العسكر يزدادون سطلة والسلفيون خلقوا المفاجأة في أول انتخابات تشريعية بعد سقوط نظام مبارك، وصار الإسلاميون، عموما، القوة السياسية الأولى في البلاد ومستقبل الأخيرة السياسي مفتوح على جميع الاحتمالات وفرحة شباب ميدان التحرير بالثورة لم تكتمل بعد.. قبل سنة من الآن، كان المصريون يطالبون من ميدان التحرير بتنحي مبارك. وقد تأتى لهم إسقاط النظام السابق في ظرف 18 يوما. سنة بعد تنحي مبارك، ما يزال ميدان التحرير قلبَ الاحتجاجات الذي لا يهدأ. غير أن فرحة 11 فبراير 2011 انقلبت، في الذكرى الأولى لنجاح الثورة في إسقاط نظام مبارك إلى غضب وإحباط، وتوشك أن تتحول إلى يأس من التغيير.، إذ تبدو الثورة المصرية أكثر الثورات العربية جميعها بعدا عن تحقيق أهدافها، وبذلك تبدو أقلها اكتمالا. ففي ظرف بضعة أشهر، نجحت تونس في إخراج المجلس التأسيسي إلى حيّز الوجود وأصبحت، فوق ذلك، تتوفر على أغلبية ومعارضة داخل البرلمان وعلى رئيس، كان أحدَ أبرز وجوه المعارضة السابقة. في ليبيا، تتضح، يوما بعد آخر، معالم التغيير الذي طال السلطة في البلاد، رغم أعمال العنف والغموض الذي ما يزال يلف مستقبل الديمقراطية في البلاد. أما ثورة مصر فما تزال في مفترق الطرق. ويحذر أكثر المتتبعين للشأن المصري تشاؤما من شبح «سكتة» يتهدد البلاد، ذلك أن العسكر، الذين كانوا يعتبرون أثناء النضال من أجل إسقاط نظام مبارك، «حُُماة الشعب»، بات شباب الثورة يعتبرهم، في الذكرى الأولى لسقوط النظام السابق، «أعداء الشعب».. وقد سجل تزايد ملحوظ في المواجهات بين الطرفين في الأشهر الأخيرة. وتتكرر المشاهد نفسها في جميع مواجهات العسكر وشباب الثورة: قوات الأمن تتدخل بقوة لتفريق وقفة احتجاجية، قبل أن تتطور الأمور إلى مواجهة دامية يسقط فيها قتلى وجرحى. وهذا ما حدث بالفعل في تواريخ متفرقة من الربع الأخير من السنة الأولى للثورة. المَشاهد نفسها تم تناقلها في 9 أكتوبر الماضي أثناء احتجاجات ومظاهرات الأقباط، وتكررت في 18 نونبر الموالي في ميدان التحرير، ثم عادت بقوة، مرة ثالثة، في 16 دجنبر الماضي أمام مقر رئاسة الوزراء في العاصمة القاهرة. في المقابل، لا أحد يعلم إلى أي فئة من الفئتين تميل الأغلبية الصامتة، تلك التي تكتفي بمتابعة تطورات الأحداث عبر وسائل الإعلام، خصوصا القنوات التلفزيونية. فإذا كان معظم المصريين يطالبون بالإسراع في إعادة الأمور إلى طبيعتها، لتنامي انشغالهم بانعدام الأمن وتضررهم من تباطؤ الأنشطة الاقتصادية، فإن كثيرا منهم عبّروا عن امتعاضهم من النقص الحاصل في البلاد في مادتي الغاز والبنزين، إضافة إلى عودة السلطة إلى التعامل مع الأزمات بأسلوب النظام السابق، من خلال الإصرار على نفي وجود الأزمات، بدل العمل على مواجهتها. وقد أكد استطلاع أنجزه مركز التحليل الاجتماعي والاقتصادي «غالوب» في غشت الماضي، أن 40 في المائة من المصريين يواجهون صعوبات كبيرة للعيش بمدخولهم الحالي، في ظل الظروف التي تجتازها البلاد، مقابل 22 في المائة فقط في أكتوبر 2010. ويفسر هذا الوضع بارتفاع أسعار المواد الغذائية بنحو 13 في المائة من دجنبر 2010 إلى الشهر نفسه من السنة الماضية، إضافة إلى تسجيل معدل بطالة في حدود 12 في المائة في الربع الأخير من السنة الماضية، مقابل 10 في المائة خلال الفترة ذاتها من سنة 2010. فوضى عاشت مصر انتخاباتها التشريعية الأولى بعد إسقاط نظام مبارك، والتي وصفت بالتاريخية النزيهة، على إيقاعات