هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء        الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    "دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب        أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيگر للمساء : القطاع العام هو الذي يتوجب عليه قيادة التصنيع في البلاد
الاقتصادي المغربي قال إن مخطط انبثاق الصناعي يجعل من المغرب بلد مناولة بامتياز
نشر في المساء يوم 08 - 02 - 2012

لماذا تراجع حضور الصناعة في الاقتصاد المغربي؟ وما دور النمط الاقتصادي الذي سار على هديه المغرب في تلك الوضعية؟ وهل يشكل مخطط انبثاق الصناعي
مدخلا لوضع أسس سياسة تصنيع؟ وما هي شروط الانخراط في سياسة تصنيع؟.. تلك أسئلة تستحق أن تطرح في الظرفية الحالية التي تتميز بهشاشة النمو الاقتصادي، الذي لا يخلق ما يكفي من مناصب الشغل.. أسئلة حاولنا مقاربتها مع الاقتصادي المغربي، محمد الشيگر، فكان الحوار التالي.
- يبدو أن حضور الصناعة تراجع في النسيج الاقتصادي المغربي في السنوات الأخيرة، غير أنه ما فتئت بعض الدعوات تؤكد على أهمية التصنيع بالنسبة لبلد مثل المغرب، ما الذي يبرر إثارة موضوع التصنيع في الظرفية الحالية؟
شخصيا كنت ولازلت من دعاة التصنيع. فالتصنيع ثم التصنيع ولا محيد عن التصنيع. ردا على سؤالكم، من الأسباب التي تبرر إثارة موضوع التصنيع في الظرفية الحالية هناك:
أولا، الجانب الجيو استراتيجي. فالبلدان التي توجد في طريق التصنيع حاليا، أي البلدان الناشئة أو البازغة، هي البلدان التي ستستفيد بالدرجة الأولى من التوزيع الجديد للعمل على المستوى الدولي. وهي الدول التي ستحافظ على استقلالية قرارها وستدعم سيادتها لتلعب دورا محوريا على المستوى الدولي، فتكون كلمتها مسموعة ويؤخذ برأيها. باختصار إنها الدول التي ستساهم مستقبلا في كتابة التاريخ.
ثانيا، على المستوى الاجتماعي، القضاء على بطالة حاملي الشهادات والإصلاح الجدي للمدرسة العمومية لن يتأتيا إلا من خلال التصنيع. فسأفاجئك إن قلت لك إن المدرسة العمومية لن تستقيم إلا بالتصنيع، ذلك أن التصنيع يفترض البحث العلمي والبحث العلمي يتطلب تعليما جيدا. ومحاربة بطالة حاملي الشهادات لن تكون فعالة وناجعة إلا إذا وضع الاقتصاد الوطني على سكة التصنيع. فهذه الظاهرة مردها أن القطاع الأكثر تشغيلا في المغرب، هو القطاع الفلاحي الذي يستوعب 40 في المائة من اليد العاملة النشيطة. القيمة المضافة لهدا القطاع ضعيفة، وما يوفره من مناصب شغل هي في المجمل مناصب لا تتطلب تكوينا عاليا. وبالتالي إذا قمت ببحث حول التشغيل، سوف تخلص إلى أن الصناعة هي الرافد الأساسي لتوفير مناصب شغل لحاملي الشهادات. أما على المستوى الاقتصادي، لا يمكن تحقيق معدل نمو كيفي وقوي ومستقر، دون التصنيع. حاليا محركات النمو في المغرب تتمثل أساسا في الفلاحة والبناء والأشغال العمومية والخدمات، وهي قطاعات غير مستقرة وذات قيمة مضافة ضعيفة، أما المحرك الصناعي، فقد أصيب بعطب، حيث لوحظ تراجع على مستوى مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج الداخلي الخام من 18 في المائة في 2000 إلى 13 في المائة في 2010، مما يعني أن ثمة تفكيكا لما يتوفر عليه المغرب من قاعدة صناعية. وهنا لابد من التمييز بين التصنيع والصناعة. أن تكون لبلد ما صناعة فهذا لا يعني أنه بلد مصنع. فالتصنيع مسلسل مندمج تتكون حلقاته من الإنتاج الصناعي والإنتاج التكنولوجي والبحث العلمي ومنظومة تعليمية كقاعدة أساسية لهذا المسلسل.
