أصبحت قرية أنفكو، الراقدة على قمم جبال الأطلس، مرادفا للبرد والثلج، تحجز لنفسها سنويا مساحة زمنية في نشرات القنوات التلفزية، وتتحول إلى مزار للصحافيين ولقوافل التضامن الموسمي. أصبح سكان أنفكو والمناطق المجاورة يحفظون عن ظهر قلب أسماء الصحافيين وفاعلي الخير وسائقي شاحنات المساعدات وأفراد الجيش والقوات المساعدة الذين يرابطون بهذه المنطقة كلما حل موسم الشتاء. أطفال أنفكو يستفيدون من عطلة استثنائية كلما كسا البياض الطرقات، فينشغلون بتسلق السيارات المحملة بالمساعدات ويتحلقون حول الزوار الموسميين الذين يقتسمون معهم برودة المكان وقساوة الزمان أمام عدسات المصورين، ويحولون دفاترهم، عند الاقتضاء، إلى كراسات تدفئة. عندما تحاصر الثلوج سكان المناطق الجبلية في الأطلس، تفضل الحكومة معالجة النكبة الطبيعية وفق مقاربة علاجية تنتظر استكمال الثلج حصاره لتتحرك قوافل التضامن صوب الدواوير المعزولة من أجل توزيع «بطاطين» والأفرشة ولألبسة وعلب مصبرة وشاي وسكر وزيت ودواء. يقف سكان المنطقة في طوابير، ينتظرون دورهم وهم يشكرون الأحوال الجوية القاسية التي جعلت هذه المنطقة المعزولة مزارا سنويا للمبادرات الإحسانية. على الحكومة المغربية أن تقطع مع المقاربات العلاجية في تدبير الكوارث الطبيعية، إذ غالبا ما تنتظر حصول الكارثة لتعالجها بالمساعدات وإحصاء الخسائر ودفن رفات الموتى، بدل اعتماد مقاربة وقائية تعالج الظاهرة بشكل استباقي قبل وقوعها، لأن فك العزلة عن المناطق المحاصرة لا يتم في فصل الشتاء حين يصدر الثلج والبرد حكما بالإقامة الجبرية على سكان يعيشون على قمم الجبال وفي قاع التنمية، بل بإنجاز شبكة طرقية متينة وتمكين سكان المنطقة من شروط العيش الكريم، ببناء مستوصفات القرب ومدارس القرب وملاعب القرب وتوفير خشب لتدفئة الأطراف ومشاريع تنموية لتدفئة الجيوب الباردة. في منطقة تزورها النكبة سنويا ويتكالب عليها الفقر والبرد والثلج والمرض، فتحتل مرتبة تحت الصفر، لا يمكن للجرافات الرابضة على جنبات الطرقات المهترئة أو لعب الأطفال التي توزع أمام الكاميرات أن تنهي المأساة، في غياب معالجة شاملة لظاهرة العزلة الطبيعية التي حولت هذه المناطق إلى «فريكوات» كبيرة. ومن المفارقات الغريبة أن يرفع علم المغرب خفاقا في جبال انسبورغ النمساوية خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية للشباب، ففي زمن حصار أنفكو كان مغربي يسمى آدم لمحمدي يصعد على منصة التتويج ليفوز بأول ميدالية ذهبية في تاريخ مشاركة المغرب في رياضة التزلج على الجليد، لا يمارس آدم رياضته المفضلة في قرية أنفكو أو في تيزن تيشكا، بل في جبال كندا بعيدا عن قوافل التضامن، لذا نقترح على بطلنا إقامة معسكر تدريبي في أنفكو ليعلم شباب المنطقة رياضة تعفيهم من الصدقات. ولأن الثلج اقترن في أذهان المسؤولين عن الشأن العام بالسياحة الجبلية، فإن فكرة البرنامج التلفزيوني «جرب وحكم» تبدو رائعة لو تغيرت الأدوار وطلبنا من مسؤول في العاصمة القيام بتجربة فريدة، تحوله إلى أحد قاطني دواوير تجعل الإنسان كائنا «كونجلي»، حينها سيشعر بمأساة سكان لا فرق بينهم وبين جثث مستودع الأموات إلا بالروح التي لازالت تسكن الجسد.