حكايتهم تتجدد مع كل عام، وكل عام لا يصلهم منا سوى الأسف. كلما سارت درجات الحرارة لتعانق الصفر وتكمل انحدارها تتأزم وضعيتهم الاجتماعية والصحية والمادية. هم محسوبون على هذا الوطن لكن، لا شيء يدل على انتمائهم سوى هذه القمم الشامخة التي بنوا من طينها وأحجارها بيوتا لهم وحرصهم على بلوغ مكاتب التصويت في الساعات المبكرة لكل صباح انتخابي. دواوير عديدة يعيش سكانها وضعية جد متأزمة خلال فصل الشتاء عندما تنخفض درجات الحرارة وتبدأ التساقطات الثلجية في غمر بيوتهم وإثقال سقوفها الوهنة إلى أن تتهدم على رؤوسهم. جولة الصباح المبكر قد لا تنعم عليهم في كل يوم بأخشاب لتدفئة بيوتهم المتجمدة أوصالها. ثيابهم البالية لا تقيهم البرد القارس الذي يجمد ملامحهم، مدارسهم في عطلة إلى أن تهدأ العاصفة. المسالك إلى أسواقهم الأسبوعية مقطوعة بسبب تراكم الثلوج أو فيضانات الأودية التي تحاصر دواويرهم. الشاحنات التي تنقلهم من قرية لأخرى يتقاسمونها مع دوابهم وماشيتهم. المؤونة الوحيدة التي يحرصون على توفرها في البيت عندما ترعد السماء: دقيق، وسكر ليصبح غذاؤهم الوحيد والرئيسي كل يوم هو الخبز والشاي، إلى أن تنفرج الغيوم. تلك حكايتهم، بعجالة شديدة اقتضاها حيز هذا الركن، وهي معاناة لا تنتهي إلا كي تبدأ من جديد. تتطابق درجات الحرارة في هذه المرتفعات مع درجات التنمية المنحدرة إلى الحضيض بهذه القرى النائية والمعزولة، حيث تنعدم الطرقات الآمنة التي تسمح بالمرور وتبتعد المستوصفات عن المرضى الذين يتركون لمواجهة مصيرهم، فيموت منهم العشرات بسبب أمراض بسيطة لم يتم علاجها، وكلنا يتذكر ما فعل مرض الحصبة بثلاثين طفلا في منطقة أنفكو قبل سنوات. في تلك المرتفعات تغيب المرافق الاجتماعية الضرورية لكل تجمع بشري. لا مورد دخل حقيقي للسكان لا تعويضات اجتماعية لا وثائق إدارية.. لا دولة!