إلى جانب هذا، يأتي التشديد على الصناعة لكونها إحدى الدعامات، التي لا محيد عنها لتكريس السيادة الوطنية الاقتصادية وتدعيمها، فالدولة التي لا تبني استراتيجيتها على التصنيع، دولة تابعة، وزنها الاقتصادي غير مؤثر. يكفي أن نلاحظ ما تعيشه أمريكا الشمالية وبعض الدول الأوروبية كفرنسا وإنجلترا من تقلص في نفوذها نتيجة تفكك صناعاتها، لنقف عند ما يعنيه التصنيع. ولننظر إلى الدور الريادي لألمانيا في إطار الاتحاد الأوروبي، لنفهم أن التصنيع لا يختزل في عملية اقتصادية. ولا حاجة للإشارة إلى الموقع الذي تحتله حاليا الصين ودول أخرى بارزة بفضل التصنيع. فهذا من باب تحصيل حاصل.
الأمر الآخر الذي يجب التنبيه إليه، هو علاقة التصنيع بالميزان التجاري، فعندما يغيب التصنيع، تضطر الدولة غير المصنعة إلى استيراد حاجياتها من الخارج بالعملة الصعبة، وهذا ينعكس على الميزان التجاري، وبالتالي على ميزان الأداءات، ونحن نعتبر أن العجز الخارجي أخطر مكون في التوازنات الماكرواقتصادية.
لابد من التأكيد في الأخير على أن التصنيع هو قضية وطنية داخلية. فالاستثمار الأجنبي لم ولن يصنع بلدا. أن يساهم في بناء قاعدة صناعية وذلك في إطار سياسة تصنيعية محددة، فهذا شيء مستحب ومرغوب فيه، لكن أن يعتمد عليه لاحتضان معامل أو بالأحرى أوراش صناعية، فهذا يترجم قصر النظر وعدم الاستفادة من التجارب . فعندما أعلن عن مشروع رونو، انخرطت فيه بمعية «نيسان»، غير أن نيسان سرعان ما انسحبت، ولا شيء يضمن أن «رونو» لن تحذو حذوها في يوم من الأيام. ولعل تجربة صوماكا درسا على أصحاب القرار استيعابه. في الأخير، لابد من التأكيد على أن عدم الانخراط في التصنيع سوف يجعل المغرب في وضعية غير مريحة. مع الأسف الشديد، كنا قد شرعنا إلى حد ما في التصنيع في بداية الاستقلال حينما كنا وكوريا الجنوبية في مستوى متقارب، غير أن الدولة تخلت عن ذلك التوجه لتثبت أننا مجتمع يضيع وبطريقة بشعة مواعيده مع التاريخ.
- إلى أي حد يعتبر الوضع الحالي إفرازا للنموذج الاقتصادي الذي يسترشد به المغرب؟
من الثابت أن الوضع الحالي له علاقة بالنموذج الاقتصادي المغربي. فالنموذج الاقتصادي المعمول به في المغرب شبيه في بعض جوانبه بذاك الذي تسير على هديه بلدان مثل الصين، وهو نموذج مبني على الانفتاح. غير أن الصين وجهت ذلك النموذج في اتجاه تصنيع البلاد، بينما انخرط المغرب في تفكيك ما توفر له من صناعة. ويجب أن ننتبه إلى أنه في مارس القادم سوف يدخل التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي مرحلته النهائية، وبالتالي، أعتقد أن ما تبقى من صناعة ستتفكك أو على الأقل ستعاني من تنافسية شرسة لم تستعد لها، وسيتحول المغرب إلى مجرد سوق، وقد يستفيد نسبيا، وفي أحسن الأحوال، ولفترة، من الخدمات المنقولة أو «الأوفشورينغ». لكن الثابت أنه لن يرقى إلى مستوى الدول البازغة ولن يحل الإشكالات الجوهرية التي ترهن مستقبله. المشكل لا يوجد في النمط الاقتصادي، بل في القائمين عليه وفي طريقة التعاطي معه وفي مدى قدرة الاقتصاد الوطني على استيعابه والاستفادة منه. فنحن لم نحسن استغلاله ولم نستفد كثيرا من الإمكانيات التي أتاحتها العولمة في صيغتها الحالية على مستوى التصدير وغزو الأسواق كما فعلت الصين والهند والبرازيل، ولم نتمكن من استغلال اتفاقيات التبادل الحر التي أبرمت مع مجموعة من الدول، لأننا لم نكن مؤهلين. أكثر من هذا، الطلب الخارجي أقل فعالية من الطلب الداخلي في تطعيم التنمية والإسهام في الدينامية الاقتصادية. أمام هذا العجز، لا خيار لنا غير مراجعة هدا النمط وتحديد سياسة اقتصادية بديلة، وإلا سيهرب علينا الركب.