الفوضى. وقد أفرزت هذه الاستحقاقات، التي نظمت على ثلاث مراحل، واحتكم فيها إلى نظام اقتراعي مزدوج، لائحي في بعض الدوائر وفردي في أخرى، انتصارا إسلاميا كاسحا، إذ استطاع حزب العدالة والحرية، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، الاستحواذ على ما لا يقل على 45 في المائة من مقاعد أول مجلس شعب بعد مبارك. سلفيو حزب النور خلقوا أياض مفاجأة كبرى، بعد أن تمكنوا من الظفر بنحو 25 في المائة من الأصوات. وفي المقابل، طغى الانقسام على صفوف الليبراليين، ولم يستطيعوا الحصول على نتيجة أفضل من 18 في المائة من مقاعد مجلس الشعب. «خضنا الانتخابات بأحزاب عديدة وإيديولوجيات كثيرة وبرامج اقتصادية متباينة»، يقول راوي كامل تويج، الكاتب العام لحزب المصريين الأحرار. وقد كان هذا الحزب، الذي يتولى تمويلَه الملياردير القبطي نجيب ساوريس، طرفا في تحالف استطاع لوحده أن يظفر ب7 في المائة من الأصوات. وأضاف راوي كامل التويج قائلا، بنبرة تنم عن اطمئنان بالمستقبل: «ثمة توافق بين القوى الليبرالية بخصوص الحريات الأساسية والمقتضيات الرئيسية التي ينبغي أن يتضمنها الدستور المقبل، وسنكون جبهة موحدة أثناء صياغة الوثيقة الدستورية الجديدة»، لكن الانتظار ما يزال سيد الموقف في هذا المجال. ووفق الفصل ال60 من الإعلان التأسيسي الصادر في 31 مارس 2011، والذي تبناه المجلس العسكري من جانب واحد، فإن مجلس الشعب المُنتخَب ومجلس الشيوخ الجاري انتخابه حاليا، مدعوان إلى انتخاب مجلس تأسيسي مكون من 100 عضو ستناط بهم مهمة وضع الدستور الجديد للبلاد قبل عرضه على أنظار الشعب عبر آلية الاستفتاء الشعبي، وهذا يعني أن المفاوضات لن تنطلق قبل 28 فبراير الجاري، تاريخ الجلسة الافتتاحية لمجلس الشيوخ في حلته الجديدة. «العسكر والإخوان المسلمون متفقون على عدم تغيير أي شيء من الفصول الأربعة الأولى من الدستور الحالي، أي كل ما يخص اعتبار الشريعة المصدرَ الأساسي للتشريع ودسترة الإسلام دينا للدولة وجميع المقتضيات المتعلقة بالهوية الوطنية»، يقول الخبير في الشؤون المصرية، توفيق أكليماندوس. وفي المقابل، سيحرص الطرفان سالفا الذكر، حسب الخبير نفسه، على «تغيير المقتضيات المتعلقة بصلاحيات وسلطات رئيس الدولة وطبيعة النظام. ولا نعلم، إلى حدود الساعة، ما إذا كان العسكر والإخوان المسلمون سيدفعون في اتجاه تبني النظام الرئاسي أو النظام البرلماني أو نظام مزدوج يجمع صفات من النظامين الكلاسيكيين». غير أنه لا أحد يمكنه القول إن الأحزاب الإسلامية، التي تتوفر على الأغلبية في البرلمان، ستسمح للتيار الليبرالي بالمشاركة في تحرير الوثيقة الدستورية المقبلة. لا يضع الإعلان التأسيسي سالف الذكر إكراهات أمام الإسلاميين في حالة أرادوا إقصاء الليبراليين من المشاركة في صياغة دستور ما بعد مبارك. وفي هذا السياق، يقول رأفت فودة، أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة: «خلافا لتأكيدات الإسلاميين، يمكن لجماعة الإخوان المسلمين أن تختار تجاهل الليبراليين، والاعتقاد بأن الإسلاميين سيمنحون مصر دستورا غير إسلامي تفاؤل في غير محله». الغموض الشامل لا يشاطر توفيق أكليماندوس رأفت فودة التشاؤم ذاته حيال قدرة الإسلاميين على إقصاء الليبراليين من المشاركة في وضع الدستور الجديدة لبلاد الكنانة. يُذكّر أكليماندوس بأن الإخوان المسلمين لا يتوفرون على الأغلبية داخل البرلمان، وهذا ما سيجعلهم ملزمين بالدخول في تحالف