جلس كلاهما أمام الآخر: رجل صامت، شاحب، منطفئ، أمام امرأة جميلة، منتبهة، متعطرة، شعرها مصفوف بعناية، تشتكي وتجادل في زوجها، الذي لم يعد يرغب في معاشرتها، حتى تعبت وملّت من اللهاث وراءه وطلبه للفراش.. وبما أن شدة الألم والمعاناة إما أن تجعلك مجنونا أو شاعرا، فكان من حظي أن أستمع إلى شعر زوجة معذبة -أذكره بمعناه- تقول فيه إنها صارت وردة مهملة وزهرة منسية، لم تجد شاعرا يتغزل بها ولا بستانيا يرويها ولا عاشقا يستنشق عطرها ولا محبا يلثمها ولا أصابع تلاعبها ولا «أياديَّ خشنة» تقطفها، ثم في أصيص تغرسها.. تحس أنها صارت منبوذة، متروكة في العراء العاطفي، يلفحها صقيع الوحشة والحرمان.. وضعْتُ أمامها صندوق المناديل الورقية لتسل منه ما تمسح به دموعها، أمام زوج متسمر على مقعده كقطعة أثاث في المكتب، لا يعرف كيف يواسيها أو يمنعها من سكب عبراتها... عرفت أنني أمام حالة برود جنسي رجالي.. وأن هذا الجالس أمامي قبالة زوجته يعاني من موت أجمل ما في حياة الأزواج، وهو الرغبة الجنسية... كنت على يقين أنه ينتظرني عمل شاق ومضن للوصول إلى تشخيص السبب، ثم العلاج. يعرّف علماء النفس الاجتماعي الرغبة الجنسية بأنها «مجموع المظاهر والتفاعلات البيولوجية والنفسية والذهنية والسلوكية -الموضوعية والذاتية- التي تسبق العلاقة الجنسية».. تسمى أيضا الشهية الجنسية و«اللبيدو»، ويطلق عليها الأدباء «العشق» و«الشهوة» و«الشوق»، ولا يصح تسميتها أبدا اللذة أو المتعة، لأنهما يرافقان العلاقة الجنسية ولا يسبقانها.. أما ضعف الرغبة الجنسية، أو البرود الجنسي، فهي نقص الاهتمام بكل ما هو جنسي، قد يصل في أقصى الحالات إلى فقدان الانشغال بكل ما له صلة بالجنس. وطبيا، تعرفه الجمعية الأمريكية للعلوم النفسية بأنه نقص أو غياب مستمر أو متكرر للأفكار الجنسية وللمبادرة إلى علاقة جنسية، ويشترط أن يكون هذا الاضطراب مصدر معاناة فردية أو زوجية. نميز بين أنواع كثيرة من البرود الجنسي، كالأولي، الذي يظهر منذ بداية الحياة الجنسية. والثانوي، الذي يأتي بعد فترة من نشاط جنسي طبيعي، نميز أيضا بين الضعف الكلي في جميع الحالات والأوقات والظرفي، الذي يحدث فقط في ظروف معينة وبشروط محددة. أما أسبابه فمتنوعة ويصعب أن يحصرها مقال واحد، نختصرها في ما يلي: 1- أسباب عضوية -الاضطرابات الهرمونية، -السكري، -أمراض القلب والشرايين، -اضطرابات الدهون في الدم، -القصور الكلوي، -تناول بعض الأدوية، -إدمان الكحول والمخدرات، -التدخين، -الأمراض المزمنة، 2- أسباب سيكولوجية -ضحايا الاعتداءات الجنسية.، - تربية جنسية منحرفة، - اضطرابات الشخصية، - الشذوذ الجنسين - متلازمة توتر الأداء، - الاكتئاب النفسي. 3 -أسباب اجتماعية واقتصادية: -سكن غير ملائم لإقامة علاقة جنسية، -مركز اجتماعي دوني وحقير، -الروتين والتكرار الرتيب للعلاقة الحميمة، -العقم يعتبر من الأسباب المعقدة لخفوت الرغبة لأن الرجال يخلطون بين الخصوبة والفحولة.. يقول الباحث الجنساني وصاحب الكتب الأكثر مبيعا يان كيمر إن الرجال حول العالم يسجلون نسبا عالية وغير معتادة من نقصان الرغبة الجنسية، بشكل لم يحصل من قبل، وفسر كيمر أن الرجال يتحركون جنسيا بدافع من ثقتهم في أنفسهم، ولكن هذه الثقة تراجعت بشدة خلال الأشهر الماضية بسبب الأزمة الاقتصادية التي سببت فقدان ملايين الوظائف، فجعلت الرجال يشعرون بالقلق وحتى بضعف الرجولة، خاصة أنهم المعيلون الوحيدون لأسرهم في أغلب الأحيان. كما أضاف أن التكنولوجيا الحديثة أفرزت عاملا جديدا يتمثل في هوس بعض الرجال المتزايد بمتابعة مقاطع الجنس والصور الإباحية عبر الأنترنت التي أصبحت في المتناوَل، سواء في البيت أو العمل أو المقاهي.. حيث ارتفعت عتبة الإثارة لديهم بشكل كبير، فسابقا كان الرجال يثارون بصوت المرأة أو حركتها أو عطرها أو رنين خلخالها!.. أما اليوم فلم يعودوا كذلك، حيث مسخت نساء «البورنو» رغبتهم، حتى تولد لديهم شعور خاطئ بأن النساء الحقيقيات لا يمكنهنّ إشباع رغباتهم.. علاج ضعف الرغبة الجنسية صعب ومعقد، يصطدم عادة برفض الشخص للعلاج ومقاومته التغيير والإحجام عن مسايرة الإرشادات الطبية ويتطلب، في غالب الحالات، إقحام الزوجة -التي تكون عادة محبطة ومتأثرة جدا بإهمال الزوج لها- وتحفيزها على أن تكون طرفا فعالا في العلاج. كما يتطلب العلاج من الطبيب إنصاتا وصبرا مثاليين. وتتضمن الوصفة، عادة، بعض المثيرات للرغبة، كالهرمونات الذكورية، وبعض العقاقير التي طُرِحت حديثا في الأسواق وعلاجات نفسية فردية أو زوجية أو جنسية.. وعموما، فالعلاج معادلة صعبة في الطب الجنسي، لأنه يطرح عدة إشكالات في التشخيص والأسباب والمآلات.. وأما صاحبنا فقد تبيَّنَ أنه مهاجر مغربي في إسبانيا، بقي بدون شغل وزادته الجامعة المغربية لكرة القدم اكتئابا، بمدربها وفريقها والمشاركة المخزية في الكأس الأفريقية للأمم!.. فضلا، أقيلوا أنفسكم وارحلوا.. ولا تزيدوا الطين بلة.. استشاري علوم جنسية