- ما الذي يعيب النمط الاقتصادي المغربي؟
النمط الحالي مبني على مجموعة من المغالطات، أولاها أننا نتعامل مع الاقتصاد المغربي باعتباره اقتصاد سوق. والحال أننا لا يمكن أن نتحدث عن اقتصاد السوق في المغرب بالمطلق، لأننا نتوفر على اقتصاد مركب يتداخل فيه المهيكل وغير المهيكل والريع. فإن لم يكن هناك احتراز ولم تكن هناك يقظة، فالسياسة الاقتصادية المتبعة قد تفضي إلى توسيع مساحة القطاع غير المهيكل وتكريس اقتصاد الريع. وهذا ما لوحظ مع الأسف خلال العشر سنوات الأخيرة. هدا التعامل جاء نتيجة المساعدة الملغومة لصندوق النقد الدولي. ففي 1983 شرع المغرب في تطبيق برنامج التقويم الهيكلي والعمل بمنهجية هذا الصندوق الخرقاء، وفي 1993 أعلن رسميا عن نهاية العمل بذلك البرنامج، غير أن المغرب ظل حبيس منطق صندوق النقد الدولي المتجاوز، أي أنه أصبح يعطي الأهمية للبعد المحاسباتي على حساب البعدين الاقتصادي والاجتماعي. والشاهد على هذا، أنه جعل من التوازنات الماكرواقتصادية هدفا في حد ذاته، وتغاضى عن التوازن الاجتماعي والمجتمعي. والنتيجة تغييب الإنسان والاستخفاف بكرامته والتعامل معه كرقم في معادلة تكرس التخلف وتضعف التماسك الاجتماعي. هدا التوجه الذي لم يكن مقتصرا على المغرب، أدى في نهاية المطاف إلى الانفجار وإلى زعزعة الاستقرار داخل الرقعة العربية.
المغالطة الثانية تكمن في طريقة التعاطي مع مسألة النمو الاقتصادي. فالنقاش لا يجب أن ينصب على معدلات النمو كما لا حظنا في برامج الأحزاب خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، أو كما جاء في البرنامج الحكومي، بل يجب التركيز على نوعية النمو وجودته، وذلك بربطه بالإنماء. اعتبر المغرب أن التركيز على البعد الكمي سوف يساهم في حل مشكل البطالة، والحال أن الاستثمار، وبالتالي التنمية، يمكنها أن تخلق مناصب شغل كما يمكنها أن تتلفها. فإذا كان مستوى التنمية مهما فإن الأهم هو نوعيتها. وأود هنا الإشارة إلى أن التشغيل يمكن أن يكون عبر تنمية نوعية، كما يمكن تحقيقه خارج التنمية. وهذا المسلك الأخير من الأهمية بمكان، لأنه يسمح بالاستجابة على المدى القصير لانتظارات الشباب ويساعد آنيا في إرسال إشارات قوية لبناء الثقة.
