في حين أخذ التحالف العربي على سوريا يزداد قوة، وفي الوقت الذي استقر فيه رأي السعودية على سحب مراقبيها من الوفد إلى سوريا ويزداد ضغط قطر لنقل الأزمة السورية إلى مائدة الأممالمتحدة، تنشب في صفوف المعارضة السورية اختلافات في الرأي تثير خشية من أن يصبح الاحتجاج السوري انقلابا عسكريا جديدا يحل محل الاحتجاج المدني. إن خط الفصل يمر الآن بين ضابطين رفيعي المستوى بينهما صراع على السيطرة على الجيش السوري الحر وهو جيش المنشقين الذي يزيد عدده على 20 ألف مقاتل. سجل الجيش عدة إنجازات في الفترة الأخيرة، أهمها حتى الآن السيطرة على مدينة الاستجمام الزبداني على مبعدة 45 كلم عن دمشق. يتولى قيادة جيش المنشقين العقيد رياض الأسعد الذي انشق قبل بضعة أشهر وأنشأ في شهر يوليوز في تركيا قيادة الجبهة الداخلية والقاعدة اللوجستية وحساب البنك الذي تنقل إليه تبرعات مدنيين وحكومات. لكنه قبل نحو من أسبوعين، انشق عن الجيش السوري الجنرال مصطفى الشيخ، رئيس فرع الكيمياء وضابط أمن منطقة الشمال في سوريا، مع ابنه الضابط، وأحدث بذلك مشكلة هرمية قيادية في الجيش السوري الحر. ويطلب الشيخ إنشاء مجلس عسكري أعلى يرأسه هو نفسه، ينسق جميع العمليات العسكرية على النظام. في مقابلته، يقول الأسعد إنه رغم رتبة الشيخ الرفيعة فإن الأسعد هو القائد الأعلى للجيش الحر لأنه كان أول الضباط ذوي الرتب العالية الذين انشقوا وهو الذي وضع القاعدة التنظيمية والعملياتية للجيش. وأصبح الاختلاف بين الضابطين رفيعي الرتبتين يسبب انقساما بين المنشقين الذين ترك فريق منهم الولاء للأسعد وانضموا إلى الشيخ، ومن جملة أسباب ذلك أنه تبين أن الأسعد غير قادر على أن يدفع للموالين له لأن تركيا قررت إغلاق حساب البنك المُدار عندها. دخل في خضم هذا الاختلاف أيضا برهان غليون، زعيم المجلس الوطني السوري، وهو المنظمة العليا لحركات الاحتجاج المدني. وقد التقى غليون مع الجنرال الشيخ وأثار بذلك غضب متحدثة الجيش السوري الحر لمى الأتاسي. في الأسبوع الماضي، نشرت الأتاسي، في صفحتها على الفيس بوك، إعلانا يقول: «سمعنا أنك تشجع الانقسام في صفوف الجيش السوري الحر، وأنا أسألك: من أجل من تعمل؟». توجد اختلافات في الرأي حقا بين الجيش السوري الحر وقيادة المجلس الوطني السوري في صورة إدارة الاحتجاج، لكنه لم تسمع حتى الآن أقوال شديدة بهذا القدر علنا. وفي الوقت نفسه، بدأ ضباط من الجيش السوري الحر يقذفون مظلمة المعارضة المدنية. وحسب تقرير في موقع «إيلاف»، قال واحد من الضباط المنشقين، هو خالد يوسف، إن «المجلس الوطني السوري لا يمثل الثورة». وقال إن «المجلس مقطوع عن معاناة المواطنين ونحن نطلب من الشعب بأن يرفض شرعيته». الخوف المباشر هو من أن ينشىء الاختلاف بين ضباط الجيش والجنود عصابات مسلحة مستقلة، تدير كل واحدة منها معركة مستقلة وتحاول تحقيق إنجازات في الميدان، لكنها ستُسهل بذلك على الجيش السوري أن يعمل على مواجهة كل قوة على حدة. وإلى هذا يسبب هذا الاختلاف صعوبة كبيرة في بناء قيادة متفق عليها تستطيع أن تكون بديلا عن نظام الحكم، في حين تحول دول عربية في هذه المرحلة أموالا إلى كل قوة على حدة، وبهذا قد يخسر النضال كله. وفي أمد أبعد، قد يصبح النشاط العسكري للقوتين قاعدة سلب الأسد السلطة، لكنه يتوقع لسوريا آنذاك أن يحل نظام عسكري محل نظام عسكري آخر. إلى جانب الاختلاف العسكري، توجد أيضا فروق في التصور داخل المعارضة المدنية، فبعضها -وهو في الأساس قيادة المجلس الوطني السوري- يسعى إلى تدخل الأممالمتحدة وإلى فرض عقوبات اقتصادية أخرى، في حين تطلب حركات احتجاج أخرى تدخلا عسكريا غربيا. وليست للدعوة إلى تدخل عسكري أجنبي استجابة في الغرب، وليس اقتراح حاكم قطر إرسال قوات عربية إلى سوريا مقبولا من الجامعة العربية. والنتيجة أن الجامعة العربية بقيت مع اقتراح تمديد نشاط المراقبين الذي لا فائدة منه، وهم الذين سيرون كيف سيُقتل سوريون أكثر فأكثر كل يوم.