كما كان منتظرا، قدم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الخميس الماضي، التصريح الحكومي أمام البرلمان، وهو التصريح الذي تضمن حزمة من الوعود والالتزامات التي ستنتظر من الحكومة تنزيلها على أرض الواقع، والاستجابة لتطلعات الناخبين الذين أوصلوا الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة. ولعل التطلعات والآمال التي يعلقها المواطنون على الحكومة الجديدة هي التي دفعت معدي البرنامج الحكومي إلى التركيز على الجانب الاجتماعي، بالنظر إلى ما يستتبع ذلك من آثار مباشرة على المواطن المغربي، كما شكلت قضية الهوية حيزا مهما في التصريح الحكومي. أما في الجانب الاقتصادي، فقد سطر من بين أهدافه «مواصلة بناء اقتصاد وطني قوي متنوع الروافد القطاعية والجهوية وتنافسي ومنتج للثروة والشغل اللائق وسياسة اقتصادية ضامنة للتوزيع العادل لثمار النمو».. «المساء» تعيد قراءة أهم المحاور في التصريح الحكومي بعيون محللين وسياسيين، لاستجلاء نقط القوة والضعف فيه، والوقوف على مدى قابلية وعوده للتحقق. قدم رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران يوم الخميس الماضي برنامج حكومته أمام غرفتي البرلمان. وقد تضمن البرنامج حزمة من الوعود ورتب على الحكومة مجموعة من الاستحقاقات برسم ولايتها التي تمتد خمس سنوات. وبصرف النظر عن مضامين التصريح الحكومي، فإن هناك أسئلة حول مصادر تمويل المشاريع الطموحة الواردة في ذلك التصريح وآفاق التطبيق وقدرة الحكومة على الوفاء بكل ما التزمت به، خصوصا أن العادة جرت مع الحكومات السابقة أن يكون التصريح الحكومي مليئا بالالتزامات والتطلعات الطموحة بينما يكون التنزيل على أرض الواقع محدودا. وشكلت قضية الهوية في التصريح حيزا مهما، سواء فيما ورد في الجزء الأول المتعلق بنفس النقطة أو فيما ورد في الأجزاء الأخرى، ولعل مرد ذلك أن الحزب الذي يقود الحكومة يركز بشكل كبير في خطاباته السياسية على مسألة الهوية الدينية والوطنية، بل إن العديد من المعارك السياسية التي خاضها في السنوات الماضية كانت تدور حول هذه القضية. غير أنه بخلاف ما كان متوقعا من لدن الكثير من المتابعين جاء التركيز على قضايا الهوية في التصريح الحكومي محتشما وغير تفصيلي. ولعل مرد ذلك أمران: الأول أن التصريح الحكومي هو نتاج شراكة بين أربعة أحزاب سياسية في الائتلاف الحكومي الذي يقوده ابن كيران، ومن المفترض أن هذا الائتلاف سيجعل التصريح الحكومي ثمرة توافق بين هذه المكونات الأربعة.أما الأمر الثاني فهو أن حزب العدالة والتنمية استهدف الابتعاد عن إثارة أي انتقادات محتملة بسبب قضايا الهوية من جهة، والحيلولة دون حصول أي تماس مع السلطات الدينية للملك الذي يعود إليه أمر توجيه الشأن الديني الذي تعود إلى الحكومة مهمة تدبيره فقط. وقد حرصت ديباجة التصريح الحكومي على أن تستهل الباب المتعلق بالهوية باقتباسات من ديباجة الدستور، التي تؤكد على أن «المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء». واعتبر التصريح الحكومي أن ما ورد في ديباجة الدستور «يمثل الإطار العام لأهداف السياسة العمومية في قضايا الهوية والقيم». حدد التصريح ثلاثة محاور لتنزيل قضايا الهوية، هي: التشبث بالمرجعية الدينية للمملكة وتعزيز المواطنة المسؤولة -إطلاق سياسة لغوية مندمجة لتقوية النسيج اللغوي الوطني والانفتاح على اللغات الأجنبية-واعتماد سياسات ثقافية وإعلامية وفنية تعزز الهوية المغربية وقائمة على المواطنة والحرية والمسؤولية والإبداع. غير أنه فيما يتعلق بالمرجعية الدينية للمملكة لم يحدد التصريح الحكومي طبيعة هذه المرجعية، واكتفى بالعموميات، وهذا ما يثير مفارقة هامة، وهي أن هذا التصريح الذي تضعه حكومة يقودها لأول مرة حزب «إسلامي» تغيب فيه أي إشارة إلى بعض القضايا التي ظلت محل جدل في المشهد الديني بالمغرب خلال السنوات الماضية، ويتسم بالغموض وعدم الوضوح فيما يتعلق بالتعامل مع الاختيارات الدينية للمملكة خلال المرحلة القادمة. والأكثر من ذلك أن لمسة حزب العدالة والتنمية غابت بشكل نهائي عن التصريح الحكومي فيما يتعلق بهذه الجوانب، مع أنه الحزب الذي كان أكثر حرصا على أن لا يفوّت أي مناسبة ترتبط بالشأن الديني دون أن يكون له فيها صوت. فقد حرص التصريح على أن يطبع تدبير الحكومة للمجال الديني في المرحلة القادمة بالاستمرارية، إذ أكد أن الحكومة ستستمر في دعم الخطاب الديني المعتدل وفي دعم دور المساجد والأوقاف ومؤسسات التعليم العتيق، وفي مضاعفة الاهتمام بوضعية العاملين في الحقل الديني، وفي تعزيز مؤسسة العلماء ودعم دورها. بيد أنه إذا كانت الملاحظات السابقة تشكل مدخلا لانتقاد التصريح الحكومي، فهي في نفس الوقت تشكل مدخلا لقراءة الواقعية السياسية التي يتسم بها هذا التصريح، ذلك أن ما تضمنه في الجانب المرتبط بالهوية والمسألة الدينية يؤكد بأن حزب العدالة والتنمية لا يتوفر على رؤية مخالفة لرؤية الدولة فيما يتعلق بالسياسة الدينية في المملكة، وبأن المخاوف التي كان يعبر عنها البعض في السابق بخصوص التعامل مع قضايا الهوية كانت مخاوف في غير محلها.