وتتجلى المغالطة الثالثة في تعامل النمط الاقتصادي المغربي مع القطاعات الاجتماعية ككلفة، بينما كان المفترض التعاطي مع تلك القطاعات كقطاعات استثمارية. فثروة المغرب موارده البشرية، لهذا فالتعليم والصحة ومحاربة الفقر قطاعات استثمارية. وثمة مغالطات أخرى من قبيل تلك التي ينظر بها للمقاصة، حيث يذهب الخطاب السائد إلى أن الدعم يستفيد منه الأغنياء أكثر من الفقراء، والحال أن المقاصة أحدثت من أجل دعم الإنتاج الداخلي، لتتحول إلى وكر للريع تستفيد منه بعض اللوبيات والوسطاء، فالطرح السائد طرح مغلوط. ومن المغالطات طريقة التعاطي مع العجز الموازني وعلاقته بالمديونية، حيث ينظر إليه من زاوية سلبية فقط، والحال أن توظيف العجز بطريقة ذكية وفي حدود معقولة وفي إطار استراتجية واضحة المعالم من أجل إعطاء دفعة للاقتصاد يمكن أن تكون له نتائج إيجابية. وكذلك بالنسبة للمديونية. فالعجز والمديونية كالكوليستيرول فيه الإيجابي وفيه السلبي. ومن المفارقات طريقة التعامل مع الرفع من القدرة الشرائية للمواطنين، حيث ينظر إليها بسلبية كعبء على مالية الدولة، وكعامل يحد من تنافسية المقاولة، وهذا صحيح. لكن ما يغيب على دعاة المقاربة المحاسباتية أن الطلب الداخلي هو المحرك الأساسي للتنمية وأحد دعامات الدينامية الاقتصادية. فإذا كان المراد نسبة تنمية مرتفعة، فالتنمية محركها الأساسي الطلب الداخلي.
- لكن عند الحديث عن الصناعة، لا بد من الإحالة على مخطط «انبثاق»، ألا يضع هذا المخطط أسس سياسة للتصنيع في المغرب؟
عندما تكون أمام مخطط ما، لا بد أن تسأل عمن أعده وكيف أعد وما الهدف من إعداده. وأنا أعتبر أن مخطط انبثاق الصناعي يجعل من المغرب بلد مناولة بامتياز، تابع بالضرورة للمقاولات التي تطعمه بطلبياتها ومرتبط بها ارتباطا عضويا. فإن أخلت بالتزاماتها أو أعادت النظر في علاقتها به، فهذا سيؤدي به إلى مأزق قد تترتب عنه عواقب وخيمة. فالمناولة قد توفر صناعات، لكن بدون تصنيع، وتكرس تحكم الرأسمال الخارجي في تنمية البلاد وسيادته. وفي ظل هذا النموذج، تكون نسبة الاندماج الاقتصادي ضعيفة جدا، فأنت تصنع أجزاء من المنتوج، دون أن تصنعه بالكامل ودون التحكم في مسلسل تصنيعه. فهل نريد بلدا مناولا أو بلدا مصنعا؟ وهنا لابد من صيحة علها تجد آذانا صاغية: ما الذي يمنع من تعبئة المخيال المغربي؟ ما الذي يمنع الاعتماد على الخبرة الوطنية لسن سياسة اقتصادية وطنية؟ فالمغرب يزخر بخبرات، مع كل أسف، معطلة، وحتى عندما تُشغل، فغالبا ما يكون مشغلها أجنبي يلزمها باحترام توجهاته. وللإشارة، لم تكن تتجاوز «المساعدة التقنية» مليارين من الدراهم سنة 2000 لتصل إلى 8 مليارات تسع سنوات من بعد. فهذه المساعدة تستنزف الاقتصاد المحلي.
