إلا أن يفرز ثقافة عربية مأزومة. وبعد أن أشار إلى أن المستقبل العربي٬ الذي يؤطره اليوم صراع بين قوى الحداثة وقوى التقليد وسيكون مفتوحا على مختلف الاحتمالات٬ دعا القباج إلى «ميثاق ثقافة عربية جديدة للمستقبل وبناء معاصرة تقطع مع كل أصالة ولا تحتفظ إلا بما هو جدير بالاستمرارية». واعتبر أن «المدخل الرئيسي لثقافة جديدة يتمثل في إرساء ثقافة مشاركة وترسيخ توجه تنويري وإعادة تحديد الوظيفة الاجتماعية للثقافة والانفتاح على الجدل بين الحراك الاجتماعي والسياسي وأشكال التعبير عنه». أما الروائي حميد سعيد (من العراق) فقد تساءل عن حدود ما يقع، وهل هو متغير اجتماعي أم اعتراض على ما هو قائم وانفتاح على ما سيأتي، مشددا على أنه بعيدا عن الحماسة النظرية٬ «يتعين النظر إلى الواقع، كما هو وليس كما نراه نحن وفق رغباتنا». وفي معرض جوابه عن هذا التساؤل٬ أوضح سعيد أن «ما يقع لم يصل إلى حدود الانشقاقات التاريخية الكبرى»، مشيرا إلى أن هذه التحولات حصلت على اعتبار أن مجموعة من الأنظمة أوصلت مجتمعاتها إلى حالة قصوى من الإنهاك والتفقير وانسداد آفاق تطورها. ولاحظ حميد سعيد أن هذه التحولات تطرح مسألة تباين الدور العربي والداخلي مع الأدوار الغربية في هذا المجال وكذا الوقوف عند ما حققته القوى الإسلامية وقدرتها على التحرر من مركزية السلطة والمقدس والانفتاح على المستقبل. وبدوره، استعرض عماد أبو غازي مسار الثورة المصرية وأشكال المساهمات الثقافية والفنية في مسارها ورفدها بعوامل النجاح وتقوية عودها وضمان ديمومتها، معتبرا أن الثورة المصرية حررت الثقافة من حصار دام سنوات طويلة، وتعيش الآن راهنا صعبا بسبب القيود المفروضة عليها، مما يقتضي صون تلك المكاسب وحفظها. وقال أبو غازي إن «المثقفين لم يكونوا بعيدين عن الثورة والتحولات، حيث سبقتها سنوات من التحضير وظهور كتابات وأصوات مستقلة وممانعة، تلاها ظهور جيل جديد من الشباب». وأشار إلى أن «الثورات العربية مليئة بالتناقضات، إذ إنها في الوقت الذي تسعى إلى التحرر والقطع مع الحكم الاستبدادي وهدم منظومة قيم سائدة أتت٬ في نفس الوقت بنماذج قد تأتي باستبداد جديد». أما المفكر كمال عبد اللطيف فقد تحفظ على إطلاق مصطلح «ثورة» على ما يقع في العالم العربي٬ واصفا الوضع ب»الغامض»٬ الذي أفرز ما سماه «ورطة سياسية كبرى»، بعد فشل المشروع القومي العربي والمشاريع الليبرالية التي عرفتها الكثير من البلدان وتراجع اليسار وتنامي قوى توظف الدين في السياسة، قائلا «إننا في حاجة إلى ثورة ثقافية تكون درعا آمنة لمواجهة أشكال الحرب في زمن الورطة الحاصلة واستكمال مشاريع الإصلاح الديني ونقد التراث»، داعيا إلى العمل من أجل بناء جبهة للفكر التاريخي الحداثي من أجل توطين المقاربات التاريخية والمساهمة في إيقاف مسلسل التراجعات والانكفاء وبناء درع لمواجهة صور الاندحار الثقافي منذ عقود وإرساء رؤية شاملة لمختلف زوايا النهوض والتنمية». ودافع محمد برادة عن المساهمة الفعالة للثقافة في التحولات الحاصلة، معتبرا أن «ما ساد لفترة طويلة هو ذلك الصراع والفراق بين السياسي والثقافي، الذي كان عنوان فترة ما بعد الاستقلال، بعد أن كانت العلاقة بينهما قائمة على التفاعل إبان الكفاح ضد الاستعمار من خلال صوغ متخيل وطني».