موسع. ويتوقع هذا الخبير في الشؤون المصرية أن «يعمل الإخوان المسلمون على إرضاء الجميع. سيحاولون التحالف مع ليبراليي حزب الوفد ويمكن أن يعمدوا إلى أن يولوا وجوههم صوب الأحزاب السلفية الصغرى». لهذه الأسباب يحتفظ الليبراليون بأمل في المشاركة في عملية وضع الدستور المصري الجديد، إذ من باب الفطنة والحكمة، حسب راوي كامل تويج، الكاتب العام لحزب المصريين الأحرار، أن «يحرص الإسلاميون على إشراك جميع القوى السياسية في عملية صياغة الدستور الجديد لكي تحظى البلاد بوثيقة دستورية تمثل مجموع فئات السكان. يدرك الإسلاميون أن نصرهم الانتخابي يرجع إلى طبيعة نظام الاقتراع المعتمَد في الاستحقاقات التشريعية. ونأمل ألا يتبنوا أساليب الحزب الوطني الديمقراطي أيام مبارك ويُقْدِموا على إقصائنا». سياسيا، يظل الغموض السمة البارزة للحياة السياسية الراهنة في مصر، ويلف هذا الغموض بالأساس انتداب مجلس الشعب الحالي ومجلس الشيوخ الجاري انتخابه. مبدئيا، يجب أن يتم حل مجلسي البرلمان بمجرد المصادقة على الدستور الجديد «إذا لم يتم إدخال تعديلات في القانون الأساسي تقضي باستمرار المجلسين في مزاولة أعمالها بعد إخراج الدستور الجديد إلى حيز الوجود» يستدرك رأفت فودة، أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة. وتبقى كذلك مسألة عالقة، وهي من الأهمية بمكان، تتعلق بالدور المستقبلي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في الحياة السياسية بعد إقرار الدستور المنتظر. ففي نونبر الماضي، أثار إجراء يضرب الأعراف الدستورية في الصميم أقدم عليه علي السلمي، نائب الوزير الأول سابقا، سجالا كبيرا. وقد اعتبر بمثابة تدبير من المجلس العسكري لجس نبض الشارع في موضوع السلطات المخولة له حاليا وطبيعة الصلاحيات التي ستناط به مستقبلا. وقد أصدر علي السلمي وثيقة تعتبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة «ضامن الشرعية الدستورية»، وتمنح حرية مطلقة للمجلس لتدبير شؤونه الخاصة. لكن هذه الوثيقة أجهضت بعد التعديل الوزاري ل7 أكتوبر الماضي. أكثر من ذلك، نقلت، مؤخرا، تصريحات عن قادة إسلاميين وسلفيين يثيرون فيها إمكانية تمتيع العسكر بالحصانة في مجال الأخطاء المتعلقة بالتدبير. وتحدث محمود غُزلان، النطاق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، بوضوح عن هذا الإجراء في تصريحات أدلى بها في ثاني يناير الأخير. وقال غزلان عن الحصانة الممكن تمتيع العسكر بها إنها «إجراء لا يزعج ولا يضايق جماعته في شيء، إذا كانت ستسهل عملية نقل السلطة». وبخصوص حالات القتل التي تُوجَّه أصابع الاتهام بارتكابها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أكد غزلان إمكانية إيجاد حلول ودية لهذه القضية في حالة بادر المجلس إلى الاعتذار لأسر الضحايا وأجزل لهم تعويضات. ومن جهته، اعتبر الشيخ حازم أبو إسماعيل، المرشح السلفي لمنصب رئيس الجمهورية، في خروج إعلامي له بتاريخ 9 يناير الماضي، أن «الحصانة قد تكون حلا براغماتيا لمصالحة الشعب مع العسكر، الذين يتوفرون على شبكة مصالح ويحظون بدعم دولي»، في حالة ما إذا أبدى المجلس عزمه على الانسحاب بشكل سلمي من الحياة السياسية. صمود العسكر يبدو المجلس الأعلى للقوات المسلحة مُصرّاً على الاحتفاظ بنفوذه وتأثيره في الحياة السياسية لمصر. في 7 دجنبر الماضي، نظم المجلس ندوة صحافية ليعلن أمام حشد من ممثلي وسائل الإعلام أن «مصر تعيش المراحل الأولى من ديمقراطيتها». وفي الندوة ذاتها، حرص العسكر على تأكيد أمر ذي دلالات، ويتمثل في كون «البرلمان الحالي لا يمثل كافة أطياف المجتمع». واعتبر متتبعو الشؤون المصرية هذه العبارة إعلانا مبطنا للحرب على السلفيين. نظريا، لا ينبغي أن تتم دسترة الدور السياسي للمجلس العسكري، لأن أي وثيقة دستورية تسير في هذا الاتجاه، لن تحظى بدعم الشعب، وسيطيح بها لا محالة عبر آلية الاستفتاء الشعبي استنادا إلى رأفت فودة. ويؤكد هذا الأخير أن الوثيقة التي أصدرها علي السلمي، والتي سبقت الإشارة إليها، هي التي كانت السبب الرئيسي في إسقاط حكومة عصام شرف، ويعتبر الأستاذ الجامعي هذه الوضعية نتاج سنوات من حكم العسكر. من جمال عبد الناصر إلى مبارك، مرورا بأنور السادات. غير أن وفيق الغيطاتي، المنسق العام لحزب الوفد، الحزب الليبرالي التاريخي، يتوقع أن تأخذ الأمور في مصر منحى آخر، حيث قال: «أشك في أن يترك العسكر السلطة»، ثم أضاف: «وحتى إذا تخلى المجلس عن السلطة لصالح المدني، فإنه سيظل يؤثر على الحياة السياسية في البلاد». عن «جون أفريك»
من يكون «الرئيس» المقبل؟ بعد إتمام انتخاب نواب البرلمان، بمجلسيه، سيكون المصريون مدعوين إلى التوجه من جديد إلى صناديق الاقتراع في يونيو المقبل من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ورغم أن وسائل الإعلام المصرية والدولية تتناقل تصريحات عن مرشحين محتملين لأولى الانتخابات الرئاسية في بلاد الكنانة بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق محمد حسني بمارك، فإن أسماء المرشحين للرئاسة لن تُعرَف قبل 15 أبريل المقبل. وفي انتظار موعد وضع الترشيحات، تتواصل المعاركة الإعلامية بين المرشحين، وينتظر أن تكون لنتائج الانتخابات التشريعية تأثيرات على هذه المعارك. وكانت أولى النتائج إعلان محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي كان يُقدَّم بوصفه المرشح الذي يحظى بالدعم الدولي، انسحابه من سباق المنافسة على رئاسة مصر بعد الإعلان عن اكتساح حزب العدالة والحرية، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، انتخابات مجلس الشعب، متبوعا بحزب النور السلفي. ومع ذلك، يؤكد الخبير في الشؤون المصرية، توفيق أكليماندوس، أن هذا الصراع سينحصر، في نهاية المطاف، بين ثلاثة أسماء هي عمرو موسى وموسى حسن ونبيل العربي، الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية. ورغم أن هذين الاسمين الأخيرين لم يعلنا عزمها خوض الانتخابات الرسمية، كما فعل عمر موسى، فإن اسميهما يطرحان بقوة. يحظى منصور حسن، وزير الإعلام والثقافة في عهد أنور السادات، بالقبول من قِبَل مجموع الأطياف السياسية، بفضل مواقفه الموسومة بالاعتدال، في حين ترك نبيل العربي آثارا طيبة أثناء قيادته الدبلوماسية المصرية في وقت سابق. أكثر من ذلك، فإن «منصور والعريب مرشحان يحظيان بقبول كل من المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين»، وفق توفيق أكليماندوس. أما عمرو موسى، فقد منحته استطلاعات الرأي حظوظا بنسبة تفوق 38 في المائة للوصول إلى كرسي رئاسة مصر. وينتظر أن تضم قائمة المشرحين، أيضا، أسماء أخرى مثل عبد المنعم أبو الفتوح، من جماعة الإخوان المسلمين، وحازم أبو إسماعيل، عن حزب التيار السلفي، وحمين صباحي، مؤسس حزب الكرامة، ذي الميولات الناصرية، إضافة إلى امرأة وحيدة هي بثينة كامل، وهي صحافية معروفة بمناهضتها للعسكر.