- هل السياسات العمومية في المغرب تتجه نحو خلق سياسة التصنيع؟
اختار المغرب سبيل المناولة كما قلت، وانخرط في ثلاثة مسالك في تعاطيه مع الاستثمار. أولا، شرع في مغازلة الاستثمار الأجنبي بشكل مبالغ فيه، بينما لا يصلنا من ذلك الاستثمار سوى الفتات. فإفريقيا لا تتوصل سوى ب 4 في المائة في المتوسط سنويا من الاستثمارات الأجنبية، 2 في المائة تؤول في الغالب إلى إفريقيا الجنوبية والباقي يتوزع بين بلدان مثل مصر ونيجريا والمغرب وتونس... ثانيا، بذل المغرب العديد من الجهود والاستثمارات من أجل توفير مناطق مؤهلة كي يستقطب الاستثمار الأجنبي، بدل أن يستغلها في إطار توجه تصنيعي، ثالثا، دفع التركيز على المناولة إلى السعي إلى تكوين يد عاملة مؤهلة، لكن يتجلى أن تلك اليد العاملة مؤهلة على مستوى التنفيذ فقط، وليس على مستوى البحث والخلق والإبداع، فالمغرب يتوخى تكوين الآلاف من المهندسين من درجة ثانية يناط بهم تنفيذ ما أبدعه المهندس الأجنبي. إلى جانب هذا, إذا ما ارتأت «رونو» الانسحاب من المغرب، فسيجد المغرب نفسه أمام مهندسين مغاربة في حاجة إلى إعادة التأهيل. نحن نهدر الكثير من الطاقات من أجل نتيجة غير مضمونة وغير مرضية بالنسبة لبلد كان يفترض فيه الانخراط في التصنيع والانكباب على تطوير البحث العلمي، الذي يستدعي بدوره التعليم الجيد.
- لكن بالإضافة إلى التعليم، ألا يجب أن تساهم المؤسسات العمومية ذات الوزن المالي الكبير في رعاية التصنيع في البلد؟
أتصور أن التصنيع، كما في البلدان الناشئة، يحركه القطاع العمومي، مع استحضار بعض الاستثناءات، يمكن أن نقول إننا في المغرب لا نتوفر على مقاولين بالمعنى المتعارف عليه علميا، بل لدينا رجال أعمال فقط، جزء كبير منهم يتكون ممن يطلق عليهم «أصحاب الشكارة». لا يمكن الاعتماد في عملية التصنيع على القطاع الخاص وحده، بل لا بد من تدخل الدولة ضمن استراتيجية واضحة، حتى لا تتكرر أخطاء الستينيات والسبعينيات، فالقطاع العام هو الذي يتوجب عليه قيادة التصنيع في البلاد، وإذا وجد مقاولون مغاربة لمصاحبته فلا يمكن لنا إلا أن نهلل لهذا.


في المغرب لا نتوفر على مقاولين بالمعنى المتعارف عليه علميا
- لكن يتجلى أن الدولة عبر المؤسسات المالية التي تملكها تتجه أكثر نحو العقار والخدمات، ولا تولي الاهتمام الواجب للصناعة..
هذا يندرج ضمن النمط الاقتصادي الذي سبق أن تحدثت عنه. المغرب يتوفر على مؤسسات لها من الوسائل ما يكفي كي تساهم في سياسة تصنيع البلاد. لنأخذ مثالا ساطعا يثبت أن المغرب تخلى عن سياسة التصنيع، ولنتذكر جميعا البنك الوطني للإنماء الاقتصادي، الذي كان يعاني من نفس المشاكل التي عرفها القرض العقاري والسياحي والقرض الفلاحي. فبينما تعبأت الدولة من أجل إنقاذ هذين الأخيرين، تخلصت من البنك الوطني للإنماء الاقتصادي. هذا التوجه يعني أن الصناعة هي آخر ما تفكر فيه السلطات العمومية في المغرب. وأتصور أن الوسائل متوفرة ولم يسبق لها أن كانت عائقا، والمؤسسات التي يمكن أن تأخذ على عاتقها التصنيع موجودة، ما ينقص هو الإرادة. فالجزائر ودول الخليج لها وفرة من الوسائل المالية، ورغم ذلك لم تهتد إلى التصنيع، بينما لم تكن لكوريا الجنوبية نفس الوسائل، ورغم ذلك تصنعت. فالقضية قضية اختيارات والإشكال يكمن في الإرادة.
- في ظل الظرفية الحالية، ما هو هامش المناورة الذي يتوفر عليه المغرب من أجل الانخراط في التصنيع؟
في 2010، نشرت كتابا بفرنسا عنوانه «أزمة 2008: لمن تقرع الأجراس؟» منشورات لارماطون، حيث توصلت إلى نتيجة مفادها أنه على الصعيد العالمي، ثمة تشكل جديد على مستوى النظام العالمي، الذي سيكون مبنيا على أربع كتل. تضم الكتلة الأولى البلدان التي عرفت التصنيع مبكرا، والتي انتقلت حاليا من المجتمع الصناعي إلى ما بعد الصناعي، وهذه البلدان تتميز حاليا بتفكيك الصناعة وهيمنة الرأسمال المالي والتخبط في أزمة قد تأتي على اليابس والأخضر. وتشمل الكتلة الثانية البلدان الصاعدة التي توجد في طريق التصنيع، وهي البلدان التي تعرف نفوذا متزايدا على المستوى الدولي وينظر إليها بكثير من الاحترام والتقدير . وتحوي الكتلتان المتبقيتان الجزء الأكبر من بلدان ما كان يعرف بالعالم الثالث، فالكتلة الثالثة ستتكون من البلدان التي ستؤهل تخلفها، من بينها المغرب، حيث ستحقق معدل نمو متوسط وتستفيد من تقنيات الاتصال والبنيات التحتية، غير أن بلدان هاته الكتلة لن تكون بلدانا مصنعة، بل سوف تكون مستهلكة لما تنتجه البلدان المتقدمة والبلدان الناشئة من تقنيات الاتصال والتواصل. وتأهيل التخلف أو ما عبرت عنه بالجيل الثاني من التخلف هو الذي يعطي للمغرب وللدول المغاربية وهم السير في طريق الإنماء . أما الكتلة الرابعة، فهي تلك الدول التي ستبقى على هامش التغييرات الجارية، وهي دول التخلف من الجيل الأول كالصومال مثلا.

- كيف يمكن تجاوز هذه الوضعية؟
لابد من مراجعة النمط الاقتصادي السائد وإحلال الأشخاص في قلب العملية الاقتصادية. فبكل موضوعية، ما زال أمام المغرب بعض الوقت إن هو أراد الالتحاق بكوكبة الدول المتقدمة، لكن أي تأخر لن يزيد الأمور إلا تعقيدا. في هذا الاتجاه، لابد من التخلص من وهم الفكر الأحادي، الذي أثبتت التطورات الأخيرة عقمه حتى لا أقول خطورته. في 1989 عندما انهار جدار برلين، ظن الجميع أنه أشر على انهيار المعسكر الاشتراكي، فبشر العالم بنهاية التاريخ، والحال أنه أذن بنهاية المجتمع الصناعي. وهذا ما لم ينتبه إليه الغرب، مما فسح المجال أمام الرأسمال المالي كي يتحكم في الدواليب السياسية، وهو ما لعب فيه صندوق النقد الدولي دورا كبيرا، عبر «توافق واشنطن»، حيث ساد الاعتقاد بأن اقتصاد السوق في صيغته الليبرالية المتشددة هو مصدر الرفاهية. والأخطاء المرتبطة بهذا التصور، لا يمكن إدراكها إلا بأخذ مسافة منها. ونحن في المغرب لم نستطع الإفلات من هذا التصور، لأن النخبة جبلت على التقليد على مستوى التفكير، ونحن لم نبذل مجهودا كي نخرج من أنساق التفكير الأحادي، كما أننا لم نحاول التخلص من الفكر المرتبط بالقطبية الثنائية في العالم في مرحلة من المراحل. المشكل يكمن في مدى القدرة على التفكير والإبداع. ويجب أن ندرك أن البلدان الناشئة التي نجحت رفضت التعامل مع صندوق النقد الدولي، فماليزيا صدت صندوق النقد الدولي إبان الأزمة في التسعينيات، وتمكنت من إبداع نموذجها الخاص الذي قادها إلى بر الأمان. مما يعني أنه لا يمكن استيراد نماذج من الخارج واستنباتها في التربة المحلية. نحن نعيش أزمة فكر. أظن أنه حان الوقت لتقييم التجربة المغربية منذ 1998، والوقوف على الأسباب التي حالت دون وضع المغرب على سكة الإنماء، الذي يساهم في توفير فرص الشغل وتحقيق التوازن بين الجهات. في هذا الإطار، تغيير النمط الاقتصادي ضرورة لا محيد عنها. فالنمط الذي لم يعط أكله بعد أكثر من عشر سنوات، لا يرجى منه أن يثمر حتى وإن «لقح» وزود بأسمدة غنية. فالعاقر لا تفيد فيها العقاقير ولا بركة الأولياء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.