بعد مرور حوالي خمس سنوات من تطبيق مدونة الأسرة، التي صادق عليها البرلمان بالإجماع في 3 فبراير 2004، والتي أريد لها أن تعيد بناء العلاقة بين الجنسين قبل الزواج وخلاله وبعده على أساس المساواة والمسؤولية المشتركة والتكافل العائلي، ما هي أهم المكتسبات التي تحسب للمدونة وما هي الإشكالات الأساسية التي أبرزتها خمس سنوات من التطبيق؟ زواج القاصر، ثبوت الزوجية والنفقة هي أبرز النقط السلبية في تنفيذ مقتضيات مدونة الأسرة والتي أجمع عليها المشاركون في الندوة التي نظمها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بالتعاون مع وزارة العدل أمس الاثنين، لتقييم تفعيل مدونة الأسرة، بعد مرور حوالي خمس سنوات على خروجها إلى حيز الوجود. فقد أظهرت إحصائيات وزارة العدل أن زواج القاصر يمثل 10 في المائة من مجموع الزيجات، حيث تتم تلبية حوالي 90 في المائة من طلبات الإذن بتزويج فتيات دون سن الأهلية، كما أن عدد حالات ثبوت الزوجية لم تتجاوز 50 ألف حالة بين سنتي 2005 و2007، على مشارف انتهاء الأجل الذي حدده المشرع لتسوية وضعية الزيجات غير الموثقة، كما أن هناك مشاكل تعترض تنفيذ أحكام النفقة وتحديد حجمها. وفي هذا الصدد، قال أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إنه رغم النقط الإيجابية التي جاءت بها المدونة والتي من أبرزها المساواة في سن الزواج بين الرجل والمرأة وفي الأهلية القانونية لإبرامه، وجعل الأسرة تحت الرعاية المشتركة للزوجين والمساواة في الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين وجعل الطلاق تحت مراقبة القضاء، إضافة إلى تمتيع الطفل بالرعاية المشتركة لوالديه وبحقوقه عليهما من أجل بقائه ونموه وحمايته، إلا أن هناك مظاهر للقصور والخلل برزت من خلال تطبيق مقتضيات المدونة، والتي ترتبط أساسا بتحديات توفير قضاء أسري مؤهل على المستويات المادية والبشرية والمسطرية، حتى تتوفر بالفعل شروط العدل والإنصاف ويتم ضمان السرعة في البت في القضايا والتعجيل بتنفيذها. هذا الأمر، حسب حرزني، يستلزم تدعيم قضاء الأسرة والعمل على تكوين الأطر المؤهلة والإسراع بمجابهة الإشكالات التي تطرحها مسألة الطلاق والزواج دون سن الأهلية وثبوت الزوجية. من جهتها، أكدت عائشة لخماس، محامية وفاعلة جمعوية، أن هناك نواقص تعرفها المدونة على مستوى التشريع، من أبرزها عدم التنصيص على حق المرأة في أن تكون ولية على أبنائها، خاصة في حالة النزاع، وعدم إجبارية عقد اقتسام الممتلكات الذي يعتبر اختياريا فقط، والتأخير في إحداث صندوق التكافل الاجتماعي، وعدم تنفيذ أحكام النفقة. وأضافت لخماس أن عدم تحديد السن الأدنى للزواج يعتبر من أهم المشاكل التي تعترض تزويج القاصرات، فهناك حالات لفتيات يتم تزويجهن في الثالثة عشرة من عمرهن، داعية إلى ضرورة إنشاء محكمة لقضاء الأسرة بدلا من الاكتفاء بأقسام لقضاء الأسرة والتي غالبا ما تعرف اكتظاظا. أما فوزية العسولي، رئيسة الرابطة الديمقراطية لنساء المغرب، فترى أن هناك تطورا في تطبيق المدونة، لكن «ما زالت هناك مجموعة من الخروقات من أبرزها زواج القاصرات الذي يتعدى 10 في المائة من الزيجات، وهذا خلل بجميع المقاييس. وهناك أيضا التحايل عن طريق ثبوت الزوجية للتعدد، كما أن صندوق التكافل الاجتماعي لم ير النور بعد». لقد شكلت مدونة الأسرة ثورة بيضاء في مجال النهوض بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل إلا أن تطبيقها ما زال يعرف عدة اختلالات، يمكن أن تجعل من هذا النص القانوني حبرا على ورق. المدونة في أرقام.. زواج أكثر وطلاق أكثر سجلت نسبة الزواج ارتفاعا مهما، إذ بلغ عدد رسوم الزواج خلال سنة 2007 ما مجموعه 297.660 رسما، هذا في الوقت الذي سجل فيه عدد هذه الرسوم خلال سنة 2006 ما مجموعه 272.989 رسما، أي أنها حققت ارتفاعا بنسبة 9,04 %، كما عرفت نسبة الأحكام الصادرة بثبوت الزوجية ارتفاعا مهما، إذ بلغ عدد الأحكام الصادرة بشأنها سنة 2007 ما مجموعه18.751 حكما، في حين صدر بشأنها سنة 2006 ما مجموعه 16.832 حكما، بحيث حققت زيادة بنسبة %11,40. أما بالنسبة إلى التعدد، فقد لوحظ أن نسبة رسوم الزواج المنجزة بشأنه تشكل نسبة 0,29 %. من العدد الإجمالي لرسوم الزواج خلال سنة 2007. وقد برز بوضوح ميل الأزواج، في إنهاء العلاقة الزوجية، إلى سلوك طريق الطلاق الاتفاقي، الذي عرف خلال سنة 2007 ارتفاعا بنسبة 22,28%. كما يلاحظ أن عدد الأحكام التي تشهد بوقوع الصلح بين الزوجين بالنسبة إلى دعاوى الطلاق أو التطليق خلال سنة 2007 حققت نسبا مهمة، بحيث قاربت نسبة السدس من مجموع الأحكام القاضية بالتطليق.