ألقى الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مساء يوم الثلاثاء الماضي ثالث خطاب عن حالة الاتحاد منذ وصوله إلى رئاسة البلاد. وأعلن أوباما في خطابه عن عدد من الإجراءات التي قال إنها ستكون كفيلة بإنعاش الاقتصاد الأمريكي المتدهور وتشجيع المشاريع الصغرى والمتوسطة، كما تعهد بالعمل جاهدا من أجل استعادة أمريكا لمكانتها على الساحة الدولية على المستويين العسكري والدبلوماسي. كما أشاد أوباما بالربيع العربي وبالتغييرات التي تشهدها المنطقة العربية وأكد دعم بلاده لجهود من وصفهم بالأبطال، الذين يطالبون بمزيد من الحقوق والكرامة. «أتمنى أن يعلن الرئيس أوباما الليلة عن إجراءات واضحة لإنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل حتى أتخلص من البطالة والفقر الذي أعيش فيه حاليا وأعثر على عمل كريم يحميني من التحول إلى متشردة في الشوارع». هكذا تحدثت أنجلينا وهي مواطنة أمريكية عاطلة عن العمل لبرنامج «أول ثينغس كونسيدرد»، الذي يذاع على أمواج الإذاعة العامة المعروفة اختصارا ب(إن بي آر)، قبيل نصف ساعة من إلقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما ثالث خطاب عن حالة الاتحاد منذ وصوله إلى البيت الأبيض. وأنجلينا ليست الوحيدة التي كانت تأمل أن يعلن أوباما عن خطة اقتصادية مبتكرة لمواجهة المشاكل الاقتصادية المستعصية التي تعاني منها البلاد منذ سنوات، وتسببت في ارتفاع معدل البطالة وفقدان ملايين الأمريكيين لبيوتهم، وارتفاع مؤشر الفقر والفقراء في البلاد. فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها خلال هذا الأسبوع في الولاياتالمتحدة من بينها واحد أجرته صحيفة «واشنطن بوست»، بأن غالبية الأمريكيين يعطون الأولوية القصوى لقضايا الاقتصاد على حساب باقي القضايا الأخرى وعلى رأسها الأمن القومي فيما يخص دوافع الانتخاب في الانتخابات الرئاسية القادمة.
دموع في الكونغرس!
استقبل أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب بالكونغرس الأمريكي الرئيس باراك أوباما بعاصفة من التصفيق عندما دلف إلى الغرفة الفسيحة لإلقاء خطاب الاتحاد وذلك بعدما سبقه أعضاء إدارته وعلى رأسهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وقبل أن يتقدم أوباما نحو المنصة لإلقاء خطابه توجه إلى أحد الكراسي الأمامية للمجلس وعانق بحرارة عضوة مجلس النواب عن ولاية أريزونا غابريل غيفورد التي كانت قد أصيبت بطلق ناري في الرأس خلال ما أصبح يعرف بمجزرة توسان والتي وقعت قبل سنة عندما أطلق مواطن أمريكي النار على تجمع انتخابي للنائبة غيفورد بمدينة توسان بولاية أريزونا وقتل ستة أشخاص وأصاب غيفورد إصابة خطيرة في الرأس. وأعرب أوباما عن سعادته برؤية غيفورد التي أعلنت استقالتها من مجلس النواب كي تتفرغ لرحلة العلاج الطويلة التي تنتظرها وتتوقع أن تستعيد خلالها النطق والحركة بعدما تسببت الإصابة في إصابتها بشلل جزئي أفقدها التحكم فيهما. وغمغم أوباما بكلمات عديدة في أذن النائبة غيفورد وهو يعانقها أو يربت على كتفها. وأحاطت النائبة غيفورد أوباما بذراعيها وذرفت الدموع وهي ترد على كلماته بهزات متتالية من رأسها. وكان السبب في هذا السلام الحار بين الرئيس الأمريكي والنائبة المصابة هو كون جلسة الكونغرس التي ألقى فيها أوباما خطابه هي آخر جلسة ستحضرها غيفورد قبل أن تدخل المستشفى وتخضع لبرنامج مكثف لإعادة تأهيلها صحيا وعلاجها من آثار الطلق الناري الذي أصاب دماغها ودمر جزءا منه خلال المجزرة التي هزت الرأي العام الأمريكي قبل سنة وتسببت في إطلاق جدل حاد حول قانون إباحة حمل السلاح في التجمعات العامة.
وصفة اقتصادية لقلب أمريكا العليل
استهل أوباما خطابه عن حالة الاتحاد بالتأكيد على أن أمريكا قتلت عدوها الأول أسامة بن لادن الذي طالما شكل خطرا عليها وعلى حلفائها في العالم، وشدد على أن واشنطن سحبت جنودها بالكامل من العراق وستسحب المزيد منهم من أفغانستان حيث قلمت أظافر تنظيم طالبان الذي سينضم للعملية السياسية، وراجعت سياستها الدولية كي تركز أكثر على القضايا الداخلية. وانتقد أوباما بشدة غياب العدالة الاجتماعية في المجتمع الأمريكي وحذر من احتمال اختفاء الطبقة الوسطى التي كانت أمريكا تفخر بها دائما إذا ما استمرت المشاكل الاقتصادية في التفاقم. ثم انتقل إلى الإعلان عن حزمة من الإجراءات العاجلة لإنعاش الاقتصاد وتشجيع المقاولات الأمريكية على تشغيل العاطلين. وأكد أوباما أن إدارته ستمنح الشركات التي تؤسس مشاريع داخل أمريكا إعفاءات ضريبية متعددة، فيما ستعمل على حرمان الشركات التي تنقل أعمالها إلى الخارج وخصوصا إلى الصين من أي إعفاءات ضريبية. وقال أوباما بلهجة حازمة: «من غير المقبول أن تحقق الشركات الخاصة أرباحا خيالية عبر نقل الوظائف إلى الصين وتقتل سوق العمل في أمريكا وتتمتع بعد ذلك بإعفاءات ضريبية ضخمة من الإدارة الأمريكية». وقال مراقبون إن تركيز أوباما على الجانب الاقتصادي في خطابه جاء بسبب ضغط الشارع الأمريكي الذي بات يغلي بسبب ارتفاع كلفة المعيشة وارتفاع معدل البطالة وتصاعد مؤشر الفقر فيما تراكم الشركات الكبرى ملايير الدولارات من الأرباح ولا تدفع ما يكفي من الضرائب للدولة ولا تعيد استثمار جزء من أرباحها داخل أمريكا. وأضاف هؤلاء المراقبون بأن خطاب أوباما كان بمثابة وصفة اقتصادية لقلب أمريكا الاقتصادي العليل في سنة انتخابية ساخنة بدأت فيها الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري مبكرا والتي ستسفر عن فوز مرشح ينافس الرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية القادمة والتي سيسيطر عليها الجانب الاقتصادي بالنظر للأزمة التي تشهدها البلاد والعالم.
إعادة بناء قوة أمريكا
تعهد الرئيس الأمريكي في خطابه بالعمل على إعادة بناء القوة الأمريكية من جديد حتى تعود واشنطن للتربع على قمة العالم سواء على المستوى الدفاعي والأمني أو المستوى الصناعي. وقال أوباما: «لقد تقدمنا كثيرا ولا يمكن أن نعود إلى الوراء. طالما أنا رئيس، سوف أعمل مع أي كان في هذه القاعة على تعزيز هذا التوجه.. سأحارب المعوقات بالعمل وسوف أعترض بشدة على أي محاولة للعودة إلى السياسات التي تسببت بهذه الأزمة الاقتصادية». وأضاف أوباما بصوت حازم «لا، لن نعود إلى اقتصاد ضعيف وإلى الديون السيئة وإلى الأرباح المالية القائمة على الغش.. هذا المساء أريد أن أقدم الخطط لاقتصاد يقوم كي يستمر». وأعلن أوباما أنه سيعتمد على استراتيجية جديدة في مجال الطاقة لمعالجة أمريكا من إدمانها على نفط الشرق الأوسط، وأكد أن الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي من هذه المادة الحيوية ارتفع إلى رقم قياسي غير مسبوق، كما قال إنه سيسمح باستخدام كافة موارد الطاقة وخاصة النظيفة منها. وصفق النواب الديمقراطيون بشدة عندما نطق أوباما بهذه الجملة ووقفوا بحماسة، فيما ظل النواب الجمهوريون جالسين وسمعت همهماتهم داخل القاعة تعبيرا عن عدم رضاهم عما يقوله أوباما وهذه عادة متبعة في أي خطاب يلقيه أي رئيس أمريكي عن حالة الاتحاد حيث يصفق له نواب حزبه عندما يعلن عن شيء يتماشى وسياسة الحزب فيما يظل نواب الحزب المعارض جالسين أو يهتفون بكلمات احتجاج أو اعتراض. وقد سبق أن هتف جون بينير رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب عندما كان أوباما يلقي خطابه الأول عن حالة الاتحاد قائلا وسط القاعة «لاير» (كاذب)، واضطر فيما بعد للاعتذار للرئيس الأمريكي بعدما انتقدت وسائل الإعلام سلوكه